"أمي قالتلي إنتي مجنونة كيف رح تغني مصري في بلد مليان مطربات كبار، وقولتلها هغنيها بروحي".. حالة من الصمت استمرت لخمس ثواني فقط بعد نطقها بهذه الكلمات، مع ترسم تعابير الصدمة والاندهاش والفرحة في نفس الوقت على محيا الحضور، سرعان ما كسرها زلزال ضرب أرجاء المسرح من هتافات الحضور بين الصراخ والتصفير والتصفيق، عقب كشفها الغطاء أخيرًا عن نيتها الغناء باللهجة المصرية، لأول مرة في مشوارها الغنائي الممتد لأكثر من عقدين، لتدخل الجميع بعد كلمتها البسيطة التي مزجتها بابتسامة وخفة دم في التعبير بكلمة "هغنيها من قلبي واتمنى تعجبكو"، في حالة من الإنصات التام بين الاستغراب وبين المتحمس لسماع كلمات مصرية تنطقها شفاه النجمة الجزائرية الجميلة سعاد ماسي.
"سلام" هي الأغنية التي اختارتها ماسي لتكون عنوان أول عمل غنائي رسمي لها تغنيها بالمصري، اختارتها من كلمات نادر عبد الله وألحان خالد عز، ومزجت فيها بين إحساسها العالي مع رومانسية معانيها مصحوبة بجرعات من الوجع تجسدت في كلماتها الأقرب إلى رسالة وداع بين حبيبين، خان أحدهمها الترابط الأبدي لمعنى العشق مع الآخر، لتعطيه في رسالة غنائية وصلة عتاب على طريقتها الخاصة، تقول "لما اتعشمت بيك جاية بسلم عليك ودعنى باهتمام، سلام، أنا تقريبًا مشيت أشوف وشك بخير، أنا تقريبًا نسيت بعد لقانا الأخير مش بثبت ع الكلام، يا سنين عمرى وبقيتها اللى أنا معشتهاش يا قصة جت قاريتها فجأة مكملتهاش".
كانت هذه هي اللقطة الأبرز في حفلة سعاد ماسي الكبرى في الساحل الشمالي والتي نلخص لقطاتها في 4 مشاهد، ظهرت خلالها لأول مرة ليس فقط بحلة غنائية مصرية وإنما بمشاركة أوركسترا سيمفونية كاملة مع 33 عازفًا تحت قيادة المايسترو جورج قلته، والذي يعتبر من أصغر قادة الأوركسترا في مصر، وعرف مسبقًا بتجربته الناجحة مع مشروع سينمانيا، وتمكن بكل احترافية من إعادة توزيع أجمل ما غنت سعاد طيلة مشوارها الحافل بخمسة ألبومات ناجحة، بشكل موسيقي أوركسترالي.
اللقطة الثانية كانت ما وراء الكواليس، وقبل بداية انطلاق حفلها بساعتين، المسرح خالي تمامًا من الجمهور ومزدحم فقط بفريق العمل من الموسيقيين والفنيين، الكل جاهز في انتظار وصولها، لبداية البروفة الأخيرة "الساوند تشيك"، ورغم طيلة الانتظار لساعة، تناسى الجميع حرارة الأجواء والملل فور طلتها البهية بابتسامة عريضة وبهجة في إطلالتها التي غلبت عليها طابع الطفولية، باختيارها فستان بمبي قصير عاري الكتفين، ظهرت وكأنها طفلة في العاشرة من عمرها، دخلت ورمت التحية على الجميع فردًا فردًا، حتى صعدت على خشبة المسرح، وقبل أن تبدأ في تجربة صوتها، خففت حرارة الأجواء بشرب كوب مانجو فريش مسكته بشكل طفولي جدًا جعل كل من ينظر إليها يبتسم من تلقائيتها وبساطتها، وكسرت برود البروفة بهزار متكرر مع الموسيقيين على المسرح، وسط انبهارها بالحالة الموسيقية التي ترافقها لأول مرة مع الأوركسترا.
"خطفة أوركسترا"
حالة من الاندهاش التام انتشرت في أرجاء مسرح آر إم سي الذي امتلأ بالحضور نسبيًا رغم كون الحفلة في نفس موعد حفلة الكينج محمد منير بالقرب من مكان المسرح، إلا أن هذا لم يمنع جمهور سعاد المخلصين من نيل فرصة الشرب من هل حرتها الغنائية بعد غياب 4 شهور عن آخر زياراتها لمصر، تعابير استغراب ترسمت على وجوه الجماهير فور رؤيتهم الازدحام الشديد على المسرح بأكثر من 33 عازفًا بجانبها وبصحبة مايسترو.
وظلت حالة الصمت مستمرة على مدار أول أغنية، "ياقلبي" نظرًا لتغير المحتوى الموسيقي والتوزيع وحتى طريقة الغناء عن المعتاد بحفلات سعاد وارتدائها هذه المرة حلة الأوركسترا، لكن سرعان ما اعتدا الجميع على الحالة واندمجوا معها، خاصة نظرًا للسعادة التي ظهرت بها ماسي خلال الغناء وكإنها "مبسوطة جدًا وهي بتغني مع الأوركسترا".
وتمكنت سعاد من إجبار الحضور على التفاعل معها بالهتافات والتصفيق وترديد كلمات أغنيتها الثانية الأشهر "غير إنت"، بمجرد نطقها أول كوبليه "ديرني في بالك ياللي بهاوك أنا قلبي اختارك"، ليردد الكل بقيتها "غير انت اللي دخلت قلبي، غير انت ساكن قلبي".
واستمرت حالة الاستمتاع متواصلة على مدار ساعة ونصف متواصلة، قدمت خلالها سعاد ليستة أغنيات تخطت حاجة الـ 14 أغنية، كان من المقرر أن تأخذ استراحة قصيرة للجمهور عقب انتهاء نصفها، مع أداء أغنيتها الأكثر طلبًا في الحفلات "مسك الليل"، ولكنها فاجأت الكل بجملة على طريقة الهزار "تعبتوا ناخد بريك وللا نكمل؟" لترتفع مئات الهتافات في صوت واحد "كملي كملي"، لتدخل فورًا في أغنيتها التالية "دنيا وزمن" و"راني رايحة"، حتى تفجيرها مفاجأة أغنيتها المصرية "سلام"، واعدت بعدها إلى نوستالجيا أٌقدما أغانيها "طليت ع البير" و"راوي"، حتى قررت إسدال الستار على حفلتها الكبرى بطريقة درامية جدًا بوضعها مسك الختام بثاني مفاجآتها المصرية، بغناء رائعة سيد درويش "زوروني كل سنة مرة"، والتي ما ان نطقت أول كوبليه حتى أجبرت الجميع على ترديد كلماتها عن ظهر قلب، ليكون مشهد التفاعل الجماهيري خير ختام لسهرة صعب تكرارها مرة أخرى تاركة الكل في حالة انتظار لعودتها من جديد لمصر بدايات العام المقبل بكلمة "أشوفكو قريب".