محمد الدسوقى رشدى يكتب: رسالة ميسى ورونالدو وصلاح من روسيا إلى عواصم السياسة

ميسى ورونالدو وصلاح ميسى ورونالدو وصلاح
 
لم يكن أحد يتخيل لا هؤلاء الذين يجلسون أمام الشاشات، ولا أولئك الذين ملأوا المدرجات، ولا حتى لاعبى منتخب ألمانيا الذين يحملون لقب بطولة كأس العالم أن الأرض الخضراء لملعب «كازان أرينا» سيتحول عشبها الرطب إلى أشواك وهم يتلقون هزيمة عنيفة من المنتخب الكورى الجنوبى. 
 
 
 الألمان لم يجدوا فى شاشة الاستاد الكبيرة بعد نهاية المباراة سوى رقم، هزيمتهم بهدفين مقابل لا شىء على يد فريق أقل من العادى أخرجهم مبكرا من مونديال روسيا، العالم تأسره الصدمة، والألمان يتملكهم الخجل، مثلهم مثل الأرجنتين، مثل البرتغال، مثل إسبانيا، الكبار رحلوا مبكرا على يد فرق أخرى لا تملك نصف إمكانياتهم ولا تاريخهم الكروى، والأهم لا تملك النجم الأكبر مثل ميسى ورونالدو وكوستا ونوير وكروس. 
 
قطار الزمن رحل تاركًا ألمانيا والأرجنتين والبرتغال فى محطة الوهم بأن للعالم سوبر مان جاهز لإنقاذه حينما يهجم الفضائيون، ومع الهدف الرابع لفرنسا فى مرمى الأرجنتين والثانى لأوروجواى فى مرمى البرتغال والثانى لكوريا فى مرمى ألمانيا كان واضحًا للجميع أن من يعتمد على البطل الفرد سوبر مان، لا نجح ميسى بمفرده ولا فلح رونالدو فى تغيير الواقع ولا الأخطبوط نوير حفظ ماء وجه ألمانيا، القاعدة تقول حينما تختفى الـ«نحن» وتحل مكانها الـ«أنا» لا تحصد سوى العجز والهزيمة.
أهل السياسة يحبون كرة القدم، تجدهم حاضرون فى كل المناسبات الكروية المهمة، كثيرون منهم حضروا مباريات كأس العالم الذى تحتضنه روسيا الآن، وجلسوا فى المقصورة الرئيسية، مثلما يفعلون دوما فى كل كأس العالم، بعضهم يظهر فى المقصورة الرياضية بوقاره المعروف وبعضهم يتحول إلى مشجع يتنفض مع كل هجمة لبلده أو يغضب مع كل هدف يسكن مرمى فريقه. 
 
ألف طريق وطريق يأخذ صناع القرار السياسى والاقتصادى وأى منظومة عمل فى العالم، إلى حيث مشهد خروج ألمانيا والبرتغال والأرجنتين وإسبانيا، المشهد الذى أعلن بوضوح أن الطرق مفتوحة أمام المنظومة المتكاملة والمحترفة التى تفكر وتعمل بشكل جماعى لا تلك التى تعتمد على الفردية أو تأمل فى شخص واحد فقط.
 
البعض يعود من طريق الاستمتاع بما دار فوق أرض الملعب وكفى، والبعض يعود من طريق استخلاص الدرس المستفاد، واستيعابه والانطلاق فى التفكير والتخطيط من النقطة التى انتهت إليها نتائج مباريات الدور الثانى لمونديال روسيا، كثيرون عادوا من نفس الطريق الذى سلكه معلقو المباريات وجمهور الدرجة الثالثة والمحللون فى الاستوديوهات المصرية الذين لم يروا فى كأس العالم سوى تحطيم أرقام قياسية، وقليلون عادوا من طرق أخرى سلكها المراقبون والمحللون الأوروبيون الذين أعلنوا أن مونديال 2018 شهادة وفاة رسمية لفكرة البطل الأوحد، النجم المنقذ، وإعلان ميلاد ورد اعتبار لقيمة العمل الجماعى والتخطيط؟!!
 
 فضيحة الخروج الألمانى وصدمة سقوط رونالدو وميسى فى فخ العجز عن فعل أى شىء وتغيير مشهد النهاية، ومن قبلهم محمد صلاح مع منتخب مصر، نسفت فكرة النجم الأوحد لصالح العمل الجماعى، لم يعد هناك بطل خارق يمكنه الدفاع والهجوم وإحراز الأهداف، وجاهز لكى يحمل فوق كتفيه آمال زملائه وأحلام جماهيره وأمنيات وطن بأكمله؟!!
 
 فى هذا المونديال، أدرك أهل كرة القدم ما يجب أن يدركه أهل العمل العام ومنظومات العمل المختلفة فى مؤسسات الدول، لا يوجد فريق يمكنه الاعتماد على لاعب واحد طوال الوقت، كرة القدم لعبة جماعية تحكمها عناصر متعددة، مثل إمكانيات اللاعبين، وقدراتهم ومهاراتهم، وإدارة الدول والمؤسسات عمل جماعى تحكمه عناصر عديدة.
 
 فى مونديال روسيا ومن بعده فى عالم كرة القدم أدرك الجميع أن ميسى قادر على تحقيق المكسب وانتزاع الآهات، ولكن الأرجنتين نفسها غير قادرة على المكسب إن غاب التوفيق أو عجز ميسى عن فعل شىء، وبالمثل رونالدو وصلاح كلاهما مع ريال مدريد وليفربول قادران على إحراز أهداف بلا توقف، لأن كل لاعب فيهم يمثل ترسا فى ماكينة منضبطة إداريا واحترافيا وتدريبيا، كل ترس فيها يساعد الآخر على أداء مهمته.
 
وفى ساحات السياسة والاقتصاد والدين والعمل المؤسسى توجد شخصيات تمتلك الكاريزما والقدرة على التفكير السليم وتمتلك القوة والمهارة، ولكنها لا تفلح أبدًا فى حمل هموم دولة على كتفيها منفردة دون مساعدة جماعية من شتى الأطراف السياسية المختلفة.. «وأمرهم شورى بينهم»، هكذا تستخلصها من المعانى القرآنية، و«إيد لوحدها متصقفش» هكذا تستخلصها من الأمثال الشعبية!!
 
من تجربة كريستيانو رونالدو، مع البرتغال وميسى مع الأرجنتين، وصلاح مع مصر ومن تجربة كرواتيا وبلجيكا والمكسيك وفرنسا مع اللعب الجماعى، وتحرك الفريق كوحدة واحدة، أدرك أهل كرة القدم أن لفكرة النجم الأوحد إيجابيات تخص قدرته على المناورة، ووضع الخصوم فى مأزق خططى وتكتيكى والقدرة على المبادرة وحسم بعض المباريات بأهداف صعبة، ألا ترى فى ذلك تشابهًا مع تجارب الحكم الفردية التى منحت بعض البلاد تقدمًا أوليًا ملحوظًا مثل عبدالناصر فى مصر، وتشافيز فى فنزويلا وتيتو فى يوغسلافيا، ولكن نفس البلاد توقفت عن الحركة تمامًا حينما توقفت قلوب زعمائها عن النبض، مثل أغلب شركات البيزنس العائلى فى السوق المصرى التى تقوم على الأب مؤسس ثم تنهار بوفاته.

اضف تعليق
لا توجد تعليقات على الخبر