هذه هى المرة الثانية لى فى تغطية مهرجان برلين السينمائى الدولى، والمرة الثالثة لزيارة ألمانيا، ألمانيا كانت بالنسبة لى أول دولة أوروبية أزورها فى بداية عملى الصحفى، عندما قدر لى أن أكون ضمن الحاصلين على منحة تدريبية فى الكتابة للطفل، وهى الرحلة التى شهدت كل مخاوف تجربة السفر الأولى إلى دولة أوروبية، لذلك أعتبر دوما ألمانيا حالة خاصة بالنسبة لى بعيدا عن دول أخرى مثل فرنسا أو هولندا وغيرها من الدول التى قمت بزيارتها.
والأهم أن مهرجان برلين صار واحدا من أهم المهرجانات التى أحب متابعتها وأقوم بتغطيتها وأحب تلك اللحظة التى أحصل فيها على الكارنيه الخاص بالتغطية الإعلامية، وذلك لما يحمله من أجواء حميمية، وبساطة تختلف كثيرا عن كان الدولى الصاخب والمزدحم.
وفى دورته الـ68 والتى تفتح مساء اليوم الخميس، بحضور عدد من النجوم وبالعرض الأول عالمياً لفيلم ويس أندرسون «ايل اوف دوجز» وهو فيلم رسوم متحركة يقوم بالتجسيد الصوتى لشخصياته نجوم من هوليوود من بينهم بيل موراى وسكارليت جوهانسون ووتيلدا سوينتون، اضافة إلى موقف واضح ضد التمييز، وانحياز معلن مع النساء بخاصة هؤلاء ضحايا التحرش، ليس ذلك فقط فالمهرجان دائماً ما يعلن وبوضوح عن هويته الانسانية.
وإعلائه لكل القيم النبيلة، ألمانيا التى تستضيف عددا كبيرا من اللاجئين العرب وعلى رأسهم السوريين، حيث اختار مهرجان برلين الطباخة السورية الأشهر ملكة جزماتى _والتى تأكل من يديها أنجيلا ميركل رئيسة الوزراء وتحديدا الشاورما فهى عاشقة لها بحسب الصحافة الأجنبية_ لتكون الطباخة فى حفل يضم العديد من نجوم وضيوف المهرجان.
وتقوم جزماتى (30 عاماً)، التى تدير مع زوجها شركة لتوريد الأطعمة فى برلين، بالطهى لأكثر من 400 ضيف سيحضرون الحفل وفى تصريحات صحفية قالت جزماتى عن اختيارها لهذا الحفل : «عندما ذهبت واستوعبت أنه ليس أى مهرجان بل هو برلينالى غمرتنى السعادة... بدا الأمر وكأننى أقترب من تحقيق أحلامى.
وستعمل جزماتى تحت إدارة الطاهى الرسمى للمهرجان مارتن شرف وبالتعاون مع الطاهية اللبنانية -الأميركية باربرا مسعد المعروفة بتأليفها كتباً عن الطهى والأطباق السورية. وتتنوع الأصناف فى قائمة الأطعمة التى ستقدمها من الباذنجان المحشو من حلب إلى المعكرونة السورية من دمشق المتبلة بصلصلة التمر الهندى ودبس الرمان.
وقالت جزماتى: يعتقد الناس أن طعامنا ليس فيه إلا الفلافل والحمص، لكن بعد ذلك يعرفون أنه مطبخ ثرى جداً.
وإذا كانت جزماتى قد اقتربت من تحقيق أحلامها بمشاركتها فى البيرينالى حتى لو كان عن طريق الطهي، الا أننى ولأول مرة ومن خلال السفرات المتعددة، أشعر حقاً بمعنى التمييز، وكيف أنك تنتمى وقادم من هذا الجزء الموصوم من العالم، موصوم بالتطرف والارهاب، حيث لا أصدق حتى هذه اللحظة أن يتم توقيفى وسؤالى فى مطار فرانكفورت الدولى عن "سورة ياسين" نعم لقد حدث، سورة ياسين أتفاءل بها ودائما ما أضعها فى حقيبتى سواء فى رحلات السفر أو فى العادى فهى من الأشياء الثابتة مهما غيرت الحقيبة، حيث تم تفتيشى بدقة، وللدقائق الأولى لم أستوعب ما حدث، الحقيبة فى يد واحد من المسئولين بالمطار يرتدى "الجوانتى"، وبدقة شديدة يخرج كل ما فى الحقيبة، أما سورة ياسين فقد أمسك بها كأنه وجد دليل الجريمة، وسرعان ما تهامس مع صديق له، ثم استدعيا زميل آخر من أصول عربية، وأخذ يسأله عن سورة ياسين، التفت لى الرجل سائلا: انتى منين قولتله مصر طمأننى ما تخافيش، مافيش حاجة، "وبعد حديث بالألمانية مع المسئول الممسك بحقيبتى كمن يمسك بدليل الجريمة، أعطانى حقيبتى وقال لى العربى والذى ينتمى لأصول تونسية معلش بتحصل أحيانا، وحصلت على حقيبتى وأنا فى حالة ذهول وبالطبع فاتتنى الطائرة المتجهة إلى برلين، إلا أن الناقد والأستاذ طارق الشناوى خفف على الأمر بتحويله إلى مزحة بيننا، إلا أننى وبداخلى لا أزال أسأل نفسى هل أحمل سورة ياسين معى فى رحلة العودة، أم أتركها هنا؟
خصوصا بعد التصرف العنصرى الذى تعرضت له، فى مطار فرانكفورت والذى يتناقض تماما مع الصورة التى تعمل الحكومة الألمانية على رسمها، أن تفتح بابك لكل هؤلاء اللاجئين يعنى بالضرورة أن تعرف أكثر عن حياتهم، وتفاصيلهم وعاداتهم، وما يحملونه فى حقائبهم فى بعض الأحيان لأننا بالتأكيد شعوب مهما كانت موصومة إلا أننا تربينا بشكل مختلف، ونملك التفاصيل التى تشكل حياتنا، وليس بالضرورة من يحمل القرآن إرهابيا، أو مشروع محتمل.