فى إحدى محاضراته النادرة تحدث الفنان نور الشريف عن أهمية "الكراسات" فى حياته المهنية، منها كراسة "مراقبة الحياة" وهى التى كان يجمع فيها الفنان نور الشريف أشياء وأفعال وأسلوب معين ملفت للانتباه ليضعه داخل هذة الكراسة لتفيدة فيما بعد فى أعمالة الفنية، حيث كان لها أهمية كبيرة فى بلورة دورة فى فيلم "العار" وإعطاء روح لشخصيته.
وقال الفنان نور الشريف إنه فى يوم ما ذهب لصديقه صاحب ملهى ليلى فى الإسكندرية، وبالصدفة شاهد رجلا صعيديا يجلس مرتديًّا بدلة مشاهدًا الراقصة، ويقوم بفعل حركات لا إرادية بيده ورأسه، عندها سأل نور الشريف صديقة "هو الراجل دا بيعمل كدة ليه؟"، فرد عليه صديقه أن هذا الرجل من الصعيد، وهو دائمًا ما يرتدى الجلابية، مما يجعله يقوم بفعل حركة رفع اليد هذه أثناء الأكل حتى لا تقع ملابسه داخل الصحن، مما جعل له عادة الحركة هذه، حتى أنه يقوم بفعلها لا إراديًّا وهو يرتدى البدلة.
ومن هنا كان دور كراسة "مراقبة الحياة" فى إعطاء روح لشخصية "كمال" فى فيلم العار، كمال كان دائمًا يرتدى الجلابية فى معظم مشاهده، حتى جاء المشهد الذى يظهر فيه وهو يرتدى البدلة.
هذه العادة والتفصيلة الصغيرة جعلت للشخصية تاريخًا قديمًا يجعل المشاهد يفكر فى أسباب فعل هذه الحركة، حيث جعلت الفنان نور الشريف يحصل على جميع الجوائز فى هذه السنة عن دوره بفيلم "العار".
ولقد ذكر أيضًا كراسة "القراءات"، حيث كانت لها أهمية كبيرة فى حياته، عندما روى ما حدث معه فى مسرحية الجريمة والعقاب لـ دوستويفسكى التى أخرجها للفنان الكبير "أحمد زكى" عندما كان مُعيدًا بمعهد الفنون، وقال إنه عنما رجع إلى الرواية الأصلية للكاتب الروسى وجد أنه وصف الشخصية بأنه بدين، قصير، صوته ناعم جدا، يضع منديل فى ذراع القميص، وعنده عادة "البربشة" بالعين دليل على حالة عصبية ما.
واستخدم هذه العادة فى فيلم آخر وهو "مع سبق الإصرار" مع الفنان محمود ياسين، كان دور مدرس من الفلاحين علم بخيانة زوجته له، وحملها من رجل آخر فقتلها، وذهب يبحث عن والد الطفلة.
من هنا جاءت أهمية الكراسات فى حياة الفنان نور الشريف ، ولقد حث تلاميذة على ضرورة هذة الكراسات فى حياة الفنان.
ذكر الفنان نور الشريف أيضا أصعب أنواع التمثيل وهو "الأداء المهنى"، ومن هذه الأدوار (دكتور – مهندس – ظابط .. إلخ) أى أن الكلام فى هذه الأدوار ليست به عواطف، بل مجرد أداء لهذه المهنة، فمثلا قال نور الشريف " لو سياسى بيقول خطبة، فى الوقت الذى يلقى فيها هذا السياسى الخطبة، هذا ما يسمى بـ"الأداء المهنى".
وتحدث نور الشريف دوره فى فيلم "سونيا والمجنون" حيث كان ضابط مباحث، قائلا: "الفنان عماد حمدى الله يرحمه كلمنى عشان دورى فى فيلم سونيا والمجنون، وقال لى أنا أول مرة أشوف ظابط بجد".
وحث الفنان نور الشريف تلامذته على ضرورة قراءة رواية "سالومى" لـ أوسكار وايلد، مشيرا إلى إحدى المونولوجات داخل المسرحية، وهو مونولوج لشخصية هيرودس، وهو الإمبراطور زوج الأم، وعن قصته مع هذا الدور، حيث اشتكى الفنان نور الشريف وزملاؤه بمعهد الفنون من صعوبة هذا المونولوج فى فهمه وحفظه، ولكن أصر أستاذهم على هذا المونولوج لسبب لا يعرفونه.
كان المونولوج مع "سالومى" وهى ابنة هيروديا، حيث كان يعرض عليها زوج أمها كمًّا كبيرا جدا من الأشياء المادية لغرض الجنس، ولفت الفنان نور الشريف إلى "التعداد" فى الأداء المهنى، أى عد الأشياء أو ذكر أشياء عديدة، وهو صعب جدا، وقال نور الشريف هذا ما يفرق الفنان الدارس عن غيرة حتى وإن كان موهوبا، فمثلا إن جاء جزء فيه تكرار لنفس الكلمة أكثر من مرة، قال هذه فرصة العمر بالنسبة للممثل، وضرب مثالا بمشهد من فيلم "الإخوة الأعداء" حيث قال كلمة "طيب" أكثر من ست مرات، وقال: الفنان الذى درس التعداد هو من يستطيع أداء هذا الدور بسلاسة، وذلك بتغير تون الصوت، حيث إنه يقول نفس الكلمة، ولكن بتوزيع وآلة مختلفة عن الكلمة السابقة.