وقفة بالشموع إحياء لذكرى شهداء حريق مسرح بنى سويف، حين قرأت تلك السطور خُيل لى، أن الحدث جلل، وسيحضره المثقفون والمسرحيون من كل حدب وصوب، فعلى ذاكرة هؤلاء سمى يوم 5 سبتمبر بيوم المسرح المصرى، وزاد ذلك الشعور حين تصفحت حسابات المسرحيين على مواقع التواصل الاجتماعى، إذ امتلأت بعبارات وصور النعى معنونة بعبارة "لن ننساكم".
أمام مسرح الهناجر – مكان الوقفة – ذهب الصحفيون ومعهم الكاميرات لتغطية الحدث، وفوجئوا بأن الساحة خالية، حتى جاءت الثامنة مساء – الموعد المحدد مسبقا للتجمع – فلم يحضر سوى 6 أشخاص هم؛ المخرج أحمد السيد، الناقد والمؤلف أحمد عبدالرازق، والمخرج عاطف أبو شهبة، الفنان طه خليفة، والفنان أحمد رجب، المهندس مصطفى فكرى، واكتفى الباقون بالنعى من خلف الشاشات.
"الحى أبقى من الميت"، شعار أكثر واقعية، بعدما غاب أهل المسرح عن إحياء الذكرى الأهم فى تاريخ المسرح المصرى، وعكس شعار "لن ننساكم" ما أصابنا خلال السنوات الماضية، إذ اكتفينا بإطلاق شعارات جوفاء من خلف أجهزة الحاسوب، لتسجيل موقف فى عالم افتراضى لا يشغل الفعل فيه حيزا من فراغ.
ويتزامن الخامس من سبتمبر من كل عام، مع ذكرى استشهاد 50 شخصية مسرحية بعد احتراق قاعة الفنون التشكيلية الملحقة بقصر ثقافة بنى سويف، بالإضافة إلى 23 مصابا آخرين، ليسجل ذلك اليوم ذكرى دامية ويوما مأساويًا فى تاريخ المسرح المصرى.
فتح ستار مسرح قصر ثقافة بنى سويف وأثناء العرض تحولت المسرحية إلى واقع أليم، إذ التهمت النيران أجساد الموجودين فى القاعة وفر من فر وصرخ من صرخ دون مغيث ليتحول المسرح إلى كتلة من النيران بسبب "شمعة" سقطت من خلفية ديكور العرض أحدثت حريقا فى القاعة بأكملها - بحسب تقرير لجنة تقصى الحقائق – وأحدثت 3 انفجارات متتالية.
وجاء فى التقرير: "كانت هناك محاولات سريعة وقت الحادث لإخماد الحريق، لكن ألسنة اللهب التى ارتفعت وتمسكت فى الستائر والسجاد والديكور المكون من الخيش والورق صعب السيطرة عليها، وساعدها فى ذلك استخدام مواد سريعة الاشتعال فى تجهيزات المكان، فسقط السقف المكون من "الفوم" ليتحول لنيران سائلة تتساقط فوق رؤوس الجمهور والممثلين، واشتعلت الحوائط الخشبية لتحتضن النيران المتواجدين من جميع الجهات".
وأضاف التقرير، أن عربات الحماية المدنية التى تبعد عن موقع الحريق مسافة 5 دقائق جاءت بعد مرور ما لا يقل عن 50 دقيقة وبعد وصول العربات حاول عمال الإطفاء استخدام الخراطيم لإخماد الحريق، لكنهم لم يجدوا مياهًا يضخونها ، حالهم كحال رجال الإسعاف الذين وصلوا بعدها بساعات رغم تلقيهم الاستغاثات من سكان المنطقة والمسؤولين عن المسرح، ولم يجد من نجا من الحريق أمامه إلا السير على الأقدام واستخدام سيارات الأجرة للانتقال إلى المستشفيات.
تقدم فاروق حسنى وزير الثقافة فى ذلك الوقت باستقالته من المنصب الذى شغله منذ عام 1987، إلا أن الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، رفض الاستقالة، ووقع أكثر من 200 من الكتاب والمثقفين والفنانين والأدباء على بيان طالبوا فيه فاروق حسنى بسحب استقالته.
فى عام 2006 صدر حكم محكمة جنح بندر بنى سويف ضد المتهمين وهم مصطفى علوى رئيس هيئة قصور الثقافة وقتها و 7 آخرين من الموظفين بالحبس 10 سنوات مع الشغل وكفالة 10 آلاف جنيه لكل منهم، كما ألزمت وزير الثقافة بدفع تعويضات لأهالى الضحايا.
وفى مارس 2007 برأت محكمة جنح مستأنف بنى سويف 4 من المتهمين، من بينهم مصطفى علوى رئيس هيئة قصور الثقافة، وخففت الأحكام الصادرة من محكمة أول درجة ضد ٤ متهمين آخرين هم عادل فراج مصطفى فراج، مدير عام فرع ثقافة بنى سويف والذى حكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات وبهجت جابر محمد القبارى، مدير قصر الثقافة بالسجن لمدة سنتين، وكلاً من سمير عبدالحميد حامد، رئيس قسم المسرح بقصر الثقافة سنة مع الشغل، ورجب عبدالله محمد عطوة أخصائى أمن بقصر ثقافة بنى سويف سنة مع الشغل.
فى 2010، قضت محكمة مدنى شمال الجيزة بإلزام فاروق حسنى، وزير الثقافة، بدفع تعويض مدنى 100 ألف جنيه لأسرة فتاة لقيت مصرعها فى الحادث.
وبعد ثورة 25 يناير، فى 5 سبتمبر 2011 قرر الدكتور عماد أبو غازى وزير الثقافة الأسبق، أن يكون 5 سبتمبر من كل عام يوم المسرح المصرى، إحياء لذكرى شهداء حريق مسرح قصر ثقافة بنى سويف الذين ماتوا فى محرقة هى الأبشع فى تاريخ المسرح المصرى.