في عيد ميلادها، تعود السيرة إلى فنانةٍ لم تسر على الدرب الممهَّد، بل صنعت خطواتها بإرادة صلبة، وموهبة نضجت مع الزمن، وهي الفنانة وفاء عامر، واحدة من أكثر الممثلات المصريات حضورًا وصدقًا، وأقربهن إلى جمهور يحبّ الفنان الذي يشبهه، ويتطوّر أمامه.
ولدت وفاء عامر في محافظة الإسكندرية، لكنها سرعان ما انتقلت إلى القاهرة لتلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، حيث بدأت رحلتها مع التمثيل منذ تسعينيات القرن الماضي، ولم يكن صعودها سريعًا، بل كان تراكميًا ومدروسًا، فاختارت ألا تكون مجرد وجه جميل، بل فنانة تبني شخصياتها من الداخل، وتحفر في أعماق كل دور.
في بداياتها، ظهرت في أدوار صغيرة لكنها لفتت الأنظار بملامحها المصرية الخالصة، وبطاقة التعبير المختزنة خلف العيون. لكن الانطلاقة الحقيقية جاءت عندما بدأت تلعب أدوار البطولة الثانية إلى جوار نجوم كبار، مثل نور الشريف ومحمود عبد العزيز ويسرا، ثم انتقلت إلى أدوار أكثر عمقًا، تمزج فيها بين القوة والضعف، والأنوثة والاستقلال، مثلما رأينا في أعمالها البارزة: الملك فاروق، شط إسكندرية، كف القمر، كاريوكا، جبل الحلال، الطوفان، وبنت السلطان.
وفي كل عمل، كانت وفاء عامر تفتح لنفسها مسارًا جديدًا، حيث تقمّصت المرأة الشعبية، والسيدة الأرستقراطية، والمعلمة، والمجاهدة، والأم، والحبيبة، والخائنة أحيانًا، لكن دومًا بملامح إنسانية خالصة، تُشبه الحياة أكثر مما تُشبه الصورة النمطية للفن.
ما يميز وفاء عامر كممثلة ليس فقط إتقانها للجمل الحوارية، بل قدرتها على التمثيل بالصمت، ففي العديد من أدوارها، تعتمد على ملامحها وتعبيراتها أكثر من الكلمات، وهو ما منحها ثقة مخرجين كبار، ففي "كف القمر"للمخرج خالد يوسف مثلًا، أدت دور المرأة القوية التي تحتمل قسوة الحياة، لكنّها لا تستسلم، وفي " كاريوك"ا، تقمصت شخصية الفنانة الراحلة تحية كاريوكا بدرجة من الصدق والتقمص جعلت العمل من أبرز محطاتها التمثيلية.
في الوسط الفني، تُعرف وفاء عامر بأنها زميلة مخلصة وإنسانة ذات حضور دافئ ، لا تتردد في دعم زملائها، ولا في التعبير عن رأيها بصراحة، وكثير من الفنانين والفنانات ذكروا أنها تمثل "ظهرًا حقيقيًا" في اللوكيشن، كما أنها تهتم بالشباب، وتفتح لهم فرص التعاون والنصح.
علاقتها بابنها الفنان الشاب عمر محمد فوزي، تمثل نموذجًا لفنانة تُوازن بين حياتها الشخصية والمهنية، وقد صرّحت مرارًا بأنها ترفض تقديم مشاهد لا تتناسب مع قناعاتها العائلية، وهو ما يضيف إلى شخصيتها التمثيلية عمقًا إنسانيًا واضحًا.
لا تزال وفاء عامر تحافظ على حضورها المتجدد في السينما والدراما، دون أن تفقد قدرتها على التجدد أو أن تقع في أسر النمط الواحد، إنها من الفنانات القليلات اللائي نجحن في الانتقال بسلاسة بين الأجيال، فاحتفظت بجمهور التسعينيات، واكتسبت جمهور الشباب، دون أن تفقد بوصلة الأداء الصادق.
وفاء عامر، ليست مجرد ممثلة تُجيد الوقوف أمام الكاميرا، بل هي شخصية فنية مكتملة تُدير حضورها ومشوارها بعين الفنان لا النجم فقط، وفي عيد ميلادها، يحتفل جمهورها بحضورها، ليس فقط على الشاشة، بل في قلوب من صدقوها وآمنوا بها ممثلة تعكس تفاصيلهم وآمالهم.