الرقص لغة يفهمها من تتسم أرواحهم بالحرية والانطلاق والحيوية والجرأة، من رحم ثورة 25 يناير التى نادت بالحرية، ظهر ستوديو "ليلة رقص معاصر" ثانى مركز من نوعه فى مصر بمنطقة شعبية "فيصل" بقلب القاهرة، أسسها الراقص حاليا والمهندس المعمارى سابقا عزت إسماعيل.
ولـ "عزت" حكاية طريفة بدأها بقوله "الرقص لغة وجسدى القلم"، تخرج فى قسم الهندسة المعمارية، بجامعة القاهرة، عام 2009، وعمل راقصا للرقص المعاصر، منذ عام 2003، مع فرقة للهواة بمسرح كلية الزراعة بجامعة القاهرة، انضم لهم بالصدفة، وبحسب تصريحاته لـ"عين" "شعرت أنى وجدت ما أحبه، وأديت معهم 3 عروض بعام ونصف".
وتأتى بداية عزت الفنية حينما انضم إلى مسرح كلية الهندسة جامعة القاهرة عام 2005، بعد فترة شعر أنه بحاجة إلى دراسة الرقص بشكل أكثر عمقا وأكاديمية؛ لكن معظم الورش باهظة الثمن وبلا فائدة، إلى أن التحق ببرنامج "ورشة رقص معاصر" باستوديو عماد الدين بالقاهرة عام 2008، بدعم من الاتحاد الأوروبى وبالتعاون بين مصر وفرنسا لمدة 3 أعوام.
عقب تخرجه عام 2011 شاركت بفاعلية "ليلة رقص معاصر" استمرت 4 أعوام وانتهت عام 2014، كان الهدف هو نشر الفن المعاصر وأن يكون اسمه يجرى على الألسنة بين العامة حتى لو لم يشاهدهم أحد أو سخروا منهم.
ويرى "عزت" أن الرقص لغة وأداة تعبير مثل التمثيل والرسم، أما عن الرقص المعاصر فهو بحسب قوله هو فنون الأداء الحية؛ اخترته لأنى أحببته ووجدت أنه أعم وأشمل ومنه أستطيع تنفيذ أى نوع من الرقص والحركات، يستخدم كامل الجسد كأداة للتعبير مثل "القلم" ومكننى من فهم جسدى وامكانياته واستخدامه لآفاق أبعد، تغيرت نفسيا واجتماعيا وجعل لى هدف، عروضه مجردة فهى قد تكون تجسيدا لقصيدة نثرية أو مسرحية أو فكرة اجتماعية مثل التحرش أو العلاقات بين الناس أو الثورة وتتراوح مدة العرض بين القصيرة (5 دقائق) والطويل (ساعة ونصف).
الرقص المعاصر يناسب كافة الأعمار ولا يشترط سن محدد؛ لكنه يتطلب نظام غذائى وتمرينات يومية للمحافظة على الجسد، هو أسلوب تفكير وتعامل مع الجسد فمن يصل إلى فهم أعمق لجسده يستطيع ترجمة إحساسه بحركات تعبيرية، مفيد للأطفال يجعلهم أكثر وعيا وإدراكا بجسدهم وبالمساحة الخاصة لهم وللآخرين المحيطين بهم ويفتح خلايا المخ وينميها ويجعلهم متفهمين لشخصيتهم وكيانهم ويعزز ثقتهم بأنفسهم ولا يخافون الدخول فى تجارب مختلفة.
فاعليات الرقص لم تقف على حدود التدريبات بل كانت تفاعلية بحسب "عزت" مؤسسة مدرسة "ليلة رقص معاصر" قال إنه شارك بتنظيم فاعليات للراقصين ومستخدمين فنون الرقص لمساعدتهم فى الوصول لأكبر عدد من الجمهور ودعم إمكانياتهم وجودة فنهم، تناقشنا حول مشكلاتنا والاحتياجات والمخاطر التى يمر بها الراقص وأنتجنا مانفيستو "كتيب صغير" عام 2014 يضم شرح كامل لوضع الراقصين والحلول وصورة للعقد الواجب على الراقص معرفة بنوده قبل توقيعه.
عزت، المهندس الراقص- والذى يحلم بتكوين نقابة لهم قال إن الرقص وظيفة مثل الطب؛ بها مخاطر من التعرض للإصابة أثناء العمل مع اختلاف أن الطبيب له نقابة تحميه والراقص لا؛ رغم أن الرقص مهنة خطيرة فالراقص يستخدم جسده وهم أقل فئة يعتبر لها أحد فى العروض أو الأفلام من ناحية الأجر أو الاهتمام أو دعمهم لتطوير عملهم أو التأمين عليهم، مضيفا "أحلم بتأسيس نقابة للراقصين فى مصر، لا يوجد تنظيم لهم سوى بند صغير متفرع من شعبة المسرح بنقابة المهن التمثيلية يضم راقصين الباليه شرط تخرجهم من معهد الباليه".
وعن دراسته للهندسة وسر التحول والعلاقة بين الهندسة والرقص قال إن الهندسة أفادته كثيرا علميا وعمليا فى حساب الزوايا والعزم والإجهاد والضغط للعضلات والأطراف، ومعرفة عمل الوظائف الحيوية داخل الجسم الناجم عن كل حركة وتوزيعها على المفاصل، الهندسة كانت سببا لفهمى الرقص والرقص كان سببا لفهمى الهندسة. الرقص هو ميكانيكا فالجسم عبارة عن جهاز يتحرك، إذا فهم الإنسان الميكانيكا الخاصة به سيسهل عليه التعامل معه واستخدامه.
لا يزال مجتمعنا ينظر للرقص باعتباره أمر مشين وتواجه الفتيات الراقصات انتقادات حادة به كذلك بالشاب، إلا أن عزت كان له رأى آخر فهو يرى أنه لا يوجد فرق بين الراقص والراقصة كلاهما يمتلك جسدا يؤدى به رسالة. فى البداية اعترض والدايه خاصة أنه كان يعمل فى شركة مرموقة عقب التخرج، لكن تركها من أجل الرقص؛ أخبرهم أن أمامه طريقين إما أن يكون إنسانا عاديا نمطيا بلا طموح أو أن يسير خلف طموحه ويحققها.
ولم يكن الأمر سهلا فكان يواجه سخرية وانتقاد من الجيران والأصدقاء، وبالمقابل كان يعرض عليهم مشاهدة أحد العروض أو تجربته قبل أن يصدرون حكمهم أو يحكمون بصورة خارجية إن كان عيبا أو حراما؛ البعض يقول أن الرقص يسمح للولد والبنت بالتلامس؛ فأجيبهم أن الطبيب أيضا يلمس المريضة؛ الفارق أن الناس تعرف طبيعة عمل الطبيب لكن لا يعرفون طبيعة عمل الراقص.
أنشأ عزت ستوديو "ليلة رقص معاصر" عام 2011، فى منطقة "فيصل" الشعبية، معللا ذلك أنه حتى أُحدث صدام داخل فئة لديها نهمْ لمعرفة "الرقص المعاصر". أثناء ثورة يونيو 2013، قيدنا حظر التجول الذى فرضته الحكومة فى أغسطس، وتشاورنا حول إلغاء العرض الذى كان مقررا فى أكتوبر من نفس العام؛ لكن صممنا على إتمامه بعدما لمسنا حماس الجمهور لإكماله ومشاركتنا له فى الأحداث الجارية، لم نتجاهل الثورة والأحداث التى حدثت بها فدعمناها بعروضنا، لكن لم نتحدث عنها كمحور أساسى فى العروض.
على مدار 4 أعوام (2011:2014) شاركت "ليلة رقص معاصر" بعروض فى الشارع مفتوحة للجمهور بوسط القاهرة وبالإسكندرية والتى لم تخلُ من الملاحقات الأمنية. انتقلوا بالعروض خارج مصر فى مهرجانات أقيمت بفرنسا والنمسا وسوريا ولبنان وبريطانيا وجنوب إفريقيا وأمريكا.
ويرى أن مصر لا تزال متأخرة عن باقى الدول فى الرقص، الرقص الشعبى والبلدى كان مكتسحا جميع ألوان الرقص، ثم حدثت فجوة زمنية فى الثمانينات والتسعينات وحتى عام 2010 لم تشهد أى تطور للرقص، ثم ظهرت فى الآونة الأخيرة مناهج كثيرة دفقها مناخ الحرية عقب الثورة مثل الرقص المعاصر.
كما يرى أن المهرجانات والرقص البلدى والشعبى بصمة مصرية بحته ولا أجدها انحدارا، تعتمد على التوظيف إما جيد أو مبتذل، وظّفنا فى أحد عروضنا "يا سِمْ" دور راقصة بلدى لم تكن مبتذلة ووصلت الفكرة التى كنا نطرحها عن التحرش. ولدينا عرض باسم "بالبلدي" هو عرض حى يتحدث عن القاهرة من منظور التغيرات الحادثة فى القاهرة من الزحام واختلاف الطباع التى أثرت فى جسدنا فأكسبتنا طباعا جديدة فريدة مثل وعينا بحساب المساحة والزمن بسبب الزحام وعلاقاتنا الاجتماعية أصبحت أكثر تداخلا وتدخلا فجعلتنا مجتمعا قويا وجعل المرأة المصرية أكثر قوة رغم ما تعانيه من إحباط.
وأكمل "بدأنا العرض عام 2013 استخدمنا فيه مختلف الألوان الموجودة فى المجتمع حتى نقترب أكثر منه فنصل إليه بسرعة، استخدمنا الرقص البلدى ومزيكا ورقص المهرجانات والإيماءات مثل "استنى، روح، من عنيا، تعالا.." والردح واللطم الموجودة فى ثقافتنا كمصريين لنخلق الطابع المصرى الخاص بنا فى هذا اللون وليقترب الجمهور أكثر من العروض. شاركنا به بمهرجان "ديكاف" على مسرح الفلكى فى أبريل بالقاهرة، ومهرجان "ليفربول أراب أرتس فيستيفال" فى يوليو العام الماضى بريطانيا.