مسلسلات الجاسوسية.. خدعة أم فانتازيا واقعية تبهرنا وتظل خالدة

كريم عبد العزيز فى الزيبق كريم عبد العزيز فى الزيبق
 
محمود جلال

مسلسلات الجاسوسية واحدة من أصعب الأنواع التى تقدم فى الدراما، لأن الدمج بين قصص أبطال المخابرات العملية، وحياتهم الاجتماعية التى تكون فى الغالب من وحى خيال الكاتب، إضافة إلى الخط والمعالجة الدرامية التى يبدع فيها كيفما يشاء، هو أمر صعب، فدائما ما تكون القصص الواقعية هى الأصعب، لأن الكاتب لا يسمح له السفر بخياله لأبعد من إطار الواقعية الذى يحيط بالشخصية، ودائما ما تحقق تلك النوعية من المسلسلات إذا اكتملت أطرها نجاحا ساحقا كمسلسل "رأفت الهجان" الذى حقق نجاحا جماهيريا، ونجاحا آخر على البعد السياسى والمخابراتى، جعل ولأول مرة جهاز المخابرات المصرى ينعى الفنان الراحل محمود عبدالعزيز، الذى جسد ملحمة نفذها فى الواقع البطل جمعة الشوان.

ويبدو أن مسلسل رأفت الهجان فتح شهية صناع الدراما لإنتاج هذه النوعية من المسلسلات، نظرا للشعبية الساحقة التى حققها المسلسل، والارتباط الوثيق الذى أصبح بين المشاهدين وبين شخصيات العمل، لتستمر بعده سلسلة من الأعمال التى لم تكن بكثافة الأنواع الدرامية الأخرى، إلا أن وجودها استمر بغض النظر عن جودتها، كمسلسلات "دموع فى عيون وقحة" أو"رأفت الهجان"، واستمرارا لتلك النوعية من مسلسلات الجاسوسية التى تعرض من ملفات المخابرات المصرية، يعرض حاليا مسلسل "الزيبق" بطولة النجم كريم عبدالعزيز، وشريف منير.

اختلفت آراء النقاد حول جودة مسلسلات الجاسوسية فى مصر، ومدى تحقيقها لهدفها بشكل راقٍ وموازٍ للعالمية، أو على الأقل تحقيقها لهدف يجعلها تستقر فى ذهن المشاهد ويتذكرها بعد عدة سنوات.

تقول دكتورة هويدا مصطفى عميد كلية إعلام جامعة الشروق: بشكل عام هذه النوعية من المسلسلات تحظى بمشاهدة عالية، وباهتمام الجمهور، ونحن لدينا رصيد مهم من المسلسلات المماثلة، التى حظت بإعجاب الجمهور لأن معظمها مستوحى من قصص واقعية من ملف المخابرات المصرية ذات التاريخ الكبير، وهذه النوعية تجذب الجمهور، لما تثيره من مشاعر وطنية وفخر واعتزاز بالوطن والبطولات والتفوق، لأنها تعكس قدرة جهاز المخابرات والنجاحات التى يحققها وانتصاراته على العدو وهذه النوعية تحتاج ميزانيات كبيرة، لذا يحب أن تشجع الدولة إنتاج هذه النوعية من الأعمال لأن لها دور وطنى كبير، ولأنها أيضا تعزز الشعور بالانتماء لتراب الوطن.

من جانبها تقول الناقدة السينمائية ماجدة خيرالله: إن قلة إنتاج الدراما المخابراتية ليس لكونها تتطلب ميزانيات أعلى، بل أغلب الظن أن الميزانيات المطروحة لتلك النوعية، تكون على نفس مستوى ميزانيات المسلسلات الاجتماعية، أو أى من الأنواع الأخرى.

وأضافت بقولها: إن أسباب قلة تلك النوعية من الدراما، هو صعوبة كتابتها فهى تحتوى على مزج بين الواقعية والخيال، لكن يجب أن يتم ذلك المزج بحرفية تحتاج كاتب متمكن، كما أن ما يحتويه السيناريو يتطلب جهدا كبيرا فى جمعه، ومشقة لأن تلك النوعية من المعلومات غير متاحة للجميع، لكن رغم المشقة التى يواجهها صناع الدراما الجاسوسية، إلأ أنها تتميز بشعبية طاغية إذا كتبت بشكل صحيح، لأن بها كم هائل من التشويق والمتعة والمغامرات، والمشاعر الوطنية التى تأسر قلوب المصريين بطبعهم المرهف التراجيدي.

أما طارق الشناوى قال: الشخصية الدرامية التى تستند إلى وقائع حقيقية، إذا نجحت فى تقديمها فإنها تحقق جماهيرية غير مسبوقة، كالجماهيرية التى حققها الراحل محمود عبدالعزيز فى مسلسل "رأفت الهجان" لدرجة جعلت جهاز المخابرات المصرية يصدر بيانا ينعى فيه الفتى الذى جسد شخصية البطل جمعة الشوان، وهو الفنان المصرى الوحيد الذى جرى تأبينه من قبل هذا الجهاز.

لذلك فإن تلك النوعية من الأعمال عندما تنجح فهى بالفعل تحفر أسماء صناعها فى تاريخ العمل الفني، وتلك الصورة الجاسوسية استمرت حتى أتحفنا النجمين شريف منير وكريم عبدالعزيز بأدائهما الراقى فى مسلسل "الزيبق"، وذلك الثنائى يذكرنا بالتأكيد بثنائى آخر حقق نجاحاً استثنائياً قبل نحو 30 سنة، هم محمود عبد العزيز ويوسف شعبان فى ملحمة فنية أطلق عليها "رأفت الهجان" بأجزائها الثلاثة، إذ لعب محمود دور البطل المصرى رفعت الجمال، وهو الاسم الحقيقى لرأفت الهجان، بينما أدى يوسف شعبان دور الضابط محسن ممتاز، وكان الجمهور العربى وليس المصرى فقط، ينتظر الحلقات من رمضان إلى رمضان الذى يليه، وكل تفاصيل "رأفت الهجان" جعلت منه جوهرة فنية، قطعت الخط الفاصل بين الشاشة الصغيرة والجمهور، لدرجة أن الشباب فى ذلك الوقت تعلقوا حتى بتصفيفة شعر محمود عبد العزيز، وهذا كان من أكبر الدلائل على نجاح المسلسل واندماج المشاهدين معه.

وأضاف الشناوى قائلا: الدراما المصرية عندما تقتحم ملفات إسرائيل، من خلال زرع عملاء داخل إسرائيل، فإنها تصل إلى ذروة الجماهيرية فهى بذلك تعزف نغمة كثيراً ما نتوق إلى سماعها، إلّا أن هذا لا يكفى لضمان النجاح، فلقد شاهدنا من قبل نادية الجندى فى فيلميها «مهمة فى تل أبيب» و«24 ساعة فى إسرائيل»، تدخل إلى المنطقة لاختراق جهاز «الموساد» الإسرائيلى، الأمر لم يكن مصدقاً فصار أقرب إلى نكتة، كما يجب أن نعترف بقوة الخصم لتزداد قوتنا نحن، ويصبح لانتصارنا قيمة وذلك لم يتحقق فى كثير من الأعمال الفنية، وأيضا فيلم "الكافير" الذى أخفق فى تحقيق أى مصداقية، ولدينا أيضاً فيلم "أولاد العم"، لم يحقق المصداقية لأنه استهان فى تقديم جهاز المخابرات الإسرائيلى "الموساد"، باعتباره سهل الاختراق فلم تصل الرسالة.

وأشار الشناوى إلى أن ملفات المخابرات تخصص فيها الراحل الكاتب الكبير صالح مرسى وبدأت رحلته سينمائيا بفيلم "الصعود للهاوية" للمخرج كمال الشيخ وبطولة مديحة كامل، وأدرك الكاتب صالح مرسى وقتها، مقومات نجاح العمل الدرامى الجاسوسى وأتصور أن مسلسل "الزيبق" سيحرص على ألا يفقد أبدا هذا الميزان الحساس، وسيسير على خطى البناء الدرامى الصحيح.

على جانب آخر يقول الناقد رامى عبدالرازق: أهم تجارب الجاسوسية فى الدراما المصرية كانت "رأفت الهجان" و"دموع فى عيون وقحة"، لأن كاتب العملين كان أديبا جيدا متخصصا فى أدب الجاسوسية وسيناريست قوى يفهم معنى السيناريو بحرفية، كما أن المخرج أيضا كان مدركا وملما بطبيعة النوع الذى يقدمه، هذه الأعمال قدمت فى فترة كان فيها المد الوطنى الذى له علاقة بالصراع المصرى الإسرائيلى ما يزال متأججا، أما التجارب التى قدمت بعد ذلك كانت متواضعه جدا، وبعضها كان رديء كـ"الحفار" تلك الرواية الجميلة لصالح مرسي، التى كتب لها بشير الديك سيناريو لا يمت للرواية بأى صلة، وحتى تجربة سامية فهمى وهى أيضا رواية رائعة لصالح مرسى قدمها بشير الديك ونادر جلال بشكل سىء، وتم معالجتها بشكل بدائى يحمل العديد من الأخطاء بداية من موديل السيارات إلى الأزياء.

وأضاف: المشاهد الآن مع دخول "السوشيال ميديا" والقنوات الأجنبية أصبح أكثر فطنة، لاطلاعه على أداء السينما والدراما الغربية فأصبح يعقد مقارنة بين الدراما الجاسوسية الأجنبية والمصرية من حيث الدقة فى اختيار الحقبة الزمنية والأداء والملابس وغيرها، لأننا فىالنهاية نكون أمام عمل يقل فيه الجانب الخيالى ويستند فى طرحه على مادة واقعية.

118176-الزيبق-(7) copy
 
Zoghoro copy
 

اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر