في كل زمان تظهر شخصيات استثنائية لا تكتفي بأن تكون شاهدة على الحلم، بل تصنعه بيديها، تؤمن أن الفن ليس مهنة بل رسالة، وأن الإدارة ليست سلطة بل مسؤولية، وأن النجاح ليس صدفة بل منهج حياة، ومن بين هذه الشخصيات التي نذرت عمرها للعطاء والإنجاز، يبرز اسم الدكتور أشرف زكي، ذلك ال فنانٌ والمثقفٌ والقياديٌّ الذي جمع بين الوعي والإرادة، بين الفكر والإبداع، حتى صار عنوانًا للنجاح في كل موقع تطأه قدماه.
منذ أن عرفته وعرفه الوسط الفني وكيلًا للنقابة، ثم نقيبًا للمهن التمثيلية، لم يتوقف لحظة عن العمل، لم يكن يومًا نقيبًا إداريًا باردًا أو صاحب مكتب مغلق، بل كان نقيبًا من الميدان، بين الفنانين، يسمعهم ويحتويهم، ويحوّل الخلاف إلى توافق، واليأس إلى عمل، والشكوى إلى مشروع، لذلك أجمع عليه الجميع، واختُصر فيه معنى القيادة الحقيقية: أن تُحب ما تفعل، وتُخلص فيه حتى النهاية.
لكن ما يميز أشرف زكي أنه لم يكتف بالنجاح النقابي، بل جعل من الفن طريقًا لبناء المؤسسات، وكان أول من أنشأ المهرجان القومي للمسرح المصري، وأول من حلم أن تكون لمصر منصة سنوية تكرم أبناءها من المبدعين المسرحيين وتجمع انتاجات المسرح المصري في مهرجان ، فحوّل الحلم إلى واقعٍ مضيء لا ينطفئ، و تولى أيضا رئاسة البيت الفني للمسرح، وقطاع الإنتاج الثقافي ، ففتح الأبواب أمام النجوم للعودة إلى مسرح الدولة، مؤمنًا أن المسرح بيت الجميع، وأن النجم الحقيقي لا يكتمل إلا على الخشبة.
وفي كل موقع تولاه، ترك بصمة من الفكر والرؤية، فحين كان عميدًا للمعهد العالي للفنون المسرحية، أعاد إليه روحه وكرامته وهيبته الأكاديمية، وفتح مسارات جديدة أمام الطلاب، ثم واصل العطاء رئيسًا لأكاديمية الفنون، حيث أطلق مشروعات تنموية وثقافية جعلت الأكاديمية تنبض بالحياة والإبداع.
ومؤخرًا، أضاف إنجازًا جديدًا إلى سجله المضيء، حين قدّم مهرجان نقابة المهن التمثيلية للعروض المسرحية، في تجربة فريدة جمعت بين شباب المسرح وخبراته، فخلق حالة من التواصل والتكامل بين الأجيال، وأعاد للمسرح وهجه من بوابة النقابة، ليؤكد أن القيادة الحقيقية تصنع الفرص ولا تنتظرها.
أشرف زكي فنان يعرف قيمة الجمال، ومثقف يؤمن بقوة الفكر، وإداري يحترف النجاح. لا يعرف الفشل طريقًا إليه، لأنه ببساطة لا يعمل ليُذكر، بل ليُثمر. هو رجل المشاريع والأحلام التي تتحول إلى حقائق، والنموذج الأوضح للفنان الذي جمع بين الخيال الفني والعقل الإداري، وبين الحلم الفردي والمصلحة العامة.
إنه باختصار ضمير الحركة الفنية المصرية، ورجل ظل وفيًّا للمسرح والفنانين، ولم يتخلَّ يومًا عن دوره كصانع للجسور بين الفن والدولة. ومن حقه علينا - كجيلٍ ومؤسسات - أن يُكرَّم وأن تُحمل دورة من دورات المهرجان القومي للمسرح المصري اسمه، فهو أحد الذين كتبوا تاريخ هذا المهرجان منذ ميلاده وحتى نضجه.
أشرف زكي لا يعرف الفشل، لأن روحه مشتعلة بالشغف، وضميره متيقظ بالإيمان، وعقله يفيض بالأفكار. هو رجل حوّل كل موقع إلى تجربة نجاح، وكل تجربة إلى درس في الإخلاص، وكل إنجاز إلى مساحة جديدة من الضوء.
إن أشرف زكي لا يُشبه أحدًا، لكنه يُشبه المسرح نفسه؛ بتعدّد وجوهه وصدق لحظته وسحر حضوره، فهو الرجل الذي حين يصعد إلى أي موقع، يضيء المكان بالحلم والنظام معًا، ويُشبه الخشبة التي لا تكلّ، والجمهور الذي لا يملّ من انتظار عرض جديد.
هو في جوهره فنانٌ يحكمه الإحساس، وإداريٌ يقوده الضمير، ومثقفٌ لا يتعب من الحلم، وحين نكتب عنه، فإننا لا نصف سيرة شخص، بل نرصد رحلة جيل آمن أن الفن يمكن أن يكون طريقًا لإدارة الوطن بالحب والعقل والإبداع.
في زمنٍ تتبدّل فيه الوجوه والمواقع، يبقى أشرف زكي علامة ثابتة على أن النجاح الحقيقي لا يُصنع بالصدفة، بل بالإيمان، والإصرار، والعشق للفن.