عندما تمر على مقابر تُردد فى سرك "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون"، والهدف من هذا القول وهذه الزيارة هى أخذ العبرة والعظة وتذكر الدار الآخر، لذا سيكون غريبًا بعض الشىء عندما تفتح هاتفك وتتابع مواقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" لتجد إعلانات لمقابر تعدد مزاياها دون غيرها فى محاولة لاجتذاب الزبائن.
عبر متابعة صفحات بيع المقابر على "فيس بوك"، ستجد العديد من الملاحظات اللافتة للنظر، أبرزها محاولة كل صفحة تعديد مزايا المدافن المتواجدة بحوزتها سواء على صعيد السعر أو طريقة السداد سواء كاش أو تقسيط، فيما يعدد البعض مزايا التشطيبات المتواجدة، وفى الوقت ذاته توجد خطوة يقدم عليها أغلب مسوقى المدافن عبر السوشيال ميديا، وهى الخروج عبر فيديوهات "لايف" من أجل بث عملية التسليم والتسلم وفى الغالب يظهر أفراد الأسرة التى اشترت المقبرة للحديث عن المصداقية فى عملية البيع والشراء ونصح الغير فى اتباع نفس طريقهم فى التعامل مع هؤلاء التربية دون غيرهم.
مدافن 1
ومن الملاحظات على فيديوهات نشر الثقة بين عملاء شراء المقابر أنها فى بعض الأحيان تظهر فيه أسر وأحيانًا أطفال أصغر، بينما الفيديو الأغرب كان لشخص "يشرب" شيشة قبل حديثه عن شراء مقبرة جديدة ويمسك العقد فى يديه، ثم يقول :"أنه من يريد مدفن يذهب إلى الحاج الفلانى.. وسيجد أنضف مدفن، ونحن سعداء بالتعامل معه".
بالنسبة لطريقة عرض المقابر للبيع على صفحات "فيس بوك" بشكل عام فإنها تتم عبر نشر صور توضح المزايا وبجانبها تُكتب المزايا على سبيل المثال : "توافر مقابر لديها مساحتها 2.5 متر تحت الأرض بالحجر نحت يدوى، إضافة إلى أن تشطيبها بلاط سيراميك واستراحة ومظلة خرسانية والسور بالطوب الوردى مبطن بالحجر الهاشمى وحجر الطلاسنة وأعمدة نحت يدوى، أمّا على الواجهة بوابة وشباك مصنوعين من الحديد".
مدافن 2
وعلى صعيد الأسعار المنتشر عبر السوشيال ميديا، فإنها تختلف بحسب المساحة والمكان والتشطيبات المتواجدة بالمقبرة، فإنها تتراوح من 30 إلى 130 ألف جنيه، وذلك فى نطاق القاهرة الكبرى ويمكن أن يزيد المبلغ من 5 إلى 10 آلاف جنيه فى حالة الدفع بالتقسيط.
أمّا عن مواصفات المقابر فإنها يتم تميزها على حسب عدد العيون وعلى سطح الأرض أو تحتها، وكذلك نوع الطوب الذى تم التشطيب به، ووجود صالة أو استراحة وتوافر مظلة خرسانية وأيضًا وجود عضامة أم لا.
وأحيانًا تقوم صفحات بتوضيح المزايا المتوافرة لديها خصوصا بعض المصطلحات الغريبة مثل "العظامة أو المعظمة"، وهى عبارة عن غرفة صغيرة "جيب" يتم وضع فيه بقايا الرفات عندما يصبح المدفن ممتلئ عقب عملية التحلل، وتكمن فائدتها فى إعادة تجديد غرف الدفن بتفريغها من العظام ووضعها بها، وتعتبر هذه الميزة مستحدثة، خاصة أن التربى كان فى الماضى يقوم بجمع الرفات ودفنها فى إحدى زوايا الغرفة.
مدافن 3
وأيضًا تكشف بعض الصفحات عن مزايا توفرها لعملائها دون غيرهم مثلا الإعلان عن الاستراحة الخارجية الـ 21 مترا، وأبواب حديدية للغرف بديل عن الطوارق "قواطع حجرية"، وذلك فى محاولة لجذب الزبائن إليها وعدم التوجه إلى أماكن أخرى.
كل ما سبق يوضح أن التعامل مع "المقابر" أصبح عبارة تجارة يتم تسويقها بكل السبل الممكنة عبر السوشيال ميديا من أجل اجتذاب الزبائن إلى مكان دون غيره، وهنا تطرح أسئلة نفسها من نوعية هل يصح أن تتم الأمور فى بيع المدافن على هذا النحو خصوصا أنها رمز للدار الآخر ويفترض توافر الوقار فى عملية بيعها وشراءها أم أن الإنترنت والسوشيال ميديا هى وسائل العصر ويمكن لأى شخص استغلالها بالطريقة التى يحبها طالما أنه لا يخالف القانون؟.
مدافن 4
وفى مسألة تسويق المقابر على السوشيال ميديا، يقول الدكتور محمد شحات الجندى عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ الشريعة، :"تسويق المقابر بهذه الطريقة مسألة معيبة والسبب لأنها دار الآخر ولها من الهيبة والوقار ولا ينبغى أن يكون الحديث عنها بشكل مبتذل أو يتم إدخالها فى إطار المزايدات مما يخل بالقدسية الواجبة لها".
ويضيف أستاذ الشريعة الإسلامية: هناك حديث للرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا فإنها تذكر الآخرة"، ومعناها أن ذكر المقابر يكون للعظة والاعتبار، ومن هنا يمكن القول أن التسابق عبر وسائل التواصل الاجتماعى للإعلان عن المقابر لا يصح، ويجعل منها سلعة متنامية كل شخص يحاول الحصول على من يشتريها، وهذا مؤشر على طغيان المادة"، مضيفًا :"أدعو من يفعل هذا الأمر لأن يكفوا ويعطوا للموضوع قيمته ويجعلوا الأمور مثلما كانت، ولا تدخل لساحة الابتذال المتواجدة على مواقع التواصل الاجتماعى".
على جانب آخر، يرى عدد من "الترابية" والعاملين فى مجال بيع المقابر، أن استخدام السوشيال ميديا فى تسويق المقابر أو بيعها أمر طبيعى فى زمن التكنولوجيا، والدليل أن الجهات الرسمية تعلن عن عمليات بيع المقابر عبر شبكة الإنترنت، وكذلك الحجز يكون من خلال الموقع الرسمى فى بعض الأوقات.
فيما أشار الترابية إلى أن قيام بعض أصحاب المقابر بعملية التسويق على الإنترنت ليس فيها مخالفة للقانون، موضحين أنه لا عيب فى الموضوع إذا تم بوقار وبعيدًا عن أى ابتذال لا مانع فيه.