يثبت الفنان محمد صبحي أن المسرح ما زال قادرًا على أن يكون مرآة للوعي، ومنبرًا للضحك، وأداة للمواجهة الناعمة مع الواقع، وفي عرضه "فارس يكشف المستور" الذي يعرض حاليا بعد أكثر من 90 ليلة عرض، يقدّم تجربة مسرحية متكاملة، تجمع بين الكوميديا، الغناء، الاستعراض، والرؤية الفكرية الجادة، دون أن تسقط في الابتذال أو التنظير.
منذ اللحظة الأولى، ينجح العرض في شد انتباه الجمهور، ليس فقط من خلال موضوعه الذي يهم كل مصري وعربي، بل أيضًا من خلال عناصر الفرجة البصرية التي تم توظيفها بشكل مبهر، فالديكور من تصميم محمد الغرباوي ويتحول إلى شخصية فاعلة في العرض، لا مجرد خلفية صامتة، ومشاهد القطار شبه الحقيقي، ودخول سيارات ودراجات نارية على الخشبة، تخلق واقعية سينمائية داخل المسرح، وهذا التداخل بين التكنيك الحديث والخشبة التقليدية يعزز تجربة المشاهدة الحية ويجذب جمهورًا متعدد الفئات.
أما الكوميديا في المسرحية ليست فقط وسيلة للضحك، بل أداة نقد سياسي واجتماعي، تعتمد على الذكاء والإيحاء، لا على النكتة المباشرة، وحتي الأغاني والاستعراضات التي كتب أشعارها عبدالله حسن، ولحنها شريف حمدان، تضيف حيوية للمشهد المسرحي، وتوظف الموسيقى كعنصر سردي ينقل الفكرة لا كمجرد فاصل ترفيهي.
صور من عرض فارس يكشف المستور (1)
أن يكون محمد صبحي هو مؤلف العرض بمشاركة أيمن فتيحة، ومخرجه، وبطله، فهذا لا يعني احتكارًا للمشهد، بل تجسيدٌ لرؤية متكاملة تترجم على الخشبة بوضوح وصدق، وصبحي يُجيد الإمساك بالتوازن الصعب بين التسلية والموقف الفكري، وفي هذا العرض لا يقدم صبحي مجرد شخصية مسرحية، بل يقود جمهورًا نحو تفكيك الواقع، بأسلوب بسيط، لاذع، وساخر، وهو يُذكّرنا هنا بعروضه الكبرى مثل تخاريف ولعبة الست، حيث يستخدم السخرية السياسية كأداة استبصار لا كمجرد تهكم.
العمل يطرح تساؤلات مهمة حول الزيف الإعلامي، وهم البطولة، تزييف التاريخ، وتغييب الوعي في المنطقة العربية، وصبحي لا يعظ، بل يُعرّي، ويكشف، ويستخدم لغة مشهدية، بصرية، حركية، وسينمائية لتفكيك الخطاب السياسي المعاصر، من خلال "الفارس" الذي يرى ما لا يُقال، ويكشف "المستور".
فارس يكشف المستور
يطرح العرض أزمة المواطن العربي الذي يبحث عن الحقيقة وسط زحام الشعارات، وكيف تحوّل الإعلام والسلطة والثقافة الجماهيرية إلى أدوات لتغييب الفكر، لا بنائه. لكن صبحي يقدّم هذه القضايا بـ"ضحكة واعية"، لا بـ"كآبة محبطة".
وإلى جانب صبحي، تتألق وفاء صادق وعبد الرحيم حسن ، بينما قدم الفنانون الشباب مثل كمال عطية، رحاب حسين، داليا نبيل، ومحمد شوقي، انجيلكا أيمن، ليلي فوزي، داليدا، مصطفي يوسف، منة طارق ، مايكل ويليام، حلمي جلال، محمد عبدالمعطي، علاء فؤاد، جمال عبدالناصر، وليد هاني أداءً متميزًا، منح العرض إيقاعًا جماعيًا لا ينهار عند غياب البطل، ومشاركة الأطفال (مريم شريف، ريماس الخطيب، لمار عواد) أضفت على العرض لمسة إنسانية، وأكّدت أن المسرح عند صبحي هو أيضًا أداة تربية وتنوير.

جمال عبد الناصر في مسرحية فارس يكشف المستور
"فارس يكشف المستور" هو عرض مسرحي ذكي، يُقدّم مسرحًا شعبيًا راقيًا، ورؤية سياسية جادة بلغة فنية ممتعة. إنه نموذج حقيقي لما يمكن أن يكون عليه المسرح في زمن التحوّلات الكبرى: فنًا يُضحك، يُفكّر، ويُربّي.