لا شك أن حضور الرئيس عبدالفتاح السيسى وولى العهد السعودى الملك محمد بن سلمان، العرض المسرحى «سلّم نفسك» للمخرج خالد جلال بدار الأوبرا، يحمل الكثير من الرسائل المهمة، والتى فى مقدمتها تشجيع الشباب المبدع فى كل المجالات والإيمان بأهمية الفن والقوى الناعمة، خاصة أن العرض المسرحى يعد عملا إبداعيا متكاملا نال الكثير من الإشادات النقدية والحضور الكثيف من قبل الجمهور المشاهير من الساسة والفنانين والمثقفين والإعلاميين ونجوم المجتمع فقد تجاوزت ليالى عرضه الـ120 ليلة عرض.
هالة فاخر وإدوارد وخالد جلال عقب عرض مسرحية سلم نفسك
"سلم نفسك" وجبة دسمة متكاملة تتناول موضوعات ورسائل مهمة عن السلبيات، التى طرأت على المجتمع المصرى مثل انعدام الشهامة و"الفتى والفتاكة" واللامبالاة وتجنيد الشباب المحطم نفسيا فى الإرهاب ونظرة المجتمع للمرأة، وكذلك علاقتنا بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى التى سيطرت على حياتنا اليومية وأفسدت العلاقات الإنسانية، وكذلك قضايا الإعلام، من خلال قصة محكمة عن مدينة متقدمة تكنولوجيا تعلن حالة الطوارئ بسبب ظهور كائن غريب بها محمل بالفيروسات، ونكتشف أن هذا الكائن مصرى، فيكون القرار بضرورة إعدام هذا الشخص حتى لا يصيب سكان المدينة بأمراضه وفيروساته، لكن رئيسة الأطباء تعترض على فكرة قتله وتطالب بفرصة لكى تتعرف على هذا الكائن الغريب وما يحمله فى رأسه وأفكاره، فيتم وضعه تحت جهاز يكشف ما برأسه من ملفات فإذا بالملفات تتفتح واحدا تلو الآخر لنكتشف سلبيات المجتمع المصرى من عقوق الأبناء بوالديهم والنميمة واختفاء صلة الرحم بسبب الفيس بوك، والفتى وادعاء المعرفة والعنف ضد المرأة، والتعامل معها وكأنها سلعة، والتحرش وافتقاد الشهامة، وسرقة الأعضاء وسلبيات أخرى عديدة تجعل مسئولى المدينة يقررون إعدامه حتى لا يصاب مجتمعهم بهذه السلبيات لكن كبيرة الأطباء تقول بأن هناك ملفا لا يفتح ولديها يقين بأن به شيئا إيجابيا بصورة تجعلها تضحى بنفسها فى مقابل كشفه وتموت لنكتشف بالفعل بأن رغم كل السلبيات هناك الخير الكامن بداخله والذى يتمثل فى الانتماء لمصر وحبها والتضحية من أجلها.
فالمسرحية تحافظ على هوية الدولة وتنتشل الشباب من براثن التطرّف والتخلف والإرهاب، وتؤكد فى المشهد النهائى لها أنه مازال هناك أمل، وأن الإيجابيات موجودة ولكنها تحتاج فقط من يوقظها، وأنه مازال حماة الوطن من القوات المسلحة هم الجانب المضىء فى الأوطان وهم شعاع النور وهم نسيج من المجتمع المصرى.
هانى شاكر مع خالد جلال
المسرحية يقدمها مواهب واعدة جميعهم أهلهم المبدع خالد جلال، لامتلاك كل أدوات الممثل من تمثيل وغناء وتعبير حركى وأداء متنوع ما بين الكوميديا والتراجيديا بل أن بعضهم يمتلك مواهب أخرى كتأليف الأغانى وتلحينها وتصميم الاستعراضات، أما على مستوى الصورة فبدون فذلكة أو مبالغة استطاع خالد جلال بأقل التكاليف أن يصنع صورة من خلال لوحاته بأقل الإمكانيات معتمدا على الإضاءة والملابس والإكسسوار البسيط المعبر الموحى، الذى ينقلنا من مكان لآخر لتجد نفسك داخل شقة فى أحد المشاهد ثم أمام مدخل شركة أو بنك ثم تجلس فى عربة قطار ثم فى شارع أو فى ميدان ثم تجد نفسك فى المستقبل، وهذه عبقرية المخرج الذى يستطيع بأقل إمكانيات أن يصنع المتعة فى الرؤية ويحقق فرجة بعناصر بسيطة جدا وهذا درس فى الإنتاج لصناع المسرح ومنتجيه، لأن المسرحية بأقل التكاليف حققت نجاحا مدويا وكانت الأفضل عام 2017 فى كل الاستفتاءات المسرحية.
"سلم نفسك" يمنح مشاهديه حالة من البهجة وتطهير النفس من كل سلبيات مجتمعنا فمن يجحد بوالديه ربما بعد مشاهدة العرض يصلح من نفسه ومن يفكر فى العنف أو الافكار الهدامة ربما يتراجع عن فكره فكل إنسان بعد هذا العرض يعيد حساباته مع نفسه ومع الآخرين ممن هم حوله ومن المؤكد أن ذلك الهدف هو رسالة الفن وفلسفته فهكذا يكون الفن القيمة والهدف والرسالة.
"سلم نفسك" هى أفضل مسرحية قدمت فى عام 2017 وتستحق لقب الأفضل وعن جدارة وبشهادة كل من يشاهدها فالعرض يحمل كل عناصر النجاح والتكامل الفنى من مضمون جيد وحوار مفعم بالحيوية وكوميديا راقية، وإخراج ذكى يتسم بالحركة السلسة والإيقاع السريع، أما عن أداء الممثلين فنحن أمام مواهب تمتلك كل أدوات الفنان، استطاع خالد جلال أن يؤهلها لتنتشر فى الوسط الفنى مثلما فعل ويفعل من قبل فى كل أعماله .
قبل النهاية لابد أن أوجه التحية لمجموعة المواهب الصاعدة النجوم الجدد من الدفعة الثالثة بمركز الإبداع الفنى الفنانين أبطال العرض الذين كرمهم اليوم السابع: أمجد الحجار المبدع الموهوب وأحمد الشاذلى المتجدد دائما ونديم هشام الفنان الشامل ومنصور أمين صاحب الأداء المحكم ومحمد مدكور الكوميديان خفيف الظل ومحمد أمين صاحب الكاركاتارات المتعددة ومتعدد المواهب ومحمد غيث الفنان الشامل وأحمد زكريا صاحب التنوع فى الأداء والمقنع دائما وعادل الحسينى خليفة زكى رستم فى الأداء المنضبط وشريف عبد المنعم الفنان الشامل والمفاجأة كممثل بجانب صوته الرائع وأحمد كيكا الاكتشاف بالنسبة لى والموهوب الفطرى ومختار الجوهرى الكوميديان المحبوب وحمدى التايه صاحب الأداء المركب والتمثيل الداخلى وأحمد دوجلاس المتعدد المواهب وأكثر من يضحكنى بإفيهاته غير المتوقعة وكامبا، الذى يذكرنى بالراحل علاء ولى الدين فى خفة دمه وفى أدائه البسيط وعبد العزيز حسين الموهوب جدا والكوميديان المبهج وكريم شهدى صاحب الأداء المتنوع.