جابر عصفور ونصر حامد أبو زيد وهدى وصفى فى حضرة متى المسكين ومناقشات حول الله والرمز والأناجيل والمسيح.. الأب: لست صوفيا والمسلمون أخطأوا عندما تخلوا عن الاجتهاد
مرة أخرى عاد اسم الأب متى المسكين (1919 – 2006) ليتصدر الحديث فى الأوساط وذلك بعد الأحداث الأخيرة التى جرت فى دير الأنبا مقار بوادى النطرون، حيث كان متى المسكين رئيسا لهذا الدير حتى رحيله، وعاد الحديث مرة عن مدرسته الفكرية وأفكاره، وأفضل طريقة، من وجهة نظرنا، فإن حوارا عمره 27 عاما سوف يكشف لنا الكثير.
"حين توجهنا فى صيف ١٩٩١ لعقد هذا الحوار مع الأب متى المسكين، لم نكن نظن أن الحوار سيتشعب ويمتد هذا الامتداد الأفقى والرأسى، فأفقيا حدثنا الأب عن تجربته الروحية فى خطها التطورى منذ اختار طريق الرهبنة وهجر الصيدلة سنة ١٩٤٨ حتى عزلته الحالية فى دير الأنبا مقار على الساحل الشمالى، مرورا بالصعوبات التى تعر ض لها من الكنيسة، والصعوبات التى مرت ﺑﻬا الكنيسة ذاﺗﻬا نتيجة الخلافات التى شجرت بين الأنبا شنودة والرئيس السادات.
ورأسيا ساعدنا الرجل، بكل السماحة والحب، على القيام برحلة داخل وعيه بدءا من وعيه الدينى وانتهاء بوعيه بمشكلات العالم المعاصر، وفى القلب منه مصر والعالم العربى، مرورا بآليات الشرح والتفسير وتأويل الرموز الدينية فى الكتب المقدسة" هذا جزء من المقدمة التى كتبها الدكتور الراحل نصر حامد أبو زيد لمقدمة الحوار الذى أجراه ثلاثة من كتاب المفكرين المصريين هم جابر عصفور ونصر حامد أبو زيد وهدى وصفى مع الراهب المفكر متى المسكين.
يقول نصر حامد عن هذا الحوار الذى نشر فى مجلة ألف فى العدد الثانى عشر، وهو العدد الذى خصصته اﻟﻤﺠلة عن المجاز فى العصور الوسطي، من حق الرجل علينا أن نشهد له بأنه محاور من الطراز الأول، يجيد الاستماع والإنصات بالقدر الذى يجيد به التعبير عن نفسه ﺑﻬدوء وثقة وتواضع فى الوقت نفسه. إنه تواضع العلماء وثقة الواصلين وهدوء أهل اليقين. لقد أبدى صبرا وتفهما لما قلناه نحن أهل الظاهر والجزئى والنسبى، واستمع إلينا وتفاعل معنا طامحا أن يصل بنا إلى عالمه، ويرتفع بأرواحنا إلى ذرى يقينه. لقد كان سعينا للحوار مع الرجل نابعا من احترام عميق لشخصه ومن إدراك لأهمية إنجازاته الفكرية التى توّجها بشرحه لإنجيل يوحنا فى مجلدين كبيرين. وكانت عودتنا بعد الحوار عودة الظافرين بحصاد لم نكن نحلم به، فقامة الرجل شخصا وإنجازا وتواضعا أعلى من كل تصوراتنا.
وجاء الحوار حول شرح إنجيل يوحنا الذى قدمه الأب متى المسكين، وحول معضلة التفسير والتأويل، وقراءة الرموز.
ومن أجواء الحوار:
نصر أبو زيد: بالنسبة لمسألة الإلهام، هل أنت من المتصوفة؟
متى المسكين: لا، لست صوفيًا.
نصر أبو زيد: هناك قول شائع ومستقر مؤداه أن كل كلمة وكل حرف فى القرآن له
ظاهر وباطن، وله حد وله مطلع، أربعة مستويات فى التفسير، هل توجد هذه
المستويات الأربعة فى تفسيرك؟
متى المسكين: أنا أتكلم عن الباطن، فأنا أرى المسلم المتمكن من الروح الإسلامية
الذى يتقن العبادة والتقوى عنده قدرة على دخول باب الاجتهاد، وهذا مُنع، وأنا في
الحقيقة آخذ ذلك على المسلمين، فكيف يغلق باب الاجتهاد بعد محمد عبده
والأفغاني. لماذا؟
جابر عصفور: لأسباب سياسية معروفة، وعند بعض اﻟﻤﺠموعات فحسب.
نصر أبو زيد: فى الحقيقة، إن باب الاجتهاد مغلق منذ زمن طويل، والذى حاوله محمد
عبده أنه وارب الباب قليلا، ثم أغلق مرة ثانية.
متى المسكين: لماذا؟
نصر أبو زيد: كما يقول الدكتور جابر، لأسباب سياسية.
متى المسكين :أتعرف أن ذلك هو الذى فرقنا، هو الذى فرق الإسلام عن المسيحية.
نصر أبو زيد: هذا أكيد.
متى المسكين: حتى المسيحية حين انقسمت إلى كاثوليكية وبروتستانتية وأرثوذكسية،
تركت الوعى العالى ونزلت إلى الوعى العقلي، فحين يرتفع المسلم فى باب الاجتهاد
ويتلامس مع الروح، سوف يتلامس معى بلا شك، ولكن حين نترل على الأصول
فقط، سيكون لك بيت ولى بيت، لا تزورنى ولا أزورك.
جابر عصفور: هذه النقطة، لو أذنت لي، نريد أن نتوقف عندها قليلا، الذى فهمته
الآن أن هناك ما يسمى بالروح الكلى وهذا هو المستوى الأعلى، وهناك ما يسمي
بالوعى الجزئي، أى الوعى المتصل بالعالم، وهناك النص، ثم هناك أنت كقارئ،
وسؤالى هو: هل يستلزم فهم النص نوعا من الاتحاد الوجدانى بينك وبين الروح الجزئي
الذى يجعلك تتصل مباشرة بالروح الكلى؟
هذا الحوار ، بالشكل الذى رأينا جزءا منه، يحتوى الكثير من آداب الحوار الفكرى، القائم على المعلومة، والذى يفتح بابا أمام التأويل، ومن الملاحظ، أن الأب متى المسكين كان واعيا تماما لما يقوله، ويعرف توجهاته ومقصده، لذا ناقش أفكارا فلسفية وعقدية مهمة، يمكن للمتابع أن يعرف أنها تؤدى إلى تقارب الأفكار الدينية المختلفة عند الأديان.