يعد كتاب الأصنام، لابن هشام الكلبى، والذى حققه أحمد زكى باشا، واحدا من أهم الكتب التى تتناول تاريخ شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، وفى ظل هذه الأيام المباركة التى يحج فيها المسلمون بيت الله الحرام، ويطوفون بالكعبة ، نتوقف عند حكاية الكلبى لدخول الأصنام الكعبة.
يقول الكلبى فى كتابه "إن اسماعيل بن إبراهيم (صلى الله عليهما) لما سكن مكة وولد له أولاد كثير حتى ملأوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق، ضاقت عليهم مكة ووقعت بينهم الحروب والعداوات وأخرج بعضهم بعضا فتفسحوا فى البلاد والتماس المعاش.
وكان الذى سلخ بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتمل معه حجرا من حجارة الهرم، تعظيما للحرم وصبابة بمكة، فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة، تيمنا منهم وصبابة بالحرم وحبا له، وهم بعد يعظمون الكعبة ومكة، ويحجون ويعتمرون، على إرث إبراهيم وإسماعيل "عليهما السلام".
ثم سلخ ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم، وانتخبوا ما كان يعبد قوم نوح (عليه السلام) منها، على إرث ما بقى فيهم من ذكرها. وفيم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتنسكون بها، من تعظيم البيت، والطواف به، والحج والعمرة ، مع إدخالهم ما ليس منه.
وكان أول من غير دين إسماعيل عليه السلام، فنصب الأصنام عمرو بن لحي بن حارثة، وكانت أم عمرو بن لحي اسمها فهيرة بنت الحارث، وكان الحارث هو الذي يلى أمر الكعبة، فلما بلغ عمرو بن لحى نازعه فى الولاية وقاتل جرهما ببنى إسماعيل، فظفر بهم وأجلاهم عن الكعبة، وتفاهم من بلاد مكة، وتولى حجابة البيت بعدهم.
ثم إنه مرض مرضا شديدا فقيل له، إن بالبلقاء من الشام حمة إن أتيتها برأت، فأتاها فاستحم بها، فبرأ، ووجد أهلها يعبدون الأصنام، فقال ما هذه، فقالوا: نستسقى بها المطر ونستنصر بها على العدو، فسألهم أن يعطوه منا ففعلوا، فقدم بها مكة ونصبها حول الكعبة.