استهلت فرقة "فلسفة" المسرحية، لمؤسسها المخرج هاني مهران مؤخرا أول عروضها لمسرحية "بكرة" التي عرضت على مسرح "الفن" جلال الشرقاوي بوسط القاهرة، العرض من إعداد وإخراج مهران وتأليف محمود الطوخي وهو الكاتب الذي ألف عدد من المسرحيات منها "غيبوبة" التي يؤديها الفنان أحمد بدير على مسرح السلام بشارع قصر العيني ومن أشهر مسلسلاته "حكايات زوج معاصر" للفنان أشرف عبدالباقي.
العرض المسرحي "بكره" لم يكن عرضه هو الأول له، حيث كتبه الطوخي عام 1992 ووفقا لتصريحات قديمة له قال فيها إنه كتبها أثناء زيارته إلى طوكيو وكان يحلم ببلد أفضل إلا أن حال البلد لم يتغير بعد 25 عاما لذا تجددت أحداث المسرحية، العرض الأول للمسرحية كان بطولة كمال أبو رية، وألفت إمام، وعلي عزب، ووائل أبو السعود، كما أدته فرقة بورسعيدية إقليمية العام الماضي، كذلك قدمته فرقة نادي المسرح والسينما بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ديسمبر من العام الماضي.
العرض يحكي واقع ومشكلات يعيشها المجتمع المصري وأفراده وأطيافه وانعدام الضمير عبر مشاهد مسرحية داخل العرض المسرحي يؤديها ممثلون يتناوبون تغيير أدوارهم.
المسرحية بدأت متأخرة عن موعدها الذي حددته الفرقة بـ20 دقيقة، ظهر في بداية العرض شخصان على المسرح يشرحان للجمهور أن التأخير مقصودا لكونه عادة الشعب المصري لذا لم يكن من الضروري أن يبدأ العرض بموعده، الأمر الذي لم يجعل استدراك الجمهور المتفرج جيدا، فلم تنجح النكتة في سحب ضحكات الجمهور بل استيائهم لعدم احترام وجدية المؤلف والمخرج معا للجمهور.
أكمل الفنانان اللذان ظهرا في بداية العرض مواصلة الأداء الواقعي المسرحي، مخاطبين بطريقة مباشرة رسائل العرض للجمهور، الطريقة التي لم تعد منتهجة منذ مسارح السبعينات في مخاطبة جمهور قليل الثقافة أثناء العروض الصيفية بعد وجبة دسمة من النكات تليها مباشرة رسالة هادفة تصاغ بشكل مباشر، الأمر الذي لا يزال بعض النقاد يرونه استخفافا بعقلية الجمهور الذي جاء ليتفرج على رسالة مطبوخة داخل محتوى مسرحي تمثيلي بشكل غير مباشر ويكون أقرب للواقعية.
تجهيزات مسرح جلال الشرقاوي كانت متوافقة تماما مع الأداء التمثيلي الضعيف لبعض الفنانين الشباب والمتوسط للبعض الآخر، أبطال العرض المسرحي "بُكره" أو "بَكَرهْ" أو "بِ كُره" كما بدأ العرض في أول مشاهده من اختطاف انتباه المشاهد لتخمين الاسم الصحيح للعرض، ورغم الأداء الضعيف والمفتعل لغالبية المؤديين، إلا أن تجهيزات المسرح لم تسعف بعضهم بسبب عطب في الميكروفونات ونظام الصوت والإضاءة غير المتناسقة مع الأحداث والمشاهد داخل المسرحية.
السينوجرافيا وتوظيف الصورة لم تكن متوافقة مع الرسائل التي أراد كل من المخرج والمؤلف توظيفها لخدمة العرض، ففي ثاني مشاهد العرض، يقوم أستاذ جامعي بابتزاز الطلاب من أجل شراء كتبه ليتمكنوا من النجاح، إلا أن الطلاب يجلسون أمام المتفرج بشكل جانبي وبعضهم يدير ظهره للجمهور وكأن على الجمهور تخمين انفعالاته، وتبين مقصد كل منهم أثناء إلقاء جملته، ورغم ركاكة المشهد إلا أن ذكاء أحمد صلاح ومحمد إبراهيم، مكنهما من قيادة المشهد بطريقة بارعة ليخرج بأقل الخسائر الممكنة وحتى لا يتوه الجمهور عن هدف المشهد، وكما أكدنا سابقا أن تجهيزات مسرح جلال الشرقاوي ضعيفة وهو ما جعل الديكور لا يتغير طوال العرض المسرحي كما لم يتخلل العرض عروض راقصة كتلك في العروض السابقة التي أدت نفس المسرحية.
يتحدث أحد المشاهد عن زوج وزوجة بلا مسكن يضطران لتمثيل أنهما مريضان ليتمكنان من المبيت بمستشفى عام، إلا أن الممرضة ذات الأداء المفتعل في "الشرشحة" تقابل طلبهما بالرفض ثم ما يلبث الطبيب المناوب الذي كان نائما تاركا مهمته، أن يرفض هو الآخر ثم يقدم استقالته ليعمل ميكانيكيا، محاكاة ساخرة من واقع الأطباء ويكاد يكون المشهد منطقيا متطابقا مع الواقع وبأداء يعتبر جيد للطبيب مقارنة بأداء الممرضة.
لم يتم توظيف الموسيقى جيدا في مكانها الصحيح، ودلل على ذلك أحد المشاهد التي تتصارح فيه صديقتان بما تتعرضان له من ضغوط من المجتمع وتحرشات ومضايقات ما تجعل على إثرها إحدى الفتيات تتخوف من نزول الشارع وباتت ملازمة بالمنزل، وبمقطوعة حزينة خرج هدف المشهد عن طوره وهو ما لم يكن في حاجة له، فالأداء والموقف والنص يكفي إلا أن دسامة المشهد جعلته "مبتزلا".
ولم يكن ختام العرض المسرحي "بكره" بأفضل حالا من بدايته، رغم الإفيهات المكررة والمعادة والمصاغة من أفلام ومسلسلات معروفة، فالمشهد الأخير كان ضعيفا للغاية، وهو لشابين يتحاكيان عن واقع الفنانين والشباب وأن الشباب لم يكونوا سببا لخراب البلد ولم يكونوا سببا في التفجيرات ولا الإرهاب ولا تعويم الجنيه وارتفاع الأسعار وغيره، ثم اختفى البطلان ليعودا وقد تعرضا "لعلقة ضرب" ويتراجعان عن حديثهما محاولين انتزاع ضحكات الجمهور عبر "العلقة" المزيفة ورسالة أخرى مباشرة عن هدف العرض.