أثارت المراهقة الصغيرة التي تحتفل اليوم 12 يوليو بعيد ميلادها الـ 20، الجدل داخل المجتمع الإسلامي المتشدد بباكستان، صوتها كان أقوى من صوت السلاح، ناضلت ودافعت عن حق الفتيات في التعليم فكان جزائها 3 رصاصات استقرت إحداها بكتفها الأيسر بعد اختراقها للرقبة من الجهة اليسرى، وبهذه الطلقة بدأت حياة أخرى.
"أنا ملالا" هو كتاب يرصد تفاصيل حياة المناضلة الباكستانية والناشطة بمجال التعليم، الكتاب نفذ من الأسواق العربية بعد ترجمته على يد أنور الشامي، ومن طبع دار نشر "المركز الثقافي العربي"، كما تم منعه من التداول ببلدتها باكستان لاعتبار أنه يهاجم الشريعة ويؤيد أفكار سلمان رشدي مؤلف كتاب "آيات شيطانية".
"أنا ملالا" يحكي معاناة فتاة في ظل حكم طالبان؛ كما يرصد بدقة تفاصيل الحياة في باكستان والعادات والتقاليد لهذا المجتمع، ويصف الصراع الدائر في المنطقة على إقليم "كشمير" بالهند والصراع الدائر في أفغانستان، والمد الشيوعي وأثره في البلاد، وأزمة الحربين العالميتين الأولى والثانية وإلى أي مدى وصل النفوذ الأمريكي وصراعه مع الروسي على أرض المنطقة.
تعرضت "مالالا" في كتابها لتفاصيل حادث إطلاق الرصاص عليها من قبل جماعة طالبان، 9 أكتوبر 2012 هو تاريخ فاصل في حياة "ملالا"، أثناء ذهابها للمدرسة بصحبة زميلاتها في "وادي سوات" بباكستان، ثم استفاقت لتجد نفسها بعد تاريخ الحادث ب 6 أيام في مستشفى بمدينة برمنجهام ببريطانيا.
"من منكن ملالا؟ أنا ملالا" هي الجملة التي غيرت حالها لتصبح في غضون أيام، أشهر مراهقة على مستوى العالم وتنل جائزة نوبل للسلام.
ترصد ملالا كيف أنها ولدت في ظروف شديدة القسوة وفقيرة جدا مع قلة وجود مستشفيات وظروف صحية واجتماعية سيئة للأسرة وكيف أن مولد فتاة كان يمثل لأهالي البشتون عارا، وكانوا يحتفلون بولادة الذكور؛ لكن والد ملالا احتفل بميلادها على عكس التقاليد والعادات البشتونية فجعل الأهل يزورنها ويلقون بالحلوى والفاكهة المجففة تحت أقدامها ما اعتبره فأل حسن بقدوم ملالا للحياة.
تروي ملالا أيضاً كيف أحكمت طالبان حكمها وسيطرتها على مدارس الفتيات وأجبروا الرجال على إطلاق لحاهم وفرضوا على النساء ارتداء البرقع وحظروا كل شئ لهن حتى رفع أصواتهن بالضحك أو ارتداء أحذية بيضاء ووضع أحمر الشفاه أو بيعه أو وضع طلاء أظافر، دمروا كل مظاهر الأنوثة لهن، وعوقبت العشرات من النساء اللاتي خالفن هذه التعليمات بالضرب والحبس والجلد وبعضهن بالقتل.
وتروي أنها في سن 11 استضافتها العديد من القنوات الإخبارية خاصة بعد تنظيمها مظاهرة برفقة زميلاتها للتنديد بمنع الفتيات من التعليم.
ذاع صيت ملالا وقضية التعليم التي كانت تدعو إليها برفقة والدها وعددا من نشطاء السلام في بلدتها، حتى إن صحفيا تابعا لـ"بي بي سي" اقترح على والدها ترشيح طالبة أو مدرسة لكتابة يوميات عما تتعرض له الفتيات في ظل حكم طالبان فرشحت ملالا بشجاعة نفسها للقيام بهذه المهمة واقترح والدها أن تستعمل اسما مستعارا تخفيا من طالبان، وكان الصحفي يتصل بها يوميا من هاتف زوجته تحسبا للمراقبة من الاستخبارات الباكستانية؛ لمعرفة المواقف والنوادر التي يتعرضون لها وأحلامهم ثم ينقلها لمدونة بي بي سي باسم "جول مكاي" الذي يعني زهرة القنطريون.
وظهرت أولى تدويناتها في يناير عام 2009 تحت عنوان "أنا خائفة" كتبت حول خوفها من الذهاب للمدرسة واضطرارها للتلفت طوال الطريق لاستطلاع وجود مسلحين .
وانتشرت المدونة في بريطانيا وتناقلتها عدة صحف وتم إنتاجها بصوت فتاة أخرى لموقع آخر، وهنا أدركت ملالا أن القلم قد يكون أقوى من الرصاص.
كانت طالبان قد أعطت مهلة قبل إغلاق جميع المدارس ومنع 50 ألف فتاة في "سوات" من الذهاب إليها وفي اليوم الأخيرة للمهلة صورت ملالا فيلما تليفزيونيا لإحدى القنوات الأجنبية لتروي عن الواقع الذي باتت تعيشه وأنها لم تكد تسمع طابور الصباح بسبب تحليق الطائرات المستمر فوق رؤوسهم ووجهت رسالة إلى طالبان أنهم إن أغلقوا المدارس فلن يستطيعوا منعهم من التعليم.
وفي أكتوبر من عام 2011 ترشحت لتنال جائزة السلام الدولية التي تمنحها منظمة "كيدز ووتش" الهولندية المناصرة للأطفال، ثم نالت في العام ذاته جائزة السلام الوطنية في باكستان وتقرر أن يتم تسمية الجائزة باسمها تكريما لها وأن تمنح الجائزة سنويا لمن دون الـ18 وازدادت شهرة ملالا وكذلك مقابلاتها الصحفية والتليفزيونية وهو ما زاد قلق عائلتها خشية استهدافها من عناصر طالبان بعد ورود تهديدات صريحة لهم.
استغلت ملالا أموال الجوائز التي حصلت عليها في إنشاء مؤسسة تعليمية للفقراء وفي يناير 2012 سميت مدرسة ثانوية للبنات في شارع ميشن باسمها تيمنا بها.
كانت ملالا تتمم على تأمين المنزل أكثر من مرة قبل النوم حتى جاء يوم 9 أكتوبر عام 2012 وهو يوم اختبار الدراسات الباكستانية لها، استقلت ملالا الحافلة "داينا" بصحبة رفيقاتها لتقف الحافلة بالقرب من نقطة تفتيشية تابعة للجيش ويظهر مسلحان ويسألن الفتيات "من منكن ملالا؟" الخوف الذي اعتراهم وقتها لجم أفواههن؛ لكن عيونهم كانت أسرع منهن أشرن إليها فأطلق أحد المسلحين ثلاث رصاصات صوب ملالا لتخترق الأولى رقبتها ناحية الجمجمة لتستقر بالكتف الأيسر والرصاصة الثانية تكن من نصيب منيبة رفيقتها لكن لا تزال على قيد الحياة والرصاصة الثالثة تجاور إحدى رفيقتها من كتفها الأيسر.
طار السائق بالحافلة إلى أقرب مستشفى، في الوقت نفسه كان والدها بصدد اجتماع يضم 400 مدير مدرسة انتهى منه ثم انطلق على الفور عقب اتصال هاتفي بالأمر، عرف أن ابنته ضمن مصابي الحافلة المدرسية التي تعرضت لإطلاق النار صباح هذا اليوم، خاصة بعد وصوله للمستشفى ومشاهدته للصحف والإعلام وفي الثالثة مساءا أبلغه قائد الجيش بوجود مروحية لنقلها إلى مستشفى في بيشاور.
أصبحت حالتها خطيرة خاصة أن الرصاصة اقتربت من المخ بشدة وأحدثت تورمات به وتطلب إجراء جراحة لها لإزالة جزء من الجمجمة. تنقلت ملالا بين 4 مستشفيات حتى استقرت في مستشفى الملكة إليزابيث في برمنجهام ببريطانيا.
وفي هذه الأثناء أصدرت حركة طالبان بيانا تعلن فيه مسئوليتها عن الحادث ونفت أن يكون بسبب نشاط ملالا بالتعليم وإنما لكونها تنشر أفكار علمانية وغربية ولأنها اعتبرت الرئيس أوباما مثلها الأعلى.
وفي فصل "حياة ثانية" تروي أنها بدأت في الوعي بعد مرور أسبوع على الحادث، لتجد نفسها في مستشفى في بريطانيا بدون والديها، وكيف مرت الأيام وهي تحاول تذكر من هي وكيف أتت إلى هذا المكان والألم الذي شعرت به باستمرار في وجهها وأذنها وعدة عمليات أجريت لها مع الصخب الإعلامي بالمستشفى لوجودها حتى زارها العديد من رؤساء الدول في العالم وأرسلوا لها برقيات عدة والهدايا التي تلقتها من شخصيات عامة ومغنيين عالميين وفنانين.
بعد الحادث أعلنت الأمم المتحدة أنها ستخصص يوم 10 نوفمبر باعتباره "يوم ملالا" وفي عيد ميلادها الـ 16، كانت ملالا تلقي كلمتها بالأمم المتحدة وسط قاعة تضم 400 شخصية عامة من أكبر قادة الدول وارتدت شال بناظير بوتو وأحدثت كلماتها أثرا طيبا.