لم ينتبه فوزى لوجود "طلب" ، فناداه عبد المطلب قائلا :" مخاصمنى ولا إيه يافوزى "
فأجاب الملحن العبقرى ضاحكا :" العتب على النظر ياطلب مااخدتش بالى"، فرد المطرب الشعبى:"طيب مش عايز تدخل التاريخ يامحمد" ، ضحك فوزى :" ندخل يا ابو نور" ، فأعطاه عبدالمطلب كلمات أغنية "ساكن فى حى السيدة" قائلا :"شوف الكلام ده وإذا عجبك لحنهولى"، وخلال إسبوع كانت هذه التحفة الفنية جاهزة ،تشهد على عبقرية مطرب وملحن ومؤلف وتمتع أجيالا مختلفة، وكان ذلك أول تعاون بين فوزى وطلب.
حكاية هذه الأغنية الخالدة هى إحدى الحكايات التى لا يعرف تفاصيلها سوى "نور" ابن محمد عبدالمطلب وكاتم أسراره ومدير أعماله الذى اشتهر والده بين أصدقائه باسمه ، حيث كان محمد عبدالمطلب معروفا فى الوسط الفنى باسم "أبو نور"
نور الذى رافق والده وعمل مديرا لأعماله منذ كان عمره 19 عاما يعرف كل أسرار وحكايات والده المطرب العبقرى وكشف الكثير منها فى حوارنا معه عبر الهاتف، لنكتشف أن الكثير من المعلومات الواردة والمتداولة عن حياة محمد عبد المطلب محدودة ويشوبها الكثير من المغالطات.
فالابن المولود عام 1940 والذى يقترب عمره حاليا من الثمانين هاجر إلى المغرب منذ أكثر من 20 عاما ولا يستطيع العودة إلى وطنه بسبب بيروقراطية الإجراءات فى السفارة المصرية بالمغرب ومشكلات فى تجديد بطاقة الرقم القومى وجواز السفر، ليبقى الكثير عن حياة الأب خافيا ومجهولا.
نحاول فى السطور التالية كشف حكايات وأسرار من أمتعنا وعاش بيننا رغم رحيله،عملاق الطرب الشعبى وصوت الحارة المصرية وملك المواويل محمد عبد المطلب ، أحد كبار "أهل المحبة" الذى نسج الفرحة بشهر رمضان عبر أجيال مهللا "رمضان جانا وفرحنا به"، وعلمنا قواعد الحب الطاهر وهو يناجى حبيبه مهرولا من حى السيدة إلى سيدنا الحسين وحين استعطفه قائلا" حبيتك وبحبك وهاحبك على طول" ، وعزف على أوتار الشجن والعتاب مرددا " مبيسألش عليا أبدا ، واسأل عليا مرة ، والناس المغرمين مايعملوش كدة" ، وحين بلغ به اليأس من الحبيب فارقه مرددا " ودع هواك وانساه وانسانى عمر اللى فات ما حيرجع تانى"
من الجد للحفيد ميراث الملامح والشياكة
قبل الحديث مع الابن قابلنا الحفيد محمد نور محمد عبدالمطلب وهو من أرشدنا إلى طريقة التواصل مع والده ، يحمل الحفيد الكثير من ملامح جده المطرب الكبير كما يحمل بعض الجينات الفنية فى مجال أخر غير الغناء وهو تصميم الأزياء، ربما تأثر الحفيد الذى عاصر جده فى أول 6 سنوات من عمره بشياكة الجد التى اشتهر بها وحرصه على مظهره :" لا تزال رائحة بارفان جدى فى أنفى،وأذكر ألوان كرافتاته وشكل "الروب دى شامبر" الذى كان يرتديه فى المنزل وهو يحملنى مرددا حبيتك وبحبك وهاحبك على طول"
بفخر يتحدث عن إمكانيات صوت جده وقوته قائلا :"شفيق جلال قال لى جدك ممكن يغنى فى الاستاذ بدون ميكرفون ، جدى مدرسة طربية وكان يطور ويخطط لنفسه فى كل مرحلة" ، وبفخر أيضا يشير إلى شعبيته فى كل الدول العربية وخاصة لبنان وبلاد المغرب:" ممكن أخد تأشيرة هذه البلاد بسهولة لكونى حفيد طلب"
يذكر الحفيد الفنانين بعض الفنانين الذين كانوا يزورون جده ومنهم حسن يوسف ولبلبة وعدوية ومحمد رشدى الذى كان يرى فيه الجد امتدادا له ، ويذكر جو الفكاهة والمرح والود الذى كان يسود بيته وصلة الرحم التى كان يحرص عليها وزياراته للشيخ عبدالعزيز عيسى وزير شئون الأزهر فى عهد السادات و زوج نجيبة شقيقة طلب.
ورغم كثرة الصفات التى ورثها الحفيد من الجد إلا أنه يعترف بأنه لا يعرف تفاصيل كثيرة عن حياة "طلب" ،وكل ما يعرفه استقاه من والده، مؤكدا أنه رغم وجود عمه بهاء "توأم والده" وعمته الصغرى سامية بالقاهرة إلا أن كل التفاصيل والأسرار الخاصة يحملها معه الابن المهاجر الذى لا يستطيع العودة للوطن ، مفسرا بذلك قلة المعلومات المتداولة عن حياة محمد عبد المطلب.
لا ينسى الحفيد الذى كان يحظى بحفاوة ومحبة خاصة من جده المطرب المشهور لكونه أول الأحفاد الذكور سنوات السعادة التى عاشها فى بيت جده ، ويذكر معها ذلك التغير والتحول الشديد فى حياة الجد بعد وفاة ابنته قبل زفافها بأسبوع وكيف تغير شكله وتحولت حياته إلى صمت وحزن دائم وتوفى بعدها بشهور.
الابن المهاجر يكشف أسرار بدايات ملك المواويل
عبر الهاتف جاء صوت الابن المهاجر ضعيفا حزينا معلنا غضبه من تداول معلومات مغلوطة عن حياة والده، ويأسه من محاولات العودة بسبب تعقيدات الإجراءات، وإحباطه بين الحفاوة التى يحظى بها فى المغرب إكراما وحبا لوالده والتجاهل والنكران الذى يحرمه من حضن أبنائه وأحفاده والعودة إلى وطنه.
يرحب الابن بالحديث عن سيرة والده وتصحيح كافة المعلومات الواردة عنه والكشف عن كل تفاصيل وأسرار حياته الشخصية والفنية.
ورغم حالة الحزن يشعر الابن ببعض السعادة حين يتحدث عن والده، ابن قرية شبراخيت محافظة البحيرة والمولود فى 13 أغسطس عام 1910، فسماه والده عبد العزيز الأحمر التاجر البسيط اسما مركبا "محمد عبد المطلب" كسائر أبنائه الذكور الذين حرص أن تبدأ أسماءهم جميعا باسم محمد ، وكان ترتيب محمد عبد المطلب الخامس بين إخوته : "محمد يوسف محمد لبيب ، محمد فوزى ، محمد كمال ، محمد عبد المطلب،نجيبة ،محمد ذكريا ،وانتصار" ، وحرص محمد عبدالمطلب على هذه العادة فسمى ابنه اسما مركبا " محمد نور"
يشير الابن إلى أن والده ينتمى إلى عائلة الأحمر وهى قبيلة من الأندلس، هاجر بعض أبنائها إلى سوريا واليمن وطنجة، بينما استقر جزء منها فى محافظة البحيرة :" كان جد جدى قاضى القضاة بالبحيرة"
وكعادة أهل الريف التحق الطفل محمد عبد المطلب بكتاب القرية، وعندما بدأ يتعلم قراءة وترتيل القرآن ظهرت مميزات صوته،فأعجب شيخ الكتاب بحجم صوته وجعله يؤدن فى صلاة الفجر.
يقول الابن :" كانت القرية كلها تستيقظ لصلاة الفجر على صوت أبى الذى بشر بميلاد موهبة فريدة، وكان هذا الطفل مغرما بمطرب المنطقة عبد اللطيف البنا ويحفظ أغانيه"
حفظ محمد عبد المطلب القرآن كاملا ، وعندما لاحظ شقيقه الأكبر "محمد لبيب" ، الذى كان يعمل بوزارة المالية موهبته وحبه للغناء اصطحبه معه إلى القاهرة ليلتحق عبد المطلب بمعهد الموسيقى العربية ويبدأ مشواره الفنى بعدما تعرف على محمد عبدالوهاب الذى كان أستاذه بالمعهد.
عبدالمطلب غاضب من عبدالوهاب وعاطل مع فريد الأطرش
يكمل الابن تفاصيل بداية مشوار والده الفنى قائلا :" أعجب عبد الوهاب بصوت أبى القوي وضمه الى فرقته كمذهبجى، وبعد فترة بدأ موسيقار الأجيال تصوير فيلم الوردة البيضاء ووعد والدى بأن يأخذه معه إلى باريس لتصوير المشاهد الخارجية ولكنه لم يفى بوعده"
غضب "طلب" وترك فرقة محمد عبدالوهاب والتحق بفرقة داوود حسنى ، ولكن لم يستمر بها طويلا.
يحكى الابن عن الفترة التى كان فيها والده عاطلا عن العمل :" كان أبى يجلس خلال هذه الفترة فى مقهى بشارع محمد على يضم الفنانين والكومبارس، وكان رفيقه الفنان فريد الأطرش الذى كان قادما من جبل الدروز بسوريا وكان أيضا عاطلا عن العمل"
يتحدث الابن عن تفاصيل أيام الشقاء فى حياة والده قبل الشهرة :"كان أبى وفريد الأطرش يقتسمان سندوتش الفول وخمسينة الشاى،حتى أخبرهما صاحب المقهى يوما بأن الست بديعة مصابنى تحتاج كورس لفرقتها، فذهبا سويا لكازينو بديعة، وبالفعل عملا لديهاوكان وقتها إبراهيم حمودة مطرب الفرقة"
وتابع :"بدأت الدنيا تتفتح لطلب وأصبح مطلوبا فى المحلات والأفراح ، خاصة بعد نجاح أغنية "بتسألينى بحبك ليه"، التى لحنها رفيق كفاحه الفنى محمود الشريف، وسجلتها شركة بيضافون على اسطوانات وتقاضى عنها مبلغ سبعة جنيهات، واستغل المنتج توجو مزراحى نجاح "طلب" فانتج له فيلم "على بابا والأربعين حرامى"، الذى ظهر فيه الرئيس السادات ضمن الكومبارس وكان اسمه على التيتر "الساداتى".
لم يدم الفراق بين عبد الوهاب ومحمد عبد المطلب ، كما يؤكد نور محمد عبد المطلب قائلا : "رجع عبد الوهاب من فرنسا وعرف أن طلب ترك الفرقة غاضبا، وحقق نجاحا فأرسل إليه ، وتم الصلح بينهما وأنتج له عبدالوهاب فيلم "تاكسى وحنطور"، وشاركته البطولة سامية جمال"
زيجات "طلب" بين الحب والمصلحة
يتطرق الابن إلى حياة والده العاطفية والشخصية، فمع بداية تألقه الفنى تعرف فى إحدى سفرياته إلى بيروت على عائشة عز الدين أو "شوشو عز الدين" شقيقة الراقصة ببا عز الدين ونشأت بينهما قصة حب وتزوجها عام 1938، ولم يكن عمرها وقتها تجاوز 16 عاما ، وأنجب منها التوأم "نور وبهاء" عام 1940.
واستمرت الحياة الزوجية بينهما بضع سنوات، حتى سافر عبد المطلب مع شريكه سعيد مجاهد إلى بغداد عام 1943 فى جوله فنية طويلة نظرا لحالة الكساد بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية، وبقى هناك مايقرب من 4 سنوات تعرف خلالها على المطربة نرجس شوقى وتشاركا فى تأسيس شركة إنتاج وتزوجا لبضعة شهور، وأنتجا معا فيلم "الصيت ولا الغنى" واشتركا فى بطولته ولكن وكما أكد الابن سقط الفيلم وخسر طلب كل ما ربحه وعاد الى القاهرة ولم تتجاوز فترة زواجه من نرجس فترة تصوير الفيلم.
كان زواج طلب من نرجس شوقى سببا فى طلاقه من زوجته وأم أولاده عائشة عز الدين ، فكما قال الابن:" وقع الطلاق خلال وجود والدى فى العراق بتوكيل لأخوه فوزى فى القاهرة"
يتحدث الابن عن أمه قائلا :" كانت وقت طلاقها فى بداية العشرينات وتتمتع بقدر كبير من الجمال ورغم ذلك رفضت الزواج بعد طلب، وكانت تحتفظ بكل اسطواناته، وشاركت بعد طلاقها بفترة فى بعض الأعمال السينمائية والفرق الاستعراضية وذلك بعد وفاة أختها الكبيرة ببا عز الدين التى كانت تمتلك كازينو أوبرا فى حادث سيارة.
يحكى نور محمد عبد المطلب عن علاقة والديه بعد الطلاق، قائلا:" استمرت علاقة الود بين أبى وأمى حتى وفاتها، فوالدى بطبيعته حنون ولم ينس والدتى، وكان متكفلا بها وحينما مرضت عالجها وكان يسأل عنها باستمرار، وبعد الطلاق أقمت لفترة أنا وأخى فى الحلمية مع عمى ذكريا وجدتى لوالدى الحاجة خدوجة، وكنا نزور والدتى باستمرار ونقيم معها بعض الأيام.
يؤكد الابن على وفاء والده مشيرا إلى أنه عندما جاءت طليقته نرجس شوقى إلى القاهرة كان والده يرسله إليها بأموال قائلا:" كان طلب وفيا ولا ينسى العشرة"
ويكمل الابن : واصل أبى مشواره الفنى وصارت المحلات والأفراح والحفلات تتهافت عليه وأصبح خلال فترة الخمسينات والستينات المطرب الشعبى الأول فى مصر، واستطاع أن يحفر طريقه بين عمالقة الطرب والغناء حتى أصبح فقرة أساسية فى كل الحفلات خاصة حفلات أضواء المدينة.
يشير نور محمد عبدالمطلب إلى أن والده ظل أكثر من 10 سنوات بعد طلاقه من والدته دون زواج ، حيث أخذته الأضواء والشهرة والسفريات،حتى تزوج للمرة الثالثة من أخر زوجاته السيدة كريمة عبدالعزيز شقيقة زوجة صديق عمره محمود الشريف ، وأنجب منها انتصار عام 1955 وسامية عام 1958 ، وماتت ابنته انتصار فى شبابها عام 1979وقبل زفافها وكانت وفاتها أحد اسباب وفاة والدها.
بحب يتحدث الابن عن علاقة طلب بأبنائه: كان صديقا لأولاده ودودا لا يرفض لنا طلبا، ويهتم بتعليمنا وشئوننا ويجمعنا فى بيته، كان نموذج لابن البلد الحقيقى وكان همه فى الدنيا أن يرانا سعداء".
ثورة يوليو تنقذ عبدالمطلب من الاعتقال
يحكى محمد نور عبدالمطلب الذى أصبح مديرا لأعمال والده منذ كان عمره 19عاما كيف أنقذت ثورة يوليو والده من الاعتقال قائلا: "من أصعب المواقف التى تعرض لها طلب فى بداية الخمسينات عندما عرف من سليمان بك نجيب الذى كان مدير للأوبرا الملكية أن الديوان الملكى حذف اسمه من حفل كان سيقام فى الأوبرا، فغضب طلب وتفوه بألفاظ قاسية فى حق مدير الديوان الملكى، وصدرت الأوامر للقلم السياسى باعتقاله، ولكن الاميرالاى أنسى الهجرسى أبلغ طلب بضرورة الاختباء وعدم الذهاب إلى الكازينو أو إلى منزله لأن المخبرين ينتظرونه، فاختبأ طلب عند أخته"
وتابع الابن : شاءت الأقدار أن تقوم ثورة يوليو فى هذا التوقيت وجاء إلى منزلنا بالحلمية الأميرالاى أحمد أنور قائد الشرطة العسكرية، واليوزباشا علوى حافظ من الضباط الاحرار وسألوا على طلب وأبلغونا بإلغاء أمر الاعتقال ، فخرجت معهم بالبيجامة إلى منزل عمتى وقابلوا طلب وأبلغوه"
يشير الابن إلى خفة ظل والده وبساطته مستشهدا بأحد مواقفه مع الرئيس جمال عبدالناصر فيقول :"فى أحد حفلات عيد الثورة وبعد أن أنهى عبد الحليم وصلته الغنائية تأهب الرئيس عبد الناصر للخروج ، فذهب إليه طلب وأمسكه من كتفه،وقال له: رايح فين يا ريس ، فرد عبد الناصر ضاحكا :رايح البيت، وهنا قال طلب : أنا النهردة لابس بدلة جديدة وعامل موال جديد مش حتسمعنى، فضحك عبد الناصر وعاد إلى كرسيه ليسمع طلب، الذى غنى موال "أجمل جمال بلدى هوة جمال"
ويؤكد الابن أن والده حزن حزنا شديدا لوفاة عبد الناصر حتى أنه توقف لشهورعن الغناء وسافر إلى مسقط رأسه فى شبراخيت وأوصاه بألا يرشد أحدا عن مكانه.
أمجاد ياطلب أمجاد
بفخر واعتزاز يذكر الابن بعض ما قيل عن والده: الدكتور طه حسين قال إنه صوت الحارة المصرية الأصيلة، وقالت عنه فاتن حمامه أنه أكثر صوت تحبه، وحلل عمار الشريعى فى برنامجه غواص فى بحر النغم صوته مؤكدا أنه يجبر غالبية الملحنين على الدخول فى جلبابه"
يؤكد ابن محمد عبدالمطلب أن والده كان سببا فى شهرة الشيخ سيد مكاوى قائلا :" كانت أغنية إسأل مرة عليا السبب الرئيسى فى شهرة الشيخ سيد مكاوى ، فعندما أذاعتها الإذاعة المصرية لاقت قبولا كبيرا، مما دفع الست أم كلثوم لاستدعاء مكاوى ليلحن لها أغنية يا مسهرنى وتوالت نجاحاته بعد ذلك"
يشير الابن خريج كلية التجارة إلى طبيعة عمله مديرا لأعمال والده :"كان أبى يضع الخطوط العريضه وأنا أتصرف فى حدودها، وكان أكثر ما يحرص عليه أن يحصل الفنان على حقه كاملا بمجرد أن ينتهى عمله سواء بالفرقه الاستعراضية أو كازينو الأندلس الذى كان يمتلكه وتركه لشريكه فى منتصف السبعينات،ولا أذكر أنه عنفنى أو تجاهلنى فى أى موقف"
يحكى الابن عن ذكريات والده فى حى الحسين الذى كان يعشقه وغنى له أشهر أغانيه :" كان حى الحسين من الأماكن المفضلة لوالدى و كان يجلس فيه دائما مع عم محمد الكحلاوى أقرب أصدقائه ، وكان أهل الحى يحبون طلب بشدة، وقال لى والدى: يا نور شوف مكان فى الحسين أعمل فيه أمسيات رمضانية لأهل الحى، وبالفعل شوفت مكان اسمه الكلوب العصرى ، وأقمنا أمسيات شارك فيها سيد مكاوى والعزبى وشكوكو ، وكان دائما يطلب الجمهور من والدى غناء أغنية رمضان جانا، وبعدها أصبحت هذه الأمسيات عادة رمضانية استمرت بعد وفاته"
يشير إلى الصدفة التى قادت والده لغناء أشهر أغنية لشهر رمضان :" مع الحرب العالمية ساد الكساد وأغلقت معظم الكازينوهات ولم يعد هناك مجال رزق للفنانين سوى الإذاعة المصرية ياتى إليها الفنانون ليختاروا كلمات المؤلفين ،وبقت أغنية رمضان جانا الوحيدة التى لم يختارها أى فنان، فأعجبت طلب واختارها وسجلها فى نفس اليوم لاحتياجه لمبلغ الستة جنيات قيمة أجره عن غنائها وكان مؤلفها حسين طنطاوى والملحن محمود الشريف وتم تسجيلها أوائل الأربعينات"
وأوضح نور محمد عبد المطلب أن والده أنتج فيلم أخر وهو "5 شارع الحبايب" بطولة نجلاء فتحى وحسن يوسف وأنه كان يحب طريقة لبلبلة فى تقليده ، بينما لم تعجبه طريقة سيد الملاح ورأى فيها سخرية لا تليق به.
قلب طلب ينزف ..عمر اللى راح ما هيرجع تانى
بحزن شديد يتحدث الابن عن أكثر المواقف القاسية فى حياة والده وحياة الأسرة عندما توفت ابنته انتصار:" أختى انتصار أو توتو كما كنا ندللها ونطلق عليها زهرة المهندسين لجمالها وخفة روحها، كانت حبيبة أبيها وتوفت فجأة فى بداية العشرينات من عمرها بسبب حبوب التخسيس التى كانت تأخذها باستمرار ، وذلك قبل موعد زفافها بأسبوع ، وأصبحت الجرح الدامى الذى لم يتحمله قلب "طلب" فتوفى بعدها بشهور.
يؤكد الابن أنه لم ير دموع والده طوال حياته إلا عندما ماتت ابنته وأن حاله تبدل بعد وفاتها.
وأصيب ملك المواويل بأول أزمة قلبية فى بيروت منتصف الستينات ، كما يشير ابنه ، وأصيب بأزمة ثانية أوائل السبعينات، والأخيرة أصابته بعد وفاة ابنته فى بداية أغسطس 1980 وكان وقتها فى المغرب ونقل إلى القاهرة وتحسنت صحته، ولكن أثناء إقامته فى شيراتون القاهرة ، الذى اعتاد الإقامة فيها فى الفترات التى تسافر فيها أسرته وافاه الأجل.
" أوصانى والدى قبل وفاته بزوجته السيدة كريمة وبأختى سامية" وكان أكثر الفنانين سؤالا عنه فى الفترة الأخيرة يحيى شاهين ومحمد عبدالوهاب"
يشير الابن إلى أنه ظل يعمل منظم حفلات بعد وفاة والده وكان يمتلك كازينو ولكنه احترق، وهو ما دفعه للسفر إلى المغرب والعمل هناك كمتعهد حفلات قبل أن يتقاعد عن العمل، وفى شهر رمضان كان يقيم خيمة رمضانية لغناء تراث عبد المطلب، مؤكدا أن أهل المغرب أكرموه وسهلوا له الإقامة حبا فى والده الذى كان يزور المغرب كثيرا ويحظى بشعبية جارفة هناك ويطلقون عليه لقب"مطرب العروبة"
ورغم عدم وجود تجارب سابقة لابن محمد عبدالمطلب فى التمثيل إلا أنه شارك فى أحد المسلسلات بالمغرب مؤديا دور والده فى مسلسل "محمد الحيانى" ، وشاركه فى التمثيل الفنان عبدالعزيز مخيون والمسلسل يحكى سيره ذاتية لمطرب مغربى جاء إلى مصر فى الستينات وعمل فى الكازينو الذى كان يمتلكه محمد عبدالمطلب.
يؤكد الابن أنه نجح فى أداء الدور وأصبح مشهورا فى الشارع المغربى ، مشيرا إلى أن والده لم يكن يعارض اشتغال أبنائه بالفن ولكنهم لم يبدوا رغبة فى ذلك.
يتمنى الابن أن يجسد شخصية والده فى عمل فنى عن سيرة حياة "طلب" ، مؤكدا أنه كتب جزءا من مذكرات والده التى أملاها عليه، ويسعى لاستكمالها بحكم معرفته بكل تفاصيل حياته.
حسرة ومرارة.. ابن طلب لا يستطيع العودة إلى وطنه
يشعر نور محمد عبدالمطلب بالحزن والمرارة مؤكدا أن والده لم ينل التكريم الذى يستحقه من وطنه رغم شعبيته الجارفة وحصوله على عدد من الأوسمة من الرئيسين عبدالناصر والسادات قائلا:" دار الأوبرا المصرية تاجرت فى تراثه، وقامت رتيبة الحفنى بتنظيم حفلات غنائية واستدعت من المغرب مطرب درجه ثانية ليؤدى أغانى طلب وطبعوا شرائط عليها صورة هذا المطرب المغمور"
ويشعر بمرارة أكبر لعجزه عن العودة لوطنه وهو فى هذا السن المتقدم بسبب تعقيد مسئولى السفارة لإجراءات تجديد جواز سفره بسبب عدم تجديد بطاقته ، مؤكدا شوقه لأحضان أحفاده وخوفه من أن يدركه الأجل قبل أن يراهم:" أخر مرة زرت فيها مصر عندما توفت والدتى عام 2002 ، وبقيت فيها لفترة بدون عمل واضطررت للعودة إلى المغرب لاستئناف عملى بها ولكنى تقاعدت الأن وأريد العودة إلى بلدى"
نور محمد عبدالمطلب