"مدفع رمضااااان ..إضرررب" صيحة شهيرة.. كانت تأتينا قبل أن ينطلق صوت الشيخ محمد رفعت معلنا أذان المغرب، وحلول لحظة الإفطار.
صيحة انتظرناها بشغف ونحن أطفال صغار، واحتفظنا بها في صدارة الذاكرة ونحن كبار.. لحظة تؤرخ للشهر الكريم لا تقل أهمية عن الفانوس وشمعته، والمسحراتي وطبلته، والكنافة والقطائف وقمر الدين..
حنين لا ينقطع لتفاصيل شهر رمضان الكريم الذي نقف على بعد أيام منه، لذلك قررنا أن نتذكر معكم مدفع رمضان في السطور التالية:
مدفع رمضان
أصل الحكاية..
اختلفت المصادر على الفترة الزمنية التي بدأت فيها علاقة المدفع بالشهر الكريم، لكنها جميعا اتفقت على أن العلاقة بدأت صدفة.
فما بين عهد الوالي المملوكي "خوش قدم"، وعهد الخديوي إسماعيل، احتار المؤرخون في نسب المدفع لرمضان، لكنهم جميعا اتفقوا على أن البداية كانت في القاهرة وتحديدا فوق أسوار قلعة صلاح الدين الأيوبي.
فتقول بعض الروايات أنه في عهد المماليك تلقى الوالي"خوش قدم" الدفع كهدية من ألمانيا سنة 1465، الموافق سنة 869 هـ، وكانت عبارة عن مدفع، وقرر أن يجربه وتزامن هذا مع أول يوم في شهر رمضان في نفس العام قبل الإفطار بلحظات ففرح الناس وتصوروا أن قصر الوالي قرر أن ينبئهم بلحظة الإفطار على طريقته الخاصة، ولما عجب الأمر الشعب قرر الوالي تكرار الطلقات الشهيرة طوال الشهر الكريم ساعة في لحظة الإفطار طوال الشهر الكريم وهو التقليد الذي ظل متبعا فيما بعد.
وأطلق المصريون على المدفع في تلك الأيام اسم "الحاجة فاطمة" نسبة إلى فاطمة زوجة الوالي التي أقنعته باتباع الأمر كتقليد رسمي.
إلا أن هناك مصادر أخرى ترجع هذا التقليد لعهد الخديوي إسماعيل، حيث تقول المصادر أنه في عهد الخديوي كان الجنود يقومون بتنظيف المدافع الحربية الموجودة في القلعة، فانطلقت بالخطأ قذيفة من المدفع وقت غروب الشمس في رمضان فاعتقد الشعب أن هذا تقليدا حكوميا جديدا واستحسنوه.
وأطلق عليه المصريون اسم "الحاجة فاطمة" نسبة إلى الأميرة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل التي أعجبها الأمر وأصدرت أوامرها بأن يكون في مصر طلقتين يومياً في رمضان من المدفع الأولى وقت الإفطار والثانية لحظة الإمساك.
من الذخيرة الحية للفشنك
تجدر الإشارة إلى أن طلقات مدفع رمضان ظلت بالذخيرة الحية حتى عام 1859، إلى أن امتد العمران فأدى إلى ظهور جيل جديد من المدافع التي تعمل بالذخيرة (الفشنك).
المدفع إجازة من 25 سنة
المدفع أحيل للمعاش منذ 25 سنة، حيث قرر المسئولين تحويله إلى قطعة أثرية صامتة، حيث توقفوا عن إطلاقه سواء بالذخيرة الحية أو الفشنك نظراً للتهديدات الإرهابية التي عرفتها مصر منذ سنوات، وحل محله أرشيف صوتي يحي ذكرى ذلك الطقس القديم.