ليلى أباظة.. طير «ميتزو سوبرانو» يرفرف فى سماء الأوبرا

حالة صمت اغتصبت أرجاء المكان، هدوء قاتل ولد من رحم الزحام، مئات جالسون دون حراك، وكأن على رؤوسهم الطير، اعتلت على محياهم ابتسامة خافتة، وعيون امتنعت عن الرجف إلا خفيفًا، وآذان فردت أجنحتها لترفرف مسامع الحاضرين إلى ملكوت من الراحة النفسية، بعيدًا عن ضجيج الحياة الاعتيادية وأبعد ما يكون عن مختلف مسميات الحفلات الغنائية، عالم آخر سكانه حبال صوتية آسرة بطبقاتها، لغاتها صرخات غنائية، بلغات عدة، لا يهم عند سماعها أن تفهم ما يقال، وإنما تذوب عشقًا بإحساس من يؤديها.

على مرمى البصر مسرح خالٍ إلا من ديكورات تأخذك بتصميماتها إلى كلاسيكيات الغرب، بمنزل بسيط وسط جمال الطبيعة لا يعكر صفو راحتك هناك شىء، ولا صوت يعلو فوق زلزلات دقات قلبك مع إيقاعات ذلك الصوت المتزايدة حدتها لتصل لمصاف الصراخ، تتوسط المسرح شقراء جميلة، تقف بكل ثقة وعينيها ارتكزت في اللاشيء، خطفت بتعاويذها الصوتية أذهان الجمهور الجالسين أمامها في إنصات تام، وهي تبدع في إعادة إحياء روائع بوتشيلي وفرانك سيناترا في وصلة غنائية لم تتجاوز الخمس دقائق، مرت كالدهر عالحاضرين، لتنكسر حالة الصمت تلك فجأة بزلزال من تصفيق الجمهور في نهاية الأداء.

 تلك الحالة التي تصنعها ليلى أباظة في حفلاتها الأوبرالية، صوت ميتزو سوبرانو أوبرالي حفر بصمته الخاصة في حرم دار الأوبرا المصرية، تكمل مع نهاية العام عقدها الأول من عمرها تحت مظلة الدار، تخرجت من معهد الكونسرفاتوار بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، وشربت من نهل الدكتورة فيوليت مقار رائدة الغناء الأوبرالي في مصر، لتتشبع من رحيق عالم الأوبرا، لتدخل في غمار عالمها كصوليست رئيسي في فريق أوبرا القاهرة منذ تسع سنوات.

عشرات الحفلات قدمتها أباظة على مسارح دار الأوبرا، بين القاهرة وإسكندرية ودمنهور، بمعدل شبه شهري أو أكثر للحفلات، أغلبها في ملكوت فيردي وبوتشيلي وموتسارت، وجسد أبرز الشخصيات في عوالم الأوبرا الشهيرة، بين مادلين لأوبرا ريجوليتو ومرسيدس في أوبرا كارمن، مع وضع بصمتها في إحياء روائع الأعمال الغنائية الكلاسيكية العالمية، وأغنيات الأفلام الشهيرة وحتى روائع ديزني، وصولًا لتمثيلها مصر لأول مرة في مهرجان الأوبرا العالمي في بيلاروسيا العام الماضي، وحملت اسم دار الأوبرا المصرية هناك ممثلة عن بلدها الأم، وتعيد التجربة من جديد خلال شهر فبراير المقبل.

بعد عمر طويل قضته متوغلة في أدغال الأوبرا، بين مختلف مسارحها تدور في خلد أباظة منذ فترة طويلة فكرة الخروج من عباءة الدار وتجربة الدخول في غمار عوالم موسيقية أبعد ما تكون عن الأوبرالية، والغوص في بحر موسيقى الروك، وتضع حاليًا أولى لمساتها الموسيقية على مشروعها الموسيقي المستقل، عبر تكوين باند غنائي مع عدد من الموسيقيين لا يتجاوز خمسة أفراد، تدخل به وسط الأندرجراوند والباندات الغنائية، لتتحرر بفرقتها قليلًا عن كونها موظفة في الأوبرا، وتبحث عن نفسها في موسيقاها الخاصة وترفرف خارج السرب.