رحلة الرؤية والإنجاز.. قراءة نقدية في الفيلم التسجيلي Behind the Numbers

الفيلم التسجيلي ما وراء الارقام الفيلم التسجيلي ما وراء الارقام
 
كتب جمال عبد الناصر

 

  • حين يتحول الاقتصاد إلى حكاية إنسانية سينمائية.. الفيلم التسجيلي  لبنك CIB نموذجًا

الفيلم التسجيلي " ما وراء الأرقام " " Behind the Numbers تجربة سينمائية متميزة تحتفي بخمسين عامًا من العمل المصرفي الناجح للبنك التجاري الدولي، وذلك عبر رؤية سينمائية صاغها المنتج أحمد البوهي، الذي استطاع أن يحول المادة المعلوماتية إلى تجربة بصرية مشحونة بالحس الإنساني، وبالانتماء إلى منظومة القيم التي جعلت البنك نموذجًا مؤسسيًا فريدًا في القطاع المصرفي المصري والعالمي.

الفيلم انتاج شركة (آي يو ايه ) باستخدام علامتاها التجارية الجديدة (ستوري لاين)،وهو تجربةً سينمائية راقية تتجاوز فكرة التوثيق التقليدي إلى مستوى الخطاب البصري الإنساني، حيث يحتفي العمل بخمسين عامًا من الريادة المصرفية عبر سردٍ بصريٍّ محكم أخرجه المبدع تامر العشري برؤية فنية واعية استطاعت أن تُحوّل المادة الجافة إلى قصيدةٍ في الذاكرة المؤسسية.

يستند الفيلم إلى لغةٍ سينمائيةٍ تعتمد على الإحساس قبل المعلومة، وعلى الصورة قبل الإحصاء، ليُعيد صياغة علاقة المشاهد بالمؤسسة المصرفية في إطارٍ فني وإنساني يعكس القيم التي تأسس عليها البنك، ويُبرز كيف يمكن للفن أن يكون وسيطًا حضاريًا للتعبير عن هوية اقتصادية تحمل بُعدًا ثقافيًا.

فيلم ما وراء الأرقام
فيلم ما وراء الأرقام

فمن خلال إيقاعٍ بصري متوازن، ومونتاجٍ يعتمد على فكرة الزمن المتراكم، يخلق الفيلم حالةٍ من الانتماء الوجداني بين المشاهد والكيان، حيث تتجاور اللقطة الوثائقية مع المشهد الرمزي لتصنع معًا سردًا يتجاوز التوثيق نحو الذاكرة الشعورية للمؤسسة، إنه فيلم لا يكتفي بأن يروي تاريخ البنك، بل يُعيد تأمل معنى الاستمرارية، ويحوّل نصف قرنٍ من العمل إلى حكاية نجاح تُروى بالضوء والإحساس.

 

  • بنية سينمائية تحتفي بالإنسان..

الفيلم لا يكتفي بسرد تاريخ البنك ومراحل تطوره منذ نشأته عام 1975 باسم "تشيس ناشونال بنك مصر" كمشروع مشترك بين بنك تشيس مانهاتن والبنك الأهلي المصري، بل يتجاوز ذلك إلى تحليل فلسفة العمل التي تقف خلف هذا النجاح.

يأخذ المخرج تامر العشري المشاهد في رحلة بصرية تعتمد على تناغم الصورة والإيقاع والموسيقى، ليجعل من الوثيقة الاقتصادية عملاً فنيًا ينتمي إلى السينما التسجيلية ذات الرؤية الإنسانية، حيث تتصدر قيم مثل الشفافية، والمسؤولية الاجتماعية، والاستدامة، وتمكين الكوادر البشرية نسيج السرد البصري.

  •  رؤية إنتاجية مدروسة..

يظهر في الفيلم بوضوح أثر الرؤية الإنتاجية الواعية التي قدمتها المنتج أحمد البوهي، حيث امتدت أماكن التصوير بين مواقع داخل مصر وخارجها، مما أضفى على الصورة أفقًا عالميًا يتناسب مع حضور البنك على الساحة الدولية، ويُحسب لفريق الإنتاج قدرته على خلق بيئة عمل احترافية حافظت على توازن العناصر الفنية كافة، من التصوير إلى المونتاج والموسيقى، لتتحول المادة المصرفية الجامدة إلى فيلم ينبض بالحياة.

وساهمت العناصر الفنية في تعزيز الرسالة الإنسانية للفيلم، فمدير التصوير محمد جاد قدّم رؤية ضوئية دقيقة تنقلت بين الواقعية الوثائقية والجماليات السينمائية، فكانت الصورة مشهدًا ناطقًا بالمعنى، ومهندس الديكور مارك وجيه خلق بيئات تصوير تحاكي روح العمل المؤسسي الحديث، بإيقاع بصري يعكس هوية البنك، والمونتيران سامح أنور وشريف الشامي نسجا إيقاعًا سرديًا متوازنًا، حافظ على الانسيابية والتشويق رغم الطابع التوثيقي، أما الموسيقى التصويرية لوَجدي الفوي أضافت طبقة شعورية مكّنت الفيلم من الارتقاء فوق الخطاب المعلوماتي إلى أفق وجداني إنساني، كما برز حضور الاستايليست غدير خالد في إضفاء التناسق الجمالي على مظهر المتحدثين أمام الكاميرا.

واعتمد الفيلم على سرد محكم مدعوم بشخصيات واقعية تمثل قيادات البنك ورؤيته، مثل هشام عز العرب (الرئيس التنفيذي وعضو مجلس الإدارة)، وعمرو الجنانيني (نائب الرئيس التنفيذي وعضو مجلس الإدارة)، وإسلام زكري (الرئيس المالي للمجموعة ولقطاع العمليات)، ورشوان حمادي (الرئيس التنفيذي لقطاعات التجزئة)، وعمر الحسيني (الرئيس التنفيذي لقطاعات الأسواق العالمية)، إلى جانب جمال السادات رئيس مجلس إدارة شركة اتصالات مصر، والدكتور راندال س. بيترسون أستاذ السلوك المؤسسي بكلية لندن للأعمال، ومارك ريتشارد، وآخرين ، كما كان لحضور الفنان أحمد داود دور محوري في إضفاء طاقة تمثيلية حيوية، جعلت من الفيلم أقرب إلى رحلة سينمائية مؤثرة تستند إلى الأداء والتعبير وليس السرد فقط.

  • الكتابة والسياق

ويُعد هذا الفيلم شهادة بصرية على رحلة مؤسسة مالية مصرية نجحت في أن تتحول إلى نموذج في الاستدامة، والمسؤولية المجتمعية، والابتكار، وقد استطاع فريق العمل الفني بقيادة المنتج أحمد البوهي والمخرج تامر العشري أن يجعل من هذا الفيلم أكثر من مجرد مادة تعريفية، ليصبح وثيقة حضارية عن تطور الفكر المصرفي المصري، وعن كيف يمكن للصورة السينمائية أن تعبر عن فلسفة التنمية بعين فنية.

يمكن القول إن فيلم " ما وراء الأرقام " Behind the Numbers، التسجيلي هو عمل سينمائي متكامل يجمع بين دقة التوثيق وجماليات الصورة، صنعته رؤية إخراجية واعية، وإنتاج يوازن بين الفن والمعلومة، ونص يحترم عقل المشاهد ووجدانه.. إنه نموذج لما يمكن أن تكون عليه الأفلام المؤسسية حين تُدار بعقل فني وروح إنسانية، تضع الإنسان في قلب الاقتصاد، والفن في قلب الرسالة المؤسسية.


اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر