جمعتني بالفنان الكبير الراحل سمير صبري صداقة قوية، بدأت بحوار صحفي أجريته معه، ثم ندوة استضفته فيها في جريدة اليوم السابع، وتوطدت العلاقة إلى أن دعاني للانضمام لفريق إعداد برنامجه التلفزيوني الشهير" ماسبيرو" لم يكن لقاءنا الأول عادياً؛ ففي مكتبه الكائن بشارع سليمان الحلبي، وجدت نفسي داخل متحف مصري صغير يفيض بأفيشات الأفلام والكتب والصور والملصقات الفنية، ما كشف عن عشق لا محدود للسينما وتاريخها.
لكن المفاجأة الحقيقية جاءت في 26 يناير 2015، حين دعاني للمرور عليه في منزله بشارع أحمد عرابي. كنت أتوقع مشروعاً فنياً أو إعلامياً جديداً يريد إشراكي فيه، فإذا به يقول ببساطة: "تعال معايا عيد ميلاد الكابتن". وحين سألته: "أي كابتن؟" قال مبتسمًا: "هتعرف لما نوصل."
توجهنا إلى كافيه هادئ بأحد شوارع المهندسين المتفرعة من شارع البطل أحمد عبد العزيز، وهناك كانت المفاجأة الكبرى: وجدت نفسي أمام النجمات دلال عبد العزيز، ميرفت أمين، رجاء الجداوي وابنتها أميرة، والإعلامية بوسي شلبي، جميعهم مجتمعون للاحتفال بعيد ميلاد الكابتن حسن مختار، حارس مرمى مصر الأسبق ومدربها التاريخي، وزوج الفنانة الراحلة رجاء الجداوي.
تخيّل أن تجد نفسك، فجأة، في هذا المشهد السينمائي الحي! ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل أخرج سمير صبري من جيبه أوراقًا صغيرة مكتوبًا فيها أسماء أفلام ومسلسلات ومسرحيات، وقال لي بابتسامة: "هتلعب معانا؟"، وفوجئت بأننا سنلعب لعبة “من غير كلام”، تماماً كما كنا نشاهدها في برامج التليفزيون المصري برمضان.
قال لي ضاحكًا: "تحب تكون في فريق رجاء وبوسي ولا دلال وميرفت؟"، فاحترت، فاختار لي بنفسه: "خليك في فريق دلال وميرفت."
كنت مذهولًا، ألعب اللعبة التي طالما رأيتها على الشاشة، لكن هذه المرة أنا داخلها، وجالس بين النجوم. عندما قدّمني سمير صبري لأداء أول فيلم، طلبت مني ميرفت أمين أن أثبت كفاءتي، ووجهها يملؤه المزاح والدعم، وسألَتْني: "هتعرف تمثل ولا هتخسرنا؟".
لحسن الحظ، كان الفيلم المطلوب تمثيله هو "البحث عن فضيحة"، الذي شارك فيه اثنان من الحاضرين يومها: سمير صبري وميرفت أمين. نجحت في تمثيله، وحصل فريقي على الثلاث نقاط. حينها قالت لي دلال عبد العزيز مازحة: "أنت ممثل شاطر!"، فيما أضافت ميرفت: "الفيلم كان سهل... هنجربه في فيلم تاني أصعب."
كان يومًا نادرًا، جمع بين البساطة والنجومية، بين لحظات إنسانية خالصة وضحك لا يُنسى. لقد كان سمير صبري صانع بهجة حقيقيًا، يعرف كيف يُخرج من حوله من الزمن العادي إلى منطقة أكثر دفئًا وصدقًا.
ولا عجب، فهكذا كان دومًا: فنانًا، مذيعًا، مؤرخًا للحياة الفنية، وصديقًا يعرف كيف يفاجئك في اللحظة التي تظن فيها أنك تعرفه تمامًا.
اكتب هذه الذكريات الجميلة في ذكرى رحيل الفنان الكبير سمير صبري، الذي أثرى الحياة الفنية المصرية والعربية بأعماله المتنوعة وإسهاماته القيمة، وكان فنانًا شاملًا، جمع بين موهبة التمثيل والتألق في التقديم التلفزيوني، بالإضافة إلى خبرته الإنتاجية وشخصيته المحبوبة التي جعلته صديقًا مقربًا للعديد من الفنانين والمثقفين.
تميز سمير صبري بقدرته على تجسيد مختلف الشخصيات ببراعة وإتقان، حيث قدم أدوارًا كوميدية ودرامية وتاريخية، وأظهر في كل منها موهبة فذة وحضورًا قويًا على الشاشة، و كان يتمتع بأسلوب خاص في الأداء، يجمع بين خفة الظل والعمق، ويجعله قادرًا على جذب الجمهور وإقناعه بكل دور يؤديه، ويمكن القول إنه كان يمتلك أدوات الممثل الشامل، من القدرة على التحكم في تعابير الوجه ولغة الجسد، إلى امتلاك صوت قوي وحضور طاغٍ على الشاشة.
كان سمير صبري يتمتع بحضور قوي على الشاشة، وقدرة على التفاعل مع الجمهور، مما جعله نجمًا محبوبًا لدى المشاهدين، كما أنه كان يتميز بالاحترافية والالتزام في عمله، مما جعله يحظى بتقدير واحترام زملائه في الوسط الفني.
لم يقتصر دور سمير صبري على التمثيل والتقديم فقط، بل امتد إلى الإنتاج السينمائي، حيث أنتج عددًا من الأفلام التي تعتبر علامات بارزة في تاريخ السينما المصرية. وقد ساهم من خلال إنتاجه في دعم المواهب الشابة وتقديم أعمال فنية هادفة، مما يعكس رؤيته الثقافية والفنية الواعية.

سمير صبرى وجمال عبد الناصر

سمير صبري وجمال عبد الناصر

فنانين مع الفنان سمير صبرى
وعرف سمير صبري بكونه مذيعًا بارعًا ومقدمًا تلفزيونيًا متميزًا، حيث قدم عددًا من البرامج الناجحة التي استضاف خلالها كبار الفنانين والمثقفين، ومن أبرز هذه البرامج "النادي الدولي" و"هذا المساء". لقد كان يتمتع بأسلوب حواري راقٍ وثقافة واسعة، مما جعله محاورًا مفضلًا لدى النجوم والمثقفين، الذين كانوا يتمنون الظهور في برامجه. وكان سمير صبري يتميز بالقدرة على خلق جو من الألفة والمودة مع ضيوفه، مما يجعلهم يشعرون بالراحة ويتحدثون بصراحة وصدق.
لقد كان سمير صبري يتمتع بشخصية محبوبة وعلاقات واسعة في الوسط الفني والثقافي، حيث كان صديقًا مقربًا للعديد من الفنانين والمثقفين، وكانوا يقدرون ثقافته وأسلوبه الراقي. وكان يتميز بالتواضع والود وحب الناس، مما جعله يكسب احترام وتقدير الجميع.
في الختام، يظل سمير صبري فنانًا شاملًا وقامة فنية كبيرة، سيبقى اسمه محفورًا في ذاكرة مصر والوطن العربي، وسيظل جمهوره يتذكر أعماله وإسهاماته بكل تقدير ومحبة.