"سيدى: لا يزال فى مصر خير، ولا يزال فيها قوم يريدون أن يجنوا ثمارا ما لم يزرعوا. أؤلئك أرجو أن يحبط الله أعمالهم، وأن يهيئ لهذا البلد الطيب الكريم، ولأهله الأوداء المسالمين العاملين، أياما من أيامه السالفه، وسعادة أبقى أمدا وأقوى دعامة".. هذه كلمة السير استيفن كيف فى مجلس العموم.
وقعت فى يدى الطبعة الثانية من كتاب مهم عنوانه "تاريخ المسألة المصرية 1875 – 1910" تأليف تيودور رتشتين، ويتقدمه تمهيد بقلم ولفرد اسكاون بلنت، وترجمه إلى العربية كل من عبد الحميد العبادى ومحمد بدران ولدينا الطبعة الثانية والتى صدرت عام 1936، عن مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، بينما كانت الطبعة الأولى قد صدرت عام 1923.
كان الكتاب فى عنوانه الأصلى egypt ruin لكن المترجمان اختارا اسما من الكتاب رأيا أنه "أخف على السمع والأقرب للمعنى" وهو "تاريخ المسألة المصرية".
وينطلق الكتاب من فكرة مفادها أن التدخل الإنجليزى، فى مصر لم يكن اختيارا، بل أرغمتها عليه الحوادث، التى لم يكن هناك سبيل لتجنبها، وسنوقف معا عند بعض أجزاء الكتاب.
فتحت عنوان "خراب مصر .. تاريخ مالى وإدارى" جاء الفصل الأول بعنوان "بداية الاعتداء" وفيه:
يبتدئ تاريخ مصر المالى من حيث علاقته المباشرة بإنجلترا، من أواخر حكم الخديو اسماعيل، واوائل الشدائد الاقتصادية الكبرى التى نزلت برعيته.
عهد النهضة المصرية، فلا نزاع فى أن مصر كانت فى عهد سعيد باشا الذى خلفه إسماعيل أكثر البلدان الشرقية رخاء، فقد كانت خبت منذ عهد طويل نيران حروب محمد على التى كان يؤخذ لها الفلاحون عنوة من ديارهم، وكانت ضريبة الأراضى خفيفة للغاية لا تكاد تبلغ ثلث الضريبة الحاضرة، وبلغت حاجات المعيشة من الرخص حدا لا يتصوره العقل حتى كانت أجرة العامل العادية اليومية، وهى قرش واحد، تقوم على سعة بحاجة أسرة قروية بأسرها، وكان العمل فى الأشغال العامة الكبرى، السكك الحديدية والقناطر الخيرية الشهيرة التى بدأت فى عهد محمد على وعباس الأول سائرا بهمة عظيمة، فحفرت ترع جديدة، وأدخلت فى مصر لأول مرة الأسلاك البرقية والآلات البخارية الرافعة، ومنح المسيو دى لسبس إجازة إنشاء قناة السويس.
مصر تستفيد من الحرب الأهلية الأمريكية.
ولما قامت الحرب الأمريكية اغتنم زراع القطن المصريون هذه الفرصة الثمينة السانحة فضاعفوا صادراته فى سنتين وباعوها بنحو ثىثة أمثال سعرها الأول.
إسماعيل يتولى.. بداية الانهيار.
فلما تولى إسماعيل عام 1863 كانت توليته إيذانا بتغيير جديد، ذلك بأن استوائه على أريكة محمد على جاء فى الوقت الذى كانت فيه فرنسا (فرنسة هوسمان وأوفنباخ و"المالية العليا" والفساد والتبذير المتغلغلين فى جميع فروع الإدارة العامة، قد بلغت تحت حكم نابليون الثالث ذروة الخضارة الأوروبية، فصادفت تلك الحال هوى فى نفس إسماعيل الذى كان بطبعه متلافا للمال محبا للظهور، فأراد من أول عهده أن يتخذ له من فرنسا نموذجا يحتذى به على مثاله، وأن يجعل من نفسه نابليونا ثالثا فى الشرق، وشرع لهذا الغرض بحمية وعزيمة ما كان أخلقهما أن توجها إلى خير من هذه الوجوه، وما هى إلا عشية أو ضحاها حتى طبقت الخافقين شهرة بلاطه وقصوره وحفلاته ومحظياته ومطابخه ومخازن ميرته وأعجب الناس جميعا بعبقريته وسخائه.
قناة السويس .. والاستدانة المميتة
الدولة العثمانية تصاب بالفزع.. بلا فائدة