على خشبة المسرح وقف عادل إمام مجسدا شخصية بهجت الأباصيري طالب الثانوية العامة الذي يتبعه زملائه حيثما ذهب وينفذون قراراته فهو العقل المفكر بينهم، لذا وصفوه بالزعيم، وذلك ضمن أحداث مسرحية "مدرسة المشاغبين" التي عرضت عام 1971 وشاركه بطولتها سعيد صالح ويونس شلبي وأحمد زكي وهادي الجيار، وسهير البابلي.
قبل هذا التاريخ كان عادل إمام ينبش باحثا عن فرصة إثبات الذات، بعد أن شارك في عدد من الأفلام بأدوار تتفاوت في درجة حضورها، أما بعد "مدرسة المشاغبين" خرج عادل إمام من كواليس العمل لترافقه الزعامة، ويصبح زعيما للفن العربي، ذلك اللقب الذي التصق به وصار "براند" باسمه فقط.

عادل امام في مدرسة المشاعبين
"حلاوة سمسمية بمليم الوقية"، أول جملة قالها عادل إمام على خشبة المسرح في مسيرته المهنية، في العرض المعنون بـ "ثورة قرية" بطولة عزت العلايلي وصلاح قابيل، مجسدا دور بائع متجول من أصول ريفية، عبارة غير مضحكة لكن طريقة أدائها جعلت الجمهور لا يتمالك نفسه من الضحك.
عرف فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي الموهبة الشابة الجديدة وأدركا منذ اللحظة الأولى أن الطريق أمامه مفتوحا ليصبح نجما لامعا، هذه كانت قناعاتهما ورؤيتهما لفنان شاب نحيل يبحث عن الأضواء، فهما بحكم خبراتهما المتراكمة يعرفان جيدا قيمة الموهبة ومفرداتها، لذا لم يترددا في اسناد دور صغير له بمسرحية "انا وهو وهي" عام 1964.
عادل امام في دور دسوقي افندي
عادل إمام ودسوقي افندي
"عندما دخلت إلى المسرح لتجسيد دور دسوقي افندي في (أنا وهو وهي) لم يصفق لي الجمهور، فلا أحد يعرفني، لكني حاولت واجتهدت لاضحاكهم، وعندما خرجت وجدت الجميع يصفق لي"، لا ينسى عادل إمام هذه اللحظة التي جعلتها منتشيا بنجاحه، لقد نجح الشاب النحيل في لفت أنظار الجمهور بعدما أقنع نجمين بحجم المهندس ومدبولي.
منذ تلك اللحظة، سار عادل إمام في مشواره الفني، متنقلا بين العديد من المحطات والتحديات المختلفة، لقد حقق الشهرة وأدرك حلمه بالتمثيل، وخطف قلوب الجمهور، وأقنع النقاد، ونال ثقة زملائه بالوسط الفني.. فماذا تبقى؟
الإجابة على هذا السؤال، تكمن في قناعات عادل إمام المهنية الخاصة، فهو لم يكن يكتف بأي نجاح، ويحاول دائما أن يضع قدمه في مناطق إبداع جديدة، ليس ذلك بحسب بل أيضا التفوق فيها، سواء في دراما المخابرات بمسلسل "دموع في عيون وقحة"، أو أفلام تعكس هم الشارع المصري، وأخرى يقدم فيها نجوم شباب جدد إلى السينما المصرية ليجدد دمائها، ومسلسلات رمضانية قريبة من جمهور المنزل، لذا ظل على مدار أكثر من 60 عامًا، حاضرًا في الوجدان العربي، ليس كمجرد نجم، بل كصوت فني يعكس هموم الناس، ويفضح تناقضات المجتمع، وينتصر للبساطة والضحك والحب، ولهذا لم يكن مجرد ممثل ناجح، بل ظاهرة استثنائية قلما تتكرر.

عادل امام في الارهاب والكباب
أفلام عادل إمام
ما يميز عادل إمام أنه لم يكتفِ بالضحك، بل استخدمه كمدخل لمناقشة قضايا كبرى. في أفلامه مع الكاتب الراحل وحيد حامد والمخرج شريف عرفة، صنع واحدة من أنضج الشراكات الفنية في تاريخ السينما المصرية، "اللعب مع الكبار"، "الإرهاب والكباب"، "المنسي"، و"طيور الظلام"، لم تكن مجرد أفلام ناجحة جماهيريًا، بل أعمالًا توثق نبض الشارع المصري وهمومه السياسية والاجتماعية، وتجسّد معاناة البسطاء الذين يبحثون عن الكرامة والأمان.
عادل إمام لم يكن فنانًا نخبويًا، بل اختار طريق السينما الجماهيرية ذات الرسالة، فحقق المعادلة الصعبة: إيرادات ضخمة + احترام نقدي. كانت أفلامه تتصدر شباك التذاكر، وتُباع منها مئات الآلاف من نسخ الفيديو، ويظل الجمهور يردد عباراته الساخرة والجادة أيضا، بدءا من "بلد بتاعة شهادات صحيح" مرورا بـ "وأنا أيضا أعلم عنك الكثير" وإلى "مش أنا عيد ميلادي النهاردة".

عادل امام في مأمون وشركاه
مسلسلات عادل إمام
ذكاء عادل إمام لم يتوقف عند اختياراته الفنية فقط، بل في فهمه لطبيعة كل مرحلة. فعندما بدأ نجم الدراما التلفزيونية يسطع مع بداية الألفية، لم يتأخر عن خوضها، فعاد بعد غياب طويل بمسلسل "فرقة ناجي عطا الله" عام 2012، وواصل الحضور على الشاشة الصغيرة بــ "العراف"، "صاحب السعادة"، "مأمون وشركاه"، و"فلانتينو"، ليظل ضيفًا دائمًا على مائدة الدراما الرمضانية، دون أن يفقد بريقه أو شعبيته.
حتى أدواره الجادة، مثل "المشبوه" مع سعاد حسني، أثبتت أنه ممثل متكامل قادر على التجريب والخروج من عباءة الكوميديا، لكنه عرف تمامًا أن الجمهور أحبه في هذا القالب، فعاد إليه محققا التوازن في مشواره الفني.
ما ساعد عادل إمام على الاستمرار، إلى جانب موهبته، هو وعيه بأنه فنان شعبي، لا يحق له الانعزال أو تقديم أعمال نخبوية تتجاهل جمهور السينما العريض. لهذا، كان يحرص على انتقاء أدوار تمس الشارع المصري، وتعكس شخصيات يمكن للجميع أن يروا أنفسهم فيها: الموظف، الفقير، الحالم، المقهور، المتمرد.

عادل امام مسرحية الزعيم
لا عجب أن يحمل عادل إمام لقب الزعيم، ليحفر ذلك اللقب بعنوان مسرحيته الصادرة عام 1993، مجسدا شخصية كومبارس يشبه زعيم دولة، وهنا كان يجسد رمزًا أبعد من مجرد تمثيل. كان يتحدث عن السلطة، عن الفن، عن البدائل الزائفة، وفي النهاية… عن نفسه.

عادل إمام
اللافت للنظر أن عادل إمام ظل مخلصا لمهنة التمثيل، فهو لم يدخل مجالات الإخراج أو الإنتاج أو التأليفمركزًا فقط على التمثيل، متمعتا بحضور وذكاء فني نادر، يعرف كيف يدير موهبته، ويجدد نفسه، ويمتلك القبول فوق خشبة المسرح، وفي السينما، وامام شاشات التلفزيون، وهي معادلة نادرًا ما يحققها فنان.
عادل إمام ليس فقط فنانًا كبيرًا، بل حالة وجدانية يصعب تكرارها. يندر أن نجد نجمًا عربيًا ظل على القمة طيلة 6 عقود، محاطًا بحب الجمهور واحترام النقاد، حتى وإن ابتعد عن الشاشة.