نجيب محفوظ أول من وظف الأنبياء فى عمل أدبى فى "أولاد حارتنا".. وحكاية "ماهوند" النبى محمد فى آيات شيطانية لسلمان رشدى
ساراماجو يروى سيرة المسيح من جديد ومحمود درويش يكتب قصة يوسف فى عزاء القضية الفلسطينية
فى البدء كانت الكتابة، وكان الفيلم رواية، كان الفيلم خيالا على ورق، أو رؤية فى منام كاتب، استيقظ فجأة وهو يكتبها فيلما من لحم ودم، نرى فيه منامات الكتاب وقصص أنبياء عبروا ببلادنا أو ببلاد أخرى، تركوا فى القرآن قصص فيها
تركوا قصصهم فى القرآن والإنجيل والتوراة، والأوراق القديمة والمخطوطات والخيال الشعبى، قصص الأنبياء كانت أول الحكاية، حكاية الخلق حين ترك آدم جنة ربه فنزل الأرض وأنزلنا معه، حكاية نجاة نوح فى سفينة جمع فيها من كل زوجين اثنين، ثم كانت حكاية الصبر، ناعسة تصبر على مرض أيوب وتضحى مثالاً مع زوجها فى الصبر فقلنا يا صبر أيوب، ثم كانت حكاية الخوف فألقت أم موسى فتاها فى اليم فتحميه من بطش فرعون وهامان وجنودهما، ثم جاءت قصة الخضر لا يصبر على أفعال موسى فيخبره بتأويل ما لم يستطع عليه صبراً، ثم كانت قصة العفاف فترك يوسف إمرأة ذات مال وجمال دعته إلى نفسها اتقاء لمرضاة ربه، ثم أتانا عيسى ببرهان ربه يكلم الناس فى المهد صبياً، ومحمد صاحب دعوة الإسلام وآخر رسله وحكايات لا تنتهى بدأت بوحى قال له اقرأ، وحديث وسيرة نبوية مليئة بحواديت أثر النبى وصحابته فى كل مكان.
قصص الأنبياء، التى تعلمناها فى مدارسنا صغارا، وسمعناها من الجدات والأمهات حين كانت الحكاية وصية تنتناقلها من جيل إلى جيل، قصص الأنبياء الكثيرة والبليغة ملأت القرآن كإشارة من الله لكى نكتب حكاياتنا، قصص الأنبياء لم تمر رغم الزمن، قصص الأنبياء صارت الأصل والمفتتح ولكن كيف رأى الروائيين والشعراء صور الأنبياء، كيف ظهر الأنبياء فى الروايات وكيف صاروا سطراً فى قصيدة أو بيتاً فى ديوان.
الكتب السماوية التى ترجمت إلى كل اللغات وعبرت العالم، كله دفعت الأدباء وبلغات عديدة لاستلهام الأنبياء فى الرواية والشعر.
أولاد حارتنا.. رواية الأنبياء الأولى
تفتق ذهن عبقرى الرواية مبكرا، إلى فكرة توظيف قصص الأنبياء فى عمل أدبى خارج السياق الدينى، فكتب "أولاد حارتنا" التى تناول فيها القصص من خلال سرد اجتماعى قصد به، ما جار فى مصر بعد ثورة يوليو التى دفعته إلى التوقف عن الكتابة ربما خمسة سنوات شعر خلالها أن كتابته أتت ثمارها بقيام ثورة من أجل العدالة الاجتماعية وطرد الاحتلال، إلا أنه سرعان ما عاد للكتابة الروائية مرة أخرى بعد انشغاله بالسينما وكتب أولاد حارتنا التى اعتبرها نقدا للنظام الناصرى بعد انحراف ثورة يوليو عن مسارها الأول
الرواية الشهيرة، أثارت جدلاً واسعاً لم ينتهى بوفاة محفوظ وحصوله على نوبل فى الآداب، حيث لاقت اعتراضات من الأزهر آنذاك، وربما هى من تسببت فى محاولة اغتياله، الجبلاوى بطل الرواية فسره المفسرون والمتلصصون على الخيال، باعتباره رمزا لله سبحانه وتعالى، كما جرى تفسير شخصيات الرواية على إنهم يرمزون للأنبياء فهناك قدرى وهمام، قابيل وهابيل أخين يتقاتلان، أما البيت الكبير فهو السماء والأرض، ثم أدهم وقيل أنه آدم، أما جبل فقيل أنه موسى عليه السلام صاحب أشهر قصة مع الجبل، وهكذا ضمن أكثر من 30 شخصية ومكان رمزوا للعالم والكون، نجيب محفوظ نفسه قال فى حوار له، أن أولاد حارتنا لم تناقش مشكلة اجتماعية واضحة كما اعتدت فى اعمالى قبلها بل هى اقرب إلى النظرة الكونية الإنسانية العامة".
آيات شيطانية
عام 1988 وبعد حصول محفوظ على جائزة نوبل،أصدر الروائى الهندى البريطانى سلمان رشدى، روايته الشهيرة آيات شيطانية، وهى الرواية التى أحل خامنئى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية دم الكاتب بعدها، إلا أنه وحتى الآن ضمن أهم المرشحين لنيل جائزة نوبل فى الآداب كل عام, الشخصيتين الرئيسيتين فى الرواية هما صلاح الدين جمجة الذى هو هندى عاش منذ صغره فى المملكة المتحدة وانسجم مع المجتمع الغربى وتنكر لأصوله الهندية وجبرائيل فريشته الذى هو ممثل هندى متخصص بالأفلام الدينية وقد فقد إيمانه بالدين بعد إصابته بمرض خطير حيث لم تنفعه دعواته شيئا للشفاء حيث يجلس الاثنان على مقعدين متجاورين فى الطائرة المسافرة من بومبى إلى لندن ولكن الطائرة تتفجر وتسقط نتيجة عمل تخريبى من قبل جماعات متطرفة وأثناء سقوط هذين الشخصيتين يحصل تغييرات فى هيئتهم فيتحول صلاح الدين جمجة إلى مخلوق شبيه بالشيطان وجبرائيل فريشته إلى مخلوق شبيه بالملاك. فى احد أحلام جبرائيل فرشته يرجع بنا سلمان رشدى إلى فترة صلح الحديبية ويبدأ فصل من الرواية بعنوان ماهوند وهو ما تسبب فى الأزمة فماهوند هو اسم استعمل فى القرون الوسطى من قبل المسيحيين المتطرفين لوصف الرسول محمد.
الحبكة الرئيسية فى هذا الفصل من الكتاب مستند على رواية ذكرت فى سيرة الرسول حسب ابن إسحاق وفيها يذكر ابن إسحاق أن الرسول وأثناء نزول سورة النجم عليه همس له الشيطان بهذه الكلمات "تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى" والآيات المقصودة هنا هى الآيات 18 و19 من سورة النجم التى تنص على "أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى, وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى, أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى" وحسب الرواية فانه هنا هذا الهمس يعنى أن الأصنام بخير، وفى هذا إشارة إلى أن الرسول حاول بطريقة أو بأخرى تقليل معاداة أهل مكة لدعوته وكف الأذى عن أتباعه بذكر آلهة مكة بخير حيث يزعم البعض أنه بعد هذه الحادثة ساد الوئام بين الرسول محمد ومعارضيه السابقين من أهل مكة حتى أن بعض الذين هاجروا هربا من بطش أهل مكة فى رحلة الرسول الأولى إلى الحبشة قد قرروا العودة إلى مكة بعد استتباب الأمر.
أنا يوسف يا ابى لمحمود درويش
أفى قصيدته الشهيرة، أنا يوسف يا أبى، استطاع الشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش، أن يرسم وجع القضية الفلسطينية شعرا، مستخدما قصة النبى يوسف بعد أن تركه أخوته وألقوه فى البئر، َنتَ سمَّيتنى يُوسُفًا، وهُمُو أَوقعُونى فى الجُبِّ، واتَّهموا الذِّئب; والذِّئبُ أَرحمُ من إخوتى، والقصيدة ذات دلالات عميقة، وتقصد الخذلان العربى للقضية الفلسطينية، والتآمر عليها والتنكر للمقاومة واتهامها بالعنف والإرهاب والضغط عليها للجلوس على طاولة التفاوض مع العدو منهزمة صاغرة مع تسليم الأرض والتخلى عن مشروع المقاومة.
ونبى الله يوسف عليهم السلام من أكثر الشخصيات التى شاع استخدامها شيوعاً لافتاً فى الشعر العربى المعاصر، ويستخدمها محمود درويش فى إطار ملامحها القرآنية المعروفة، صورة الإخوة: إخوة النبى "يوسف"، الإخوة الأعداء الذين حاولوا التخلّص منه بزجه فى عمق البئر فى سبيل الاستحواذ على الأب، وهم ذئاب، بل أن الذئب بشراسته وشرهه أرحم من إخوته، وهو يرمز بالأخوة لبعض العرب الذين باعوا القضية الفلسطينية كما بيع يوسف من قبل إخوته، وهم الذين اعترضوا على الطريق الذى اختاره "الابن" لنيل حقوقه من العدو، طريق المقاومة.
الإنجيل يرويه المسيح.. جوزيه سارماجو
حكايات جائزة نوبل لللآداب مع الأنبياء، لا تنتهى فبعد نجيب محفوظ، وسلمان رشدى مرشح الجائزة الأبدى، يأتى جوزيه ساراماجو الروائى الحائز على الجائزة عام 1988 ليخط فى روايته الانجيل يرويه المسيح، سيرة مبنية تبعاً لحياة المسيح وليس على وفق الإنجيل الذى لا يرد فى العنوان الأصلى للرواية. فالإنجيل وإن بدا مرجعاً عاماً لبيئة العمل، لكنه ليس مرجعاً حاسماً، يتناول ساراماغو سيرة يسوع الابن عبر مرحلتين: الأولى بوصفه ابناً للإنسان: يوسف النجار الذى يسبقه إلى الصلب. والثانية: استيقاظ سؤال البحث لديه عن حقيقة اللاهوت بعد رؤيته لأبيه مصلوباً مع مجموعة من الثائرين الجليلين.
المسيح يصلب من جديد.. نيكوس كازتنزاكيس
رغم أن رواية زوربا هى أشهر أعمال الروائى اليونانى نيكوس كازتنزاكيس، إلا أن روايته المسيح يصلب من جديد، أصبحت أيضا من أشهر الأعمال الروائية فى العالم، وفى هذا العمل تصوير مرهف لآلام المسيح وهى صورة لصراع الإنسان على طول التاريخ من أجل حیاة أسمى، وتعتبر من القصص الاجتماعية وفيها تأمل إنسانى قوى ولكن مع مسحة تشاؤم قوية فيقول: "لا جدوى يا يسوع"، فیصیر الأمل سراباً كأنما نقبض الريح، على أية حال، وعلى الإنسان أن يسعى أو على قوى الخیر أن تتضافر ابتغاء ھزيمة قوى الشر المتمكنة. الرواية لم تجسد المسيح بشكل آخر، بل جعلت قصة الصلب نموذجا لصراع الإنسان على الأرض وعذابه فى الحياة.
انحراف حاد.. قصة موسى والخضر
ضمن مشروع أدبى، بدأه الروائى المصرى أشرف الخمايسى بروايته منافى الرب، التى كانت ضمن القائمة القصيرة لجائزة بوكر للرواية لهذا العام، لتجسيد الموت، وفكرة الخلود، أصدر روايته الجديدة، انحراف حاد منح فيها دور البطولة لنبى، اسمه "صنع الله"، نبى يزعم أنه موجود على الأرض من قبل كل الأنبياء والرسل المشهورين، بل أنه علم "موسى"، وهو الأمر الذى ربطه النقاد بسيدنا الخضر، الذى تناوله الخيال الشعبى باعتباره نبى لا يموت، النبى "صنع الله"، فى "انحراف حاد"، دعوته "خلود الإنسان على الأرض بقدرته وعلمه". بل الأغرب أن هذا النبى ينكر وجود يوم "القيامة"، وأنه لا ملائكة هناك، ولا شياطين، وتستمر الرواية عبر رحلة فى سيارة "ميكروباص"، هى فى حقيقة الأمر ليست سوى تجسيدٍ للدنيا بغرورها وتنوعها، وتشخيصٍ للحياة بأفراحها، ليصل راكبوها إلى نهاية الرحلة، حيث الموت المُتسرِّب إلى شرايين الحياة، أو الحياة التى تسير مذهولة فى رِكاب الموت، وتقف حائرة أمام فتنة اقتناص الخلود.
و يقول ناقد فى مقاله عن الرواية أن الخمايسى واصل عبر طرح التساؤل الذى يؤرق الكثير منا: "هل خلقنا الله ليعذبنا؟" وهو السؤال المستبطن لكل شخصيات الرواية ماعدا "صنع الله" فبدأ من " رشيد " الذى فقد ابنته " زينب /سوسن "فى ساحة الحسين وهو يحمد الله أنه منّ بها عليه بعد يأس فى أن يكون له ذرية ٬ سوسن نفسها تفقد طفلها عقب ولادته بساعات وفى اللحظة التى تجده مع عشيقة "صنع الله " فى الميكروباص "ويموت كلاهما.
بوكس قصيدة أنا يوسف يا أبى.. محمود درويش
أنا يوسف يا أبى
أَنا يُوسفٌ يَا أَبِى.
يَا أَبِى إِخْوَتِى لاَ يُحِبُّونَنى , لاَ يُرِدُونَنى بَيْنَهُم يَا أَبِى.
يَعْتَدُونَ عَلَى وَيَرْمُونَنى بِل حَصَى وَالكَلاَمِ.
يُرِدُونَنى أن أَمُوت لِكَى يمْدَحُونِى.
وَهُمْ أَوْصَدُوا بَاب َبَيْتِكَ دُونِى.
وَهُمْ طَرَدُونِى مِنَ الَحَقْلِ.
هُمْ سَمَّمُوا عِنَبِى يَا أَبِى.
وَهُمْ حَطَّمُوا لُعَبِى يَا أَبِى.
حَينَ مَرَّ النَّسيِمُ وَلاَعَبَ شَعْرِى غَارُوا وَثَارُوا عَلَى وَثَارُوا عَلَيْكَ.
فَمَاذَا صَنَعْتُ لَهُمْ يَا أَبِى.
الفَرَاشَاتُ حَطَّتْ عَلَى كَتْفَى , وَمَالَتْ عَلَى السَّنَابِلُ , والطَّيْرُ حَطَّتْ على راحتى.
فَمَاذَا فَعَلْتُ أَنَا يَا أَبِى.
وَلِمَاذَا أَنَا ؟
أَنْتْ سَمَّيْتَِنى يُوسُفاً , وَهُوُ أَوْقَعُونِى فِى الجُبِّ , وَاتَّهَمُوا الذِّئْبَ ؛ والذِّئْبُ أَرْحَمُ مِنْ إِخْوَتِى...
أَبَتِ !
هَلْ جَنَيْتُ عَلَى أَحَدٍ عِنْدَمَا قُلْتُ إِنِّى:
رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً , والشَّمْس والقَمَرَ ,
رَأّيْتُهُم لِى سَاجِدِينْ ؟؟
(من ديوان "ورد أقل" 1986)