كل فترة يطل علينا واحد من هؤلاء الذين جعلوا الدين مجرد لحية وجلباب قصير، أو واحد من هؤلاء الذين لخصوا الدين كأداة لخدمة جماعته إن كان إخوان أو داعشى أو قاعدى، أو لخدمة سيده إن كان ينتظر المنحة من أردوغان، وفى إطلالتهم لا يستهدفون شرحًا ولا توضيحًا ولا دعمًا لأفكارهم، بل يبذلون الجهد لضرب علماء مصر الذين اجتهدوا لفضحهم وكشف أكاذيبهم وألاعيبهم.
واحد من أكثر العلماء تعرضًا للهجوم والتشكيك السلفى والإخوانى هو الشيخ على جمعة، يجتهد الإخوان وجموع السلفيين فى اقتطاع أحاديث الرجل من سياقها لتحميل كلماته بما ليس فيها حتى يبدو أمام الناس مفرطًا للدين وخادمًا للسياسة، وفى كل مرة ينتصر الشيخ على جمعة كونه ممثلًا لخطاب دينى يعبر عن روح المحبة والود والسماحة التى أتى بها الإسلام رسالة أولى للعالمين.
فى جولات كثيرة أنقذ الشيخ على جمعة الإسلام من تفاهة المتأسلمين، ورواد دين المظاهر والشكليات، وتدخل ذات مرة لإنقاذ آيات الله من أيدى تجار الإسلام ومواقعهم وفضائياتهم الدينية التى كانت تنتهز فرصة الفاصل أو الإعلان المدفوع على السوشيال ميديا لتداعب مشاعر المسلمين، وتطالبهم بضرورة أسلمة الهاتف المحمول بنغمة قرآنية وإنقاذ الهاتف من عذاب جهنم الذى تأتى به نغمات المطربين، مثلما فعلوا من قبل وأسلموا الاقتصاد وخربوه وأسلموا المدارس وجعلوها طريقًا لنشر التعصب والعنصرية.
تعرض على جمعة ومازال لهجوم سلفى حاد بسبب كلامه الخاص بعدم جواز وضع القرآن الكريم أو الأذان مكان رنات المحمول، لأن هذا نوع من العبث بقدسية القرآن الكريم، مشددًا على أن كلام الله أنزل للذكر والتعبد والتلاوة وليس لاستخدامه فى أمور تحط من شأن آياته المقدسة وتخرجها من إطارها الشرعى، وعظمة هذه الفتوى أنها جاءت فى وقت أصبحت فيه التجارة بالإسلام والالتزام سوقًا رائجة وواسعة، وأصبح كل من يريد أن يخبر الناس أنه مسلم ملتزم ومحترم، تكفيه نغمة قرآنية تصدر من هاتفه لينتزع بعدها صيحات الإعجاب بأدبه والتزامه فى زمن أصبحت فيه اللحية والسبحة وزبيبة الصلاة وقراءة القرآن فى الميكروباص والأتوبيسات بصوت عال أهم من الصدق والإخلاص وإتقان العمل والابتسامة فى وجه الجار.
فى زمن كل موظف مرتش وكل عامل يتفنن فى تضييع الوقت مؤمن وملتزم، طالما أنه يحمل السبحة ويتزين باللحية وزبيبة الصلاة وينطق هاتفه بآيات قرآنية أصبح أهم من أصحاب الكلمات الطيبة، الذين لا ينهرون سائلا ولا يردون محتاجا ولا يقولون للعجائز أف، ولا تعلم يسراهم ما أنفقت يمناهم.
نحتاج إلى ثورة قادرة على إنقاذ الإسلام من طوفان الشكليات الذى يسيطر عليه، من هوجة الأسلمة والافتكاسات التى تأخذ من روحه وتشوه صورته، كان ضروريًا أن تخرج تلك الفتوى بهذا الشكل لتجرم تحويل القرآن إلى أداة زينة جديدة وشهادة يثبت بها كل مدع التزامه، كان ضروريًا أن تخرج هذه الفتوى حتى لا نسمع مصطلحًا جديدًا اسمه الموبايل الإسلامى، وحتى لا يصبح كل من يرن هاتفه بشىء غير كلام الله أو حديث لرسوله فاسق حتى لو كانت رنة هاتفه شبه رنة تليفون دوار العمدة، كان ضروريًا أن تخرج تلك الفتوى الآن حتى لا نسمع أو نشاهد إعلانًا يقول اشتروا الموبايل الإسلامى.. الموبايل الإسلامى يأخذكم للجنة.
أصبح الأمر ضروريًا أكثر من ذى قبل، وقفة خالصة لله فى وجه جماعة من الناس تجتهد من أجل تحويل المسلمين إلى قوالب متشابهة، مجموعة من التجار يريدون فرض صورة واحدة للمسلم مضحكة، شكل بلا مضمون، طقوس بلا تعاليم حقيقية، ملامح بلا جوهر، كلام بلا فعل، مجرد أشكال هاتفها يرن بكلمات مقدسة ومهما يرن لا تفهم ولا تتدبر ولا تطبق.. أشكال هاتفها يقرأ من كلمات الله مهما يقرأ ولكنها لا تكف عن الكذب ولا تكف عن النميمة، أشكال هاتفها يرن بتعاليم روحانية وسماوية وعقولها وقلوبها ترقص على نغمات تعاليم أخرى دنيوية ومادية.