تظل مصر ودورها فى التاريخ القديم والحديث مادة خصبة للكتاب والباحثين، ومؤخرا صدر كتاب جديد لـ جيمس بار بعنوان "لوردات الصحراء" يكشف فيه تاريخ الصراع بين إنجلترا وأمريكا للسيطرة على الشرق الأوسط، ويوضح كيف أن مصر كانت الحلقة الأبرز فى ذلك الصراع.
تبدأ أحداث كتاب لوردات الصحراء من أحداث فبراير 1942، بعدما أحاطت الدبابات البريطانية قصر عابدين، فى وسط القاهرة، وأمر السير مايلز لامبسون، المندوب السامى البريطانى فى مصر، الملك فاروق باختيار السياسى المصرى مصطفى النحاس، رئيسا للوزراء، وقد اضطر الملك فاروق الذى كان رافضا ذلك فى البداية للموافقة، محافظة على عرشه.
ووصف جيمس بار، المندوب السامى البريطانى "لامبسون" فى ذلك الموقف بأنه تجسيد مكتمل للغطرسة الإمبريالية، كما أكد أن المصريين لم ينسوا ذلك الموقف للبريطانيين خاصة أنهم رأوا فيه نوعا من "الإذلال الوطنى" بعد 60 عاما من الاحتلال لوطنهم.
كما يسترجع جيمس بار، فى كتابه، كلمات تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا عام 1940، حول مستقبل الإمبراطورية البريطانية عندما قال إنه بدأ بالفعل، بينما كان الأمريكيون يرون عكس ذلك.
يغطى كتاب جيمس، بشكلٍ رائع ومدروس وبعمق 25 عامًا من التنافس بين بريطانيا والولايات المتحدة على الهيمنة فى الشرق الأوسط، حيث كان للنفط مكانة مهمة فى هذا الصراع بالنسبة للدولتين، كما أن الكتاب يبرهن على أن المنافسة بين البلدين أصبحت صريحة، رغم تحالفهما المناهض للفاشية، والعلاقة الخاصة التى استمرت خلال الحرب الباردة وما بعدها.
ويستعرض جيمس بار العديد من القصص والأحداث التاريخية، فعلى سبيل المثال يقول إن فلسطين كانت تحت حكم بريطانيا، وكان الأمريكيون متعاطفين بشكل متزايد مع القضية الصهيونية فى أعقاب ما يسمى بـ الهولوكوست وكان هذا التعاطف يمثل نقطة اشتعال مبكرة للصراع.
كما كانت عملية CIA-MI6 المشهورة للإطاحة برئيس الوزراء الإيرانى محمد مصدق من المشاريع المشتركة الاستثنائية بين القوتين، لذا ظلت طهران، بعد الثورة الإسلامية فيها، تحمل وجهة نظرا بأن أمريكا وبريطانيا هما الشيطان الأكبر.
الكتاب يؤكد أنه كثيرا ما كانت واشنطن ولندن على خلاف حول الانقلابات العسكرية، والإعانات السرية، التى هى جزء من المشهد فى سوريا والعراق والأردن فى الخمسينيات، لكن التوترات وصلت إلى ذروتها بعد قيام ثورة 1952 ومجىء جمال عبد الناصر وخروج الملك فاروق، خاصة أن جمال عبد الناصر كان يملك كاريزما وشخصية جذابة، وقد وصفه أنطونى أيدن السياسى البريطانى، بأنه "هتلر النيل" و"موسولينى المسلم" الذى أدى إلى حرب السويس عام 1956 بعد تأميمه قناة السويس، بعدما اشتركت بريطانيا فى الحرب ضد مصر، بينما عامل الأمريكيون حليفهم فى زمن الحرب "برعونة وازدراء".
ويبدأ جيمس بار فى رصد تراجع بريطانيا وصعود أمريكا، القاسى الذى لا يرحم، على حد قوله، وظلتا، فقط، تتحدان من خلال العداء للاتحاد السوفيتى والاهتمام بمصالحهما، كما يدمج بمهارة دور الاستخبارات السرية فى السياسة الخارجية، مستفيدًا من مذكرات صحفية غير مشهورة لإضافة الكثير من التفاصيل.
يعتمد جيمس فى كتابه على أدلة وثائقية ومقابلات مع صناع الأحداث، خاصة فيما يتعلق بدور بريطانيا السرى فى الحرب ضد عبد الناصر فى اليمن.