يخطأ من يظن أن المصريين القدماء امتلكوا فقط المهارات الهندسية المعمارية التى ساعدتهم على تشيد وبناء الأهرامات الثالثة والمعابد الفرعونية المختلفة، ولكن الحقيقة تقول أن المصريين القدماء توصلو إلى العلوم المختلفة والتى منها ممارسة الطب ومحاولتهم من التعافى من الأمراض التى تصيب الإنسان.
وكان آخر ما توصل إليه الباحثون لمعرفة ما توصل إليه المصريين القدماء فى الطب، عندما أجرون دراسة حديثة حول بردية مصرية قديمة موجودة فى جامعة كوبنهاجن فى الدنمارك، تترجم للمرة الأولى، تظهر تفاصيل نادرة عن الممارسات الطبية فى مصر القديمة.
تحديد نوع الجنين
قال الخبراء، الذى عملوا على ترجمة البرديات، إن واحدة من هذه البرديات احتوت على أقدم مناقشة طبية معروفة لأمراض الكلى، فضلا عن ملاحظات على علاجات أمراض العيون ووصفات لاختبارات الحمل.
وأوضح كيم ريهولت، وهو أستاذ فى قسم الدراسات الثقافية والإقليمية فى جامعة كوبنهاجن، أن هناك ما يقرب من 1400 مخطوطة تجرى عليها دراسة حاليا، ويعود تاريخ معظمها إلى عام 2000 قبل الميلاد.
وأشار كيم ريهولت إلى أن إحدى النصوص الطبية التى ترجمت مؤخرًا حددت اختبارًا للحمل للمرأة عن طريق التبول فى إناء صغير يحمل حبوب القمح والشعير، وإذا نبتت الحبوب فهناك حمل، والذى ينبت الأول من القمح أو الشعير يحدد نوع الجنين (الشعير ولدا والقمح أنثى) إما إذا لم ينبت أى منهما يكون بذلك الاختبار سلبيا ولا يوجد جنين
المرأة الفرعونية أول طبيبة فى العالم
فى موقع سقارة الأثرى الذى يبعد نحو 20 ميلاً جنوب القاهرة، ومنذ خمسة آلاف عام كانت المنطقة مقبرة لمدينة ممفيس المصرية القديمة، ولا تزال موطنًا لأحد أقدم المبانى الباقية فى العالم، وهو هرم زوسر المدرج.
فى هذه المنطقة يوجد قبر يكشف عن صورة بتاح، أول طبيبة معروفة بالاسم، عاشت منذ 2.700 ق. م، وتصف الهيروغليفية على قبرها بأنها "رئيس الأطباء"، هذا ما يعرف كثيرًا عن مسيرتها المهنية، ويكشف النقش أنه كان من الممكن للنساء أن يشغلن أدوارًا رفيعة المستوى فى مصر القديمة.
بعد حوالى 200 سنة، خلدت طبيبة أخرى اسمها بيسيشت، وحملت لقب "مشرف طبيبات"، ما يشير إلى أن الأطباء الإناث كن متواجدات بكثرة وكن جزءاً مقدرا من المجتمع المصرى القديم.
معرفتهم بوجود الكلى داخل جسم الإنسان
أجريت دراسة حديثة فى جامعة كوبنهاجن بالدنمارك، عن بردية مصرية قديمة وتبين أن المصريين القدماء توصلوا إلى معرفتهم بوجود الكلى داخل جسم الإنسان، فهذه البردية تعد أقدم نص طبى معروف للبشر يتحدث عن الكلى، وقبل الآن لم يكن الباحثون على علم بأن الفراعنة كانوا يعرفون وجودها.
وتابعت الدارسة أن أحد النصوص الطبية المصرية كتبت قبل 3500 سنة، عندما لم تكن هناك مواد مكتوبة فى القارة الأوروبية كلها.
التوصل لمعرفة البلهارسيا
قال بسام الشماع عالم المصريات إن العالم الألمانى يودور بلهارز توصل لمعرفة المرض فى عام 1851، وأعطى له اسمه وفى عام 1910 اكتشف سير مارك روفر، وهو رائد علم أمراض المومياوات "شيستوسوما" متكلسة، (شيستوسوما هى دودة البلهارسيا)، فى مومياوات يرجع زمنها إلى الأسرة العشرين من التاريخ المصرى القديم.
وأوضح عالم المصريات، أن العلماء يعتقدون أن المصرى القديم أطلق على مرض البلهارسيا اسم "عاع"، وقد ذكر الـ"عاع" فى 4 برديات، 28 مرة فى بردية إيبرس، وهى أطول البرديات وترجع إلى أكثر من 1000 عام قبل الطبيب اليونانى القديم الشهير "أبو قراط" والذى يلقب خطأ بأبو الطب.
وأضاف بسام الشماع أن البردية عبارة عن وصفة طبية لإزالة Wemyt" "weremit" "وميت" "ورميت" من البطن عن طريق مشروب ابتكره المصرى القديم، وتم ذكر "عاع" فى بردية برلين 12 مرة و9 مرات فى بردية هيرست ومرة واحدة فى بردية لندن كما أكد لنا "بول غليونجى" فى عمله الكبير "قطوف من تاريخ الطب"، دار المعارف.
وتابع بسام الشماع أن المصرى القديم وصف الصورة الإكلينيكية لـ العاع على أنها انتفاخ معوى بآلام فى البطن ودقات متسارعة لـ القلب، وظاهرة عرض الإفرازات الدموية مؤكداً أنها البلهارسيا، المرض المعروف، والذى أكد بحث حديث عام 2014، أن حوالى 240 مليون شخص فى العالم مصابين به.
ولفت بسام الشماع إلى أن المصرى القديم أوضح أن الأرواح الشريرة هى سبب الإصابة بالبلهارسيا كعادته مع العديد من الأمراض، ولهذا يبقى النقاش والسجال ولمحاولات لمعرفة إذا كان المصرى القديم قد تعرف على البلهارسيا، فكيف درسها بهذه الدقة وهى غير مرئية للعين المجردة، وتبين فى نص مصرى قديم يقول بأن سبب الـ"عاع" هو دودة اسمها حررت.