استطاعت السينما المصرية على مدار أكثر من نصف قرن أن تؤثر في عقلية المجتمع والمشاهد لها، وتأثرت وأثرت بالدراما والواقع وحاكت منه مواصفات وأفكار على رأسها الأسرة المصرية وبالأخص صورة البطل والشاب الذي يظهر في صورة باتت تغير كل عقد وترسي لها السينما شكلا مثاليا ينبغي أن يكونه البطل المحبوب.
في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي كانت صورة البطل خير من يجسدها فريد شوقي هو ذلك الشخص المثالي محب الخير والذي ينتصر على الشر والمنزه على الأخطاء ويهزم الأشرار ولا يستجيب لمحاولات الإنحراف مهما كانت المغريات وكان محبا حنونا عاشقا وخير من مثلت هذه الأدوار أمامه كانت زوجته هدى سلطان.
كانت أقرب هذه النماذج من الفنانين يجسدها يحيى شاهين وأنور وجدي وكمال الشناوي وأحمد مظهر وعماد حمدي ثم شكري سرحان وعمر الشريف وحسن يوسف، إلى جانب فريد شوقي ومحمود المليجي كنموذجين بارزين للبطل ونقيض البطل في الدراما المصرية.
كان البطل في اغلب تلك الأفلام سليل أسرة عريقة ببذلة أنيقة ونظرة ساحرة يتحرك في وسط باذخ وحتى إن وجد البطل في بيئة فقيرة فلا بد في النهاية ان يرث ثروة ضخمة أو أن يكون ثروة ضخمة لتدخل به الى الوسط الذي يتعاطف معه الفيلم المصري مثل أفلام (سفير جهنم.1945، قمر 14- 1950).
نسجت هذه النوعية من الأفلام صورة البطل في جمع المال والقفز الى الطبقات الأعلى وفي غالب تلك الأفلام كان البطل يحصل على مبتغاه بطريقة شريفة كأن يكتشف تلاعب يقوم به شخص في الشركة التي يمتلكها والد الحبيبة أو ان ينتشل بطل من وسط مترف حبيبته الفقيرة التي تبرهن عن أخلاصها للطبقة الاجتماعية التي ينتمي أليها الحبيب في غالب الأحيان و النمط الآخر هو نمط الشخص العصامي الذي يتسلق سلم الثروة بجد و دأب ولكن بعد أن يكون قد اصطدم بحاجز "عاطفي".
في الستينات راجت أفلام البطل المغني بعد انتشار عدد من الأصوات منها عبد الحليم ومحمد رشدي ومحمد فوزي وغيرهم، هذه الأفلام بمجملها لا تعكس صورة بطل حقيقة لأنها مصنوعة لتمرير مجموعة من الأغاني والألحان والقالب الدرامي إلا أنها رسخت لدى المشاهد أن الدنجوان والبطل هو من يتردد على بيت حبيبته ليلا ليغني لها أغنية رومانسية أو يجلب الحي بأكمله للرقص أسفل منزلها ليصالحها.
وكان أبرز من جسد صورة البطل الدنجوان في هذه الفترة هم رشدي أباظة والذي كان يظهر أنه رغم علاقاته المتعددة إلا ان الفتيات تعجبن به مثل فيلم الزوجة رقم 13 ورغم إدمان فؤاد المهندس للنساء و"اللغبطة" التي يتعرض لها في مواعيد حبيباته في "مطاردة غرامية" إلا أن حبيبته شويكار تتغاضى عن كل ذلك.
أما في سبعينات وثمانينات القرن الماضي أصبحت صورة البطل هو ضابط الشرطة أو المخابرات الذي يواجه عالم الجاسوسية والمخدرات والذي يتسم بالدهاء والذكاء وتربع ممثلين أمثال "نور الشريف ومحمود ياسين وحسين فهمي".
وفي منتصف الثمانينات تربع عادل إمام ومحمود عبدالعزيز كأبطال نمطيين في السينما يلتصقون بالفتيات ويتحرشون بالنسوة في مزيج كوميدي يجعل الجمهور يتقبل هذه المواقف مثل "بخيت وعديلة"و"رسالة الى الوالي".
مع نهاية التسعينات وبداية الألفية الثالثة أصبحت السينما استهلاكية تهتم بالنصب ودجل أكثر فطفا على السطح بطلا لعوبا "يلعب بالبيضة و الحجر" يثير الضحك ويحبس الأنفاس "حبيب وروش" صغير السن قليل التعليم يشبه من حيث الشكل الخارجي جميع رواد السينما في هذه الأيام ويسخر من النساء مثل (جاءنا البيان التالي و اللمبي).
ووصلت صورة البطل إلى البدايات مثلما كانت في منتصف الخمسينات والستينات مثلما جسدها رشدي أباظة وحسن يوسف ذلك الحبيب الذي يصاحب العديد من الفتيات ولا يختار واحدة منهم بل يختار حبيبة فقيرة لم تقابل رجلا في حياتها مثل تامر حسني في "عمر وسلمى" وأحمد عز في "365 يوم سعادة".