تركت بصمة لا تُمحى في ذاكرة كل من أحبوها في السينما والدراما والمسرح، ولم تكن مجرد وجه جميل، بل ممثلة عاشت أدوارها بإحساس نادر، وقدمت دور "عبلة كامل"، الجاسوسة التي تعمل للموساد، بأداء مركب ومتعدد الطبقات، هروب من بلدٍ تُنهكها النكسة وشعور بالخيانة للطموح الوطني، ثم المواجهة مع الحقيقة المؤلمة، وهذا الدور اعتُبر نقطة انطلاقها الحقيقية نحو النجومية، وأشاد به الجمهور والنقاد جميعًا دون استثناء، والفيلم نفسه يُعدّ من أهم أعمال السينما الجاسوسية المصرية وعُرِف بأدائه وتصويره القوي .
وتألقت مديحة كامل كرائدة في تقديم الشخصيات النسائية المعقدة والناضجة، وفي مسلسل "البشاير" (1987)، جسّدت دور الفنانة الشهيرة سلوى نصار، والتي تُصاب بحادث أثناء تصوير فيلم، فيُنقذها أبو المعاطي شمروخ (محمود عبد العزيز)، وتقع في عالم مختلف عن عالم الصورة والشهرة، واعتمد الأداء على مهاراتها في المفارقات الدرامية امرأة من عالم الأضواء تبحث عن السلام الداخلي في قلب الريف، بوعي رومانسي واهتمام نفسي دقيق.
رغم قلة مشاركاتها المسرحية، أثبتت مديحة كامل في عروض مثل "هاللو شلبي" قدراتها في التفاعل الحي مع الجمهور، لكنها دائمًا حافظت على إيقاع داخلي يجعل حضورها على الخشبة يتماهى مع حضورها على الكاميرا، دون تضحيات أو مبالغات، وظهر ذلك جليا في مسرحية " يوم عاصف جدا .
أداء وتجربة الراحلة مديحة كامل لها سمات ومفاتيح لشخصيتها التمثيلية، والتي منها الصدق الداخلي، فالأداء ينبع من دواخل الشخصية، والتحوّل الذكي داخل الدور، والانتقالات الطفيفة في نبرة الصوت، النظرة، أو حركات اليد تعكس تحولات داخلية، فأدائها يشبه "همسة في أعماق المشاهد"، ينطوي على قوة لا تُرى، بل تُحس.
في ذكرى ميلادها، نتذكرها كممثلة نذرَت موهبتها لفنّها، وسكنت في ذاكرة الجمهور بصمتها الجميل، ليس فقط بوجهها والقبّات الجميلة، بل بتلك العين التي تعرف متى تنطق الحزن ومتى تخفيه، ومتى تقول الحقيقة دون أن تلفظها بالكلمات.