غدًا تبدأ جولة جديدة للفكرة الأكثر نجاحا خلال السنوات الماضية، والأكثر صمودا فى وجه محاولات التشكيك فيها أو التقليل منها، عودة جديدة لمؤتمرات الشباب الساحة التى ابتكرتها مؤسسة الرئاسة، واجتهدت فى رعايتها لتصبح ساحة الأمل والمتنفس الحقيقى للحوار المفتوح بين السلطة بكل مؤسساتها، والشباب من مختلف التيارات.
هذه المرة يبدو الأمر أكثر إثارة وعمقا وتأثيرا، لأن المؤتمر سيبدأ بمشاركة 3 آلاف شاب أغلبهم من شباب الجامعات المصرية، أسفل القبة العريقة لجامعة القاهرة، وللحدث هنا دلالته الخاصة بالزمان والمكان.
فيما يخص المكان جامعة القاهرة كانت وستظل نقطة نور مضيئة فى تاريخ هذه الأمة، ومربع الانطلاق الفكرى والحوارى وشوارعها وجدرانها شاهدة على أنبل الحركات الطلابية التى هتفت لصالح هذا الوطن ومستقبله، وفيما يخص الزمان يأتى المؤتمر فى توقيت شديد الخصوصية تعبيرًا عن أولويات الدولة المصرية ومحورها الأهم الخاص ببناء الإنسان، بالإضافة إلى تلك الحملة التى تستهدف عقول المصريين بالإحباط عبر موجة من الشائعات والمعلومات المغلوطة، وهى موجة لا تكسرها سوى حوارات الرئيس والمسؤولين المباشرة مع الشباب عبر طرح كل الأسئلة فى جلسات المؤتمر، كما اعتدنا خلال المؤتمرات الخمسة الماضية.
يبدو الأمر محسومًا وقت الحديث عن مؤتمر الشباب، محسومًا تمامًا لصالح الفكرة، ابتكارًا وإبداعًا وتنظيمًا وتأثيرًا.
سنوات طويلة مضت امتلأت ساحاتها السياسية بشعارات عن تمكين الشباب، وإشراكهم فى الحياة السياسية، قيادات الأحزاب تحدثوا عن ذلك، وشيوخ الاقتصاد والإعلام أكثروا من رفع تلك الشعارات، والأكاديميون والباحثون كتبوا عشرات الدراسات فى نفس الأمر، ولكنهم جميعًا توقفوا عند حدود الكلام، ومن صدق وعده فيهم اكتفى بحدث باهت أو ندوة محدودة التأثير، أو تجربة لتمكين الشباب داخل حزب هنا أو مؤسسة هناك، وحدها مؤسسة الرئاسة نجحت فى تطبيق ماوعد به الرئيس بخصوص فتح المجال السياسى والاجتماعى أمام الشباب من خلال نافذة عرض مبتكرة، اسمها المؤتمر الوطنى للشباب، أعادت الجميع للإيمان بأن فى قلب هذا الوطن مئات الموهوبين وآلاف الكفاءات الشابة فى السياسة والاقتصاد والفن.
بإصرار وتصميم واجه كل الانتقادات التى تعرضت لها فكرة مؤتمر الشباب، راهنت مؤسسة الرئاسة على ما تؤمن به وحصدت مكاسب الرهان كاملة، وتركت هواة الاصطياد فى الماء العكر على جانبى الطريق يتحسرون على نجاح التجربة، وفشل رهانهم وهزيمة انتقاداتهم غير المنطقية أمام الصدى الواسع الذى حققته المؤتمرات الخمسة الماضية وما أفرزته من مواهب وما أثبتته أن المنصات مفتوحة للجميع.
إصرار مؤسسة الرئاسة وتحديدًا مكتب الرئيس على المضى قدمًا فى دعم فكرة المؤتمر الوطنى للشباب، وتحويله إلى نافذة لأصحاب الآراء والفنون والمشروعات المختلفة سحق بنجاح محاولات الاستخفاف بالفكرة بداية من نغمة هناك عيوب فى تمثيل التيارات المختلفة داخل المؤتمرات، ومرورًا بأكاذيب من نوعية أن كل شىء سابق الترتيب.
ستبدو الأمور هذه المرة مختلفة ومثيرة، لأن المكان كما قلنا جامعة القاهرة والحضور أغلبهم من شباب الجامعات أصحاب الحماس والأفكار الجديدة، والهدف الذى يستهدفه اللاعبون بأجر على صفحات السوشيال ميديا وفضائيات الإخوان، قناعتى بمزيد من الحيوية فى جلسات هذا المؤتمر تستند إلى تجارب المؤتمرات السابقة التى أثبتت مجريات أمورها أن سقف الانتقادات التى يوجهها الشباب للحكومة والسلطة أعلى بكثير من صوت الأحزاب والإعلام، وأكثر صراحة وجرأة فى وجود الرئيس نفسه، وبتركيز مع أداء الرئيس نفسه داخل جلسات المؤتمر ستجده معتمدًا على مبدأ الشفافية والمصارحة بارتياح فى وجود الشباب عن وجود غيره، وبقراءة دقيقة لنتائج المؤتمر فى دوراته المختلفة ستجد أنه كان سببًا مباشرًا فى قوائم العفو عن شباب المحبوسين وتعديلات قانون التظاهر، والاهتمام بقضايا مفصلية، مثل ذوى الاحتياجات الخاصة، وملف الإعلام والأسعار، وتعديل السلوك الحكومى فى بعض المواقف.
ليس فى الأمر مبالغة إن قلنا إن مؤتمر الشباب تحول إلى أهم حدث سياسى فى مصر خلال السنوات الأخيرة، وربما لأول مرة تشهد مصر هذه الصورة التى لا تعرف أسئلة مسبقة، أو اختيارات محددة لشخوص المتحدثين فى حوار مفتوح بين السلطة بكامل هيكلها والشباب بكامل تنوعهم، وهذا يفسر لك حجم تأثير المؤتمر على معنويات الوطن بأكمله شعبًا وحكومة، فلقد تحولت أيام المؤتمر إلى مصدر للطاقة الإيجابية على الشاشات، وفى أرض الواقع، بنموذج فريد يطمئن الناس على وجود كوادر شابة تستعد لاستلام المستقبل، وتشارك فى صناعة الحاضر، ويريح الصدور التعبة وهى تشاهد حوارًا بلا حواجز وبلا سقف فى وطن أدرك أخيرًا وبعد ارتباك سنواته الماضية أن الحوار والشفافية والمصارحة طريقه نحو مستقبل أفضل.