عرفناه نجما متفردا، أجاد العزف على أوتار موهبته حتى صار أسطورة لن تتكرر، هكذا يتحدث عنه الجميع، خاصة بعد رحيله، بتمجيد منقطع النظير، يقصون في ذكراه مواقفهم الودودة معه، ويحكون ذكرياتهم الجميلة، لكنهم لا يتحدثون أبدا عن معارك أصابته "بحرقة الدم" كانوا هم طرفاً فيها، ولا يتطرقون لحروب شنوها ضده وإشاعات استفزته وأعمال فنية كانت له لكنه صارت "بقدرة قادر" من بطولتهم..
في ذكرى رحيله التي تحل اليوم قررت أن أتصفح الأرشيف الصحفي الزاخر بأخباره وحواراته والحكايات التي يتبادلها الكثيرون عنه، فلم أجد أطرف ولا أغرب ولا أشرس من منافساته مع الزعيم عادل إمام وهي المنافسة التي استمرت لسنوات طويلة على الرغم من اختلاف المدرسة الفنية التي ينتمي إليها النجمين، أنه العبقري أحمد زكي.
مدرسة المشاغبين تجاهل وعزلة ونبوءة تحققت
على الرغم من أن البداية الحقيقية للعبقري أحمد زكي كانت في "مدرسة المشاغبين" التي كان الزعيم عادل إمام نجمها الأول، من خلال دور هامشي استطاع الفتي الأسمر أن يثبت من خلاله قدراته التمثيلية، ويفرض حضوره وموهبته بين نجوم الصف الأول في تلك الفترة "عادل إمام وسعيد صالح".
كان الوضع يختلف في الكواليس بعيدا عن خشبة المسرح، فنجوم العمل يتجاهلون الشاب المبتدأ الذي كان منطوي بطبعه، لا يتحدث كثيراً ولا يقترب من النجوم أو ضيوفهم ولم يكن يتحدث في تلك الفترة كما روى أحد أصدقاؤه المقربون إلا مع زميله هادي الجيّار، في تلك الفترة ورغم عدم الاختلاط بين النجم الكبير عادل إمام والفتي المبتدأ أحمد زكي، تنبأ الزعيم للفتي الأسمر بأن يكون أحد أهم نجوم الصف الأول في مصر، وهي النبوءة التي شهد عليها كل أبطال مدرسة المشاغبين ماعدا أحمد زكي، حيث قالها الزعيم في أحد المناسبات الخاصة خلال عرض المسرحية في السودان وهي الرحلة التي امتنع زكي عن القيام بها بسبب خلاف بينه وبين أحد الإداريين في فرقة الفنانين المتحديين التي أنتجت العمل ليحل محله الوجه الجديد في تلك الفترة محمود الجندي.
الحريف بداية المنافسة التي تحولت إلى حرب خفية
مرت السنوات وتربع الزعيم عادل إمام على عرش السينما كنجم الشباك الأول الذي تحقق أفلامه أعلى الإيرادات، ويخطوا النجم الأسمر أحمد زكي بخطوات الواثق من موهبته والمتمكن من قدراته في عالم الفن ليبنى لنفسه تاريخا فنيا لن يتكرر، وعلى الرغم من اختلاف المدرستين، إلا أن المعركة الحقيقية بين النجمين بدأت مع فيلم الحريف الذي رشح له المخرج محمد خان الفنان أحمد زكي ليلعب بطولته، لكن بسبب شخصية أحمد زكي المستقلة ووجهة نظره الفنية التي كان من الصعب التنازل عنها اختلف مع المخرج على شكل البطل، فقد قرر خان أن يكون شعره طويل، وأبلغ ذلك لأحمد زكي، ليفاجئه أحمد زكي بحلاقة شعره تماماً في تحد واضح لرب العمل، وهو ما دفع خان للتخلي عن أحمد زكي وترشيح عادل إمام مكانه، وهو الأمر الذي أغضب زكي كثيرا بشهادة خان الذي صرح في أحد حواراته التليفزيونية أنه عندما اخبر زكي بأنه أعطى الدور لعادل إمام طلب منه زكي الدخول إلى الحمام، وبعد سنوات صارحه بأنه دخل الحمام لكي يسبه.
في نفس الفترة التي عرض فيها "الحريف" في السينمات، عرض فيلم "شادر السمك" الذي لعب بطولته أحمد زكي، ليحقق زكي أول انتصار في شباك التذاكر على نجمه الأوحد الذي فشل فيلمه جماهيريا واحتد الخلاف بين إمام وخان بسببه، حيث أرجع عادل إمام فشل الفيلم للأسلوب الفني لخان الذي كان غريبا في تلك الفترة على الشارع المصري.
الغريب في الأمر أن أحمد زكي لم يفرح بنجاح شادر السمك كما توقع البعض، وبالانتصار الذي حققه على عادل إمام ومحمد خان، بل على العكس تماما غضب بشده لمهاجمة احد النقاد الكبار لفيلم "الحريف" وإشادته بفيلم شادر السمك الذي كان يرى أنه ضعيف فنيا مقارنة بفيلم "الحريف"، حتى أنه وبعد عرض "الحريف" ضرب رأسه في الحائط ندما على خلافه مع خان الذي أضاع منه فرصة تقديم عمل فني بقيمة "الحريف" الذي تم اختياره بين أفضل مائه فيلم في تاريخ السينما المصرية.
الإرهابي وفرصة ضاعت من زكي وذهبت لإمام
الحرب بين النجمين لم تقتصر عليهما فقط، بل تدخلت فيها أطراف أخرى كانت تساهم باشتعالها من وقت لآخر، فكثير من الموزعين السينمائيين كانوا يحاربون أفلام أحمد زكي لصالح أفلام الزعيم، وكثير من المؤلفين السينمائيين أيضا غدروا بالفتى الأسمر ليحققوا انتصارا ماديا بفوزهم بالزعيم كبطل لأفلامهم.
من أشهر القصص التي تم تداولها بشكل كبير في الوسط الفني هي قصة فيلم "الإرهابي" الذي لعب بطولته الزعيم عادل إمام، والذي كان اسمه المؤقت "إرهابي في بيتنا" الذي رشح له في البداية العبقري أحمد زكي الذي تحمس له كثيراً وقرر أن يستغل علاقاته ببعض الشخصيات الهامة لأول مرة لتسهيل تصويره.
ليفاجئ زكي عن طريق الصحف بتوقيع عادل إمام لعقد الفيلم، دون أن يعتذر له أحد، ودون أن يخبره عادل إمام نفسه بذلك، وهو الأمر الذي عمق الخلاف بين النجمين الكبيرين.