جمال عبد الناصر يكتب : صوت يختصر الحب والأنوثة والوطن في لحن واحد

وردة وجمال عبد الناصر وردة وجمال عبد الناصر
 
لم يكن صوت وردة مجرد وسيلة للطرب، بل كان أداة تعبير روحي ووجداني، و امتلكت مدى صوتيًا واسعًا، وذكاء فنيًا كبيرًا في توزيع الانفعالات، ما جعلها تؤدي الأغنية كأنها مشهد مسرحي، يتنقل فيه المستمع بين الحب والشجن والانتصار والانكسار.
 
واليوم السبت 17 مايو هو ذكرى رحيل وردة الجزائرية، الفنانة التي ظلت لعقود زهرة متفتحة في بستان الطرب العربي، بصوتها الفريد الذي جمع بين الحنان والقوة، وبين النغمة الشعبية والقصيدة الطربية، وبين الرقة العاطفية والصدق الوطني.
 
وردة، التي وُلدت في باريس عام 1939 لأب جزائري وأم لبنانية، عاشت تنقلًا فنيًا طويلًا بين فرنسا والجزائر ومصر، حتى أصبحت رمزًا عربيًا جامعًا، واكتشفها الجمهور المصري في ستينيات القرن الماضي، وانطلقت من خلال تعاونها مع رياض السنباطي، ثم رسّخت مكانتها كنجمة أولى للأغنية العاطفية والوطنية بالتعاون مع كبار الملحنين، على رأسهم بليغ حمدي.
 
من بين أبرز أغانيها التي أحبها وأعشقها ولا أمل من سماعها أغنية  "العيون السود"، "خليك هنا"، "بتونس بيك"، "وحشتوني"، "لولا الملامة"، وكلها نماذج لمدرسة وردة في الأداء الذي يمزج بين الطرب الصافي والإحساس الدرامي العميق، زامتلكت ذكاءً فنيًا نادرًا جعلها تختار أعمالًا قادرة على إبراز قوتها التعبيرية، والتنوع بين المقامات والقوالب الغنائية.
لم تكن وردة مطربة حب فقط، بل كانت أيضًا صوتًا للوطن، وصوتا للجزائر كما كانت صوت مصر والعروبة، غنّت " بلادي يا زين البلدان" ، " أنا من الجزائر" وشاركت في "وطني الأكبر"، لتصبح أغانيها جزءًا من الذاكرة الوطنية الجمعية لجيل كامل. وشاركت في أغانٍ قومية في مناسبات عربية مصيرية، فكان صوتها جزءًا من الوجدان القومي العربي.
صوت وردة يجمع بين العذوبة والقوة، يمتاز بالقدرة على الأداء الطربي والزخارف الصوتية (التحليات والانتقالات)، ولديها إحساس درامي يجعلها أقرب إلى الممثلة في غنائها، ولديها أيضا ذكاء في استخدام الطبقات المختلفة حسب نوع الأغنية، أما قدرتها على التلوين الصوتي بين الشجن والتوهّج فقد منحها تفردًا بين نظيراتها، فهي لم تكن "تُغني"، بل كانت "تحيا" الأغنية، في كل حرف وجملة موسيقية.
كل أغنية منها تمثّل حالة غنائية خاصة، تجمع بين الرقة، العمق، والصدق، وتكشف عن براعة وردة في التعبير عن أدق التفاصيل العاطفية، وفي ذكرى رحيلها، لا نرثي وردة، بل نحتفل بها. نُصغي إليها، لا لنستعيد الماضي فقط، بل لنتذكّر كيف يمكن لصوت أن يختصر الحب، والكرامة، والأنوثة، والوطن... في لحن واحد.
 
______________
مصادر:
حسن عطية، ذاكرة الغناء العربي، الهيئة العامة للكتاب، 2014.
وجيه ندى، وردة الجزائرية... سيرة فنية، مجلة الإذاعة والتلفزيون المصرية، عدد تذكاري، مايو 2013.
مقابلات إذاعية وتلفزيونية مع وردة على قناة ART وإذاعة الشرق الأوسط.
أرشيف أغاني وردة 
 
 

اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر