كثيرون من ملايين الشعب العربى زاروا مصر وشربوا من نيلها وزاروا أهراماتها وشاهدوا معالمها وانبهروا بحضارتها، وتفاعلوا مع فنها وتحدثوا لهجتها المرحة حتى أصبحت هى اللغة الرسمية الاولى لهم.
وهناك –أيضا- ملايين من العرب لم يزوروا مصر لكنهم عاشوا فنها وعشقوا موسيقاها وابداعها وتأثروا بعاداتها وتقاليدها.. حتى أن بعض البلدان والشعوب العربية طلبت ورحبت أن تنشد كلمات سلامها ونشيدها الوطنى بألحان كبار الموسيقيين المصريين.
كل ما سبق..كان- ومازال اسمه " القوة الناعمة" لمصر خارج حدودها عبر بساطها السحرى الذى حمل الفن والثقافة والابداع إلى فضاءها العربى..قبل أكثر من ستين عاما من صك المصطلح والتعامل معه كسياسة خارجية استراتيجية للدول وصدور الكتاب الشهير لجوزيف ناى رئيس مجلس المخابرات الوطنى ومساعد وزير الدفاع فى حكومة الرئيس الأميركى بيل كلينتون عام 90 بعنوان "القوة الناعمة: وسيلة النجاح فى السياسة الدولية" وحاول خلاله التفصيل فى مفهوم القوة الناعمة التى تعمل جنبا إلى جنب مع القوة الصلبة " العسكرية " لتقوية مصالح أمريكا فى كل أرجاء العالم.
من الجزائر إلى تونس مرورا بليبيا وفلسطين على شاطئ البحر المتوسط إلى موريتانيا على شواطى المحيط الأطلنطى وحتى دولة الامارات العربية المتحدة على شواطئ الخليج العربى أنشدت الشعوب العربية السلام الوطنى بالألحان المصرية وأحيانا بالكلمات والأشعار المصرية أيضا.
فى الجزائر وفى عام 56 طلب قادة الثورة من الشاعر الجزائرى المعروف مفدى زكريا كتابة نشيد خاص للجزائر ليعبر عن الثورة الجزائرية التى ساندتها مصر.. وخلال يومين فقط جهز شاعر الثورة "قسماً بالنازلات الماحقات"، وانتقل مفدى، إلى تونس لنشره فى صفوف جبهة التحرير. وفى العاصمة التونسية قام الموسيقار التونسى على السرياتى بتلحينه، إلا أن لحن السرياتى لم يكن فى مستوى قوّة النشيد، وهو مادفع بمفدى زكريا تنفيذاً لأمر عبان رمضان أحد قادة الثورة الجزائرية بنقله معه إلى القاهرة لإعادة تلحينه من جديد، وفى قاهرة العرب تبرّع الموسيقار المصرى محمد فوزى بتلحين النشيد "هدية للشعب الجزائري". واقتنعت أخيراً جبهة التحرير باللحن الجديد، واعتبرته قوياً وفى مستوى النشيد.وطالبت فرنسا بحذف مقطع يا فرنسا، لكن المجاهدين الجزائريين رفضوا لأنها لم تعترف بجرائمها المرتكبة فى الجزائر وهو لا يزال مقطعا من النشيد الوطنى الرسمى. الذى يقول فى مطلعه:"
قسما بالنازلات الماحقات
و الدماء الزاكيات الطاهرات
و البنود اللامعات الخافقات
فى الجبال الشامخات الشاهقات
نحن ثرنا فحياة أو ممات
و عقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا..."
وفى 26 نوفمبر الماضى أمر الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة، بإطلاق اسم الراحل محمد فوزى على المعهد الوطنى العالى للموسيقى بالجزائر فضلا عن منحه “وسام الاستحقاق الوطني” ما بعد الوفاة. وكما صرح وزير الثقافة الجزائرى عز الدين ميهوبى بأن هذا التكريم “يأتى فى إطار تخليد ذكرى مرور 60 عاما على تأليف النشيد الرسمى وعرفانا من الجزائر بمن قدموا لها الدعم والمساعدة فى وقت كان يتطلب ذلك.
من الجزائر إلى الامارات العربية المتحدة يقول كاتب كلمات النشيد الوطنى الشاعر الدكتور عارف الشيخ، إنه ألف كلمات النشيد الوطنى (تحية العلم) بعد 15 عاماً من إعلان اتحاد الدولة عام 71، واستغرق ثلاثة أيام فى كتابته الذى كان تكليفاً وأصبح تشريفاً على مرّ السنوات».
منذ إعلان الاتحاد عام 1971 حتى 1986 لم يكن للإمارات نشيد وطني، على الرغم من أن دستور الدولة ينص على ضرورة تخصيص النشيد إلى جانب العلم، والسلام الوطنى. كان صاحب فكرة النشيد هو أحمدحميد الطاير وزير التربية والتعليم الاسبق عام 86 لاحظ خلال وجوده باكراً فى المدارس وحضوره طابور الصباح أن التلاميذ فى المدارس يرفعون العلم فى الطابور بصمت، بينما ينبغى أن يظهر الجميع، خصوصاً طلاب المدارس وهم جيل المستقبل، بموقف حماسى أثناء رفع العلم، ويجب ترديد كلمات وطنية مع العزف.
ولحن السلام الوطنى الموسيقار سعد عبد الوهاب الذى كان قد انتقل للعمل فى الامارات كمستشاراً للأغنية الوطنية فى الإذاعة بل وغناه بنفسه ويقول مطلع النشيد" عيشى بلادى.. عاش اتحاد إماراتنا
عشت لشعب.. دينه الإسلام.. هديه القرآن
حصنتك بسم الله يا وطن».
والموسيقار سعد عبد الوهاب وهو ابن أخ موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب من مواليد 16 يونيو 1929 وتخرج فى كلية الزراعة جامعة القاهرة عام 1949.اكتشفه المخرج حسين فوزى وقدمه للسينما فى فيلم "العيش والملح".وبالرغم من قلة أعماله الغنائية إلا أنها تركت أثر فى مجال الغناء العربى.
ومن أبرز أغانيه "الدنيا ريشة فى هواء" ،و"القلب القاسى" ،و"من خطوة لخطوة"، و" على فين وخدانى عنيك" و"جنة أحلامي"، و"شبابك أنت"، و" بنات البندر"، و"وشك ولا القمر".
فى فلسطين الثورة اعتمد نشيد" فدائى" ليكون النشيد الوطنى الفلسطينى أو السَلام الوَطنى الفلسطينى بقرار من اللجنة التنفيذية لـمنظمة التحرير الفلسطينية سنة 1972 خلفاً لنشيد موطنى الذى كان بمثابة النشيد الوطنى الغير الرسمى للفلسطينيين منذ 1930وقامت حركة فتح بتغيير اسمه من "فدائي" إلى "نشيد الثورة الفلسطينية" وصادق عليه مجلس الوزراء فى السلطة الوطنية الفلسطينية سنة 2005 ليصبح النشيد الرسمى لها.
ونشيد "فدائي" من تأليف الشاعر الفلسطينى سعيد المزين (فتى الثورة) وتلحين الموسيقار المصرى على إسماعيل عام 1965. وأعاد توزيعه الموسيقى أول مرة الموسيقار اليونانى ميكيس ثيودوراكيس عام 1981 فى خطوة رمزية منه للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطينى. ثم أعاد التوزيع الموسيقى للمرة الثانية الملحن الفلسطينى حسين نازك عام 2005 ويقول"
فدائى فدائى فدائى يا أرضى يا أرض الجدود
فدائى فدائى فدائى يا شعبى يا شعب الخلود
بعزمى ونارى وبركان ثأرى وأشواق دمى لأرضى وداري
صعدت الجبالا وخضت النضالا قهرت المحالا حطمت القيود"
وفى ليبيا كان النشيد الوطنى الليبى القديم الذى عرفته الجماهيرية أو ليبيا الثورة منذ سبتمبر 69 وحتى 2011 حين اندلعت ثورة 17 فبراير كان النشيد المستخد هو " الله أكبر الله أكبر فوق كيد المعتدى " وهو النشيد الذى اشتهر فى مصر أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام 56 من تاليف عبد الله شمس الدين وتلحين الموسيقار محمود الشريف. وبعد 2011 يستخدم الليبيون نشيد الاستقلال المعروف باسم "ليبيا ليبيا ليبيا".
" حماة الحمى" هو اسم النشيد الوطنى التونسى كتب أغلب كلماته الشاعر المصرى مصطفى صادق الرافعى وتمّت إضافة بيتين للشاعر أبو القاسم الشابى الا أن هناك خلاف حول من لحنه وأغلب الآراء تذهب إلى أن الموسيقار محمد عبد الوهاب هو من لحنه كان الوطنيون التونسيون يرددون النشيد خلال مرحلة النضال الوطني، واستمر إنشاده حتى بعد اعتماد نشيد "ألا خلدي"، فى بعض الأوسط الطلابية واجتماعات الحزب الدستورى. اعتمد رسميا كنشيد وطنى يوم 12 نوفمبر 1987 عوضا عن ألا خلدى. ويقول نشيد حماة الحمى"
حماة الحمى يا حماة الحمى |
هلموا هلموا لمجد الزمــن |
|
لقد صرخت في عروقنا الدما |
نموت نموت ويحيا الوطن |
|
بلادي احكُمي واملكي واسعدي |
فلا عاش من لم يعش سيــّدا |
|
بحرّ دمي وبمــا في يــدي |
أنا لبلادي وحزبي فدا |
|
لك المجد يا تُونس فاستــمجدي |
بعزّة شعبك طُول المـدى |
أخيرا وفى موريتانيا العربية ومنذ أيام كرم الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز
الموسيقار المصرى راجح داوود بعد تلحينه النشيد الوطنى الموريتانى الجديد
المتحدث باسم الخارجية: راجح داوود مثال للفنان المصري الذي يبرز مكانة مصر وريادتها كمنارة للثقافة العربية.
وأعرب المستشار أحمد أبوزيد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية عن خالص الشكر والتقدير للفنان والموسيقار المصري راجح داوود الذى كرمه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بعد تلحينه النشيد الوطني الموريتاني الجديد.
وهذا العمل الفني قد جاء نتاج تنسيق وثيق بين وزارتي الخارجية والثقافة في كل من مصر وموريتانيا، حيث حرصت الخارجية المصرية على تقديم الدعم اللازم للفنان راجح داوود من أجل إخراج عمله إلى نور، انطلاقا من مسئولياتها إزاء الأشقاء العرب والأفارقة، وإيمانها الراسخ بدور الفن المصري وكافة أدوات الدبلوماسية العامة في الترويج لصورة مصر وقوتها الناعمة ومكانتها المتصاعدة إقليميا ودوليا.
وقال المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية أحمد أبو زيد أن العمل الجليل الذى قام به الفنان راجح داوود سيخلد في وجدان كل مصري وموريتاني وستتناقله الأجيال ليبقى شاهدا على أسمى معاني التأخي والود بين شعبين شقيقين، منوها إلى أنه من دواعي الفخر والاعتزاز أن يكون اسم مصر حاضرا كلما تم عزف السلام الوطني الموريتاني. وأضاف أن راجح داوود قد ساهم بفنه وعمله، ومن قبله الفنان المصري الراحل محمد فوزي، والذي قام بتلحين النشيد الوطني الجزائري، في إبراز دور مصر وريادتها كمنارة للثقافة ومصدر إلهام للشعوب العربية وما يجمعها من قواسم حضارية وحس فني مشترك. ومن بين أبيات النشيد الموريتانى الجديد"
بلاد الأباة الهداة الكرام وحصن الكتاب الذي لا يضام
أيا موريتان ربيع الوئام وركن السماحة ثغر السلام
سنحمي حماك ونحن فداك ونكسو رباك بلون الأمل"
مصر كانت- ومازالت- هناك بين اشقاءها العرب بقوة لا يمكن القضاء عليها أبدا وهما طال الزمن وهى ...القوة الناعمة