وكأنها شخصان يجمعهما نفس الاسم والشكل لكن بينهما العشرات من التناقضات، شيرين عبد الوهاب المطربة التى نعشق صوتها وإحساسها الذى لا يضاهيه إحساس، وشيرين عبد الوهاب الأخرى التى لا نعرف عنها الكثير، فقط شخص تخرج من الحين للآخر لتتحدث فى أمور "إن تبد لكم تسؤكم"، تقذف بكلمة هنا، وترمى كلمة هناك، تهين هذا، وتتطاول على ذاك، تتحدث بكلمات غير محسوبة، ليست مدروسة، لا تفيد أحد بشىء إلا فى مزيد من الاستفزاز، هذه هى شيرين عبد الوهاب التى تتحدث على المسرح وتتكلم طوال الوقت فى الحوارات والندوات والمؤتمرات الصحفية.
للأسف شيرين هذه التى أتحدث عنها الآن لم تخرج يوما من مؤتمر صحفى أو تصريح أو ندوة فنية تتطلب تفاعلا بينها وبين المتواجدين إلا وخسرت، لا أعلم إن كان هذا من سوء حظها، أم أنه أمر يعود لشخصيتها، فكرت طويلا فى تساؤل محير، هل الأفضل أن يكون الفنان صادقا وعفويا ويقول ما يخطر بباله كأى إنسان طبيعى لا يحب أن يتكلف ويتحذلق بالكلمات والجمل ووجهات النظر، أم أن الأفضل أن يكون "لئيما"، أو كما يقال "ذكى اجتماعيا"، يتحدث بعكس ما يضمر، وتراه دبلوماسيا لا يقع فى خطأ رغم أنه فى بعض الحالات قد يكون شخصا مؤذيا وغير محبوب، وكاره نجاح الجميع، ويتحدث وينم على الجميع بكل سوء، لكنه أمام الجمهور يحرص أن يظهر بماسك الملائكية؟
فى الحقيقة كنت قد توصلت لإجابة بينى وبين نفسى، إجابة مفادها لا بالطبع، دعوا الناس تتحدث بعفوية وصدق، وليتحلى الجمهور بمساحة من التسامح والصبر وسعة الصدر، دافعت عن شيرين عبد الوهاب فى كل مرة أخطأت بها، تحملت كثيرا من أصدقائى وزملائى الرافضين لدفاعى عنها واستمريت فى طريقى أعترف بخطأها لكنى أرفض جلدها والتعامل معها على أنها معصومة من الخطأ.
وأخيرا بعد أن تحدثت شيرين عبد الوهاب عن مياه النيل والبلهاريسيا، فردت على معجبة طلبت منها فى إحدى الحفلات غناء أغنية مشربتش من نيلها، قائلة: هيجيلك بلهاريسيا، قررت أن أغير إجابتى، قررت أن أضع أمامى خيارين لا ثالث لهما، إما أن أطلب من شيرين عبد الوهاب أن تتوحد مع نفسها وتتوقف فورا عن هفواتها وسقطاتها وتترك عفويتها على الأقل عندما تصعد إلى المسرح، أو تكون وسط تجمعات قد يتم تسريب ما تقوله خلالها، أو أن تظل شيرين فى نظرى شخصين متناقضين، فأفصل بين شيرين عبد الوهاب المطربة التى لا يمكننى أن أمنع نفسى من سماع صوتها الاستمتاع بإحساسها، وهذه الشيرين عبد الوهاب الأخرى التى تستهلك بسقطاتها المتكررة منا كثيرا.
قررت أن استمع إلى أغنياتها التى غنتها لتسرح بنا معها فى عالم الخيال والبهجة والرومانسية والسعادة، أغنيات كثيرة تجمعنا بها كثير من الذكريات، وأخرى تذكرنا بمواقف لا ننساها، شئنا أم أبينا، ستظل أغانى شيرين عبد الوهاب هى البطل، وهى الحل وهى كلمة السر، حتى إذا قضت شيرين عبد الوهاب على مجهودها ونجوميتها بما تفعله فى نفسها بأحاديثها، ستبقى أغانيها شاهدا على إحساسها وبراعة صناعها، دعونا نسمع قليلا لننسى ما قالته شيرين مؤخرا.