تتبدل الأزمنة وتتغير معها مزاجات البشر وتظل اجتهادات المبدعين مسجلة بأسمائهم تعبر كل زمان ومكان، كلوحات فنية تزداد قيمتها كلما مر عليها الدهر، وفى دنيا الفن يترسخ مفهوم لدى أصحاب المهنة أن ما يمكن تقديمه أمس لا يمكن قبوله اليوم، لكن هناك أسماء أطاحت بذلك المفهوم، وظلوا حاضرين بأعمالهم رغم أنهم فارقونا بأجسادهم، نشاهد أعمالهم ونحفظها عن ظهر قلب، فمن منا لا يضحك حينما يسمع إيفيهات "فتشنى فتش.. بروروم.. شغلتك على المدفع برروروم.. يا جماعة اللى اسمه مخالى يرد.. ده راجل شرانى وأنا عارفه.. ولا عمر الوحش بيحلو ولا الزفر بينضف"، إنه أصل الضحكة الفنان الراحل إسماعيل يس.
تمر اليوم ذكرى ميلاد إسماعيل ياسين، الذى دفعه حبه وعشقه للموسيقى إلى الهروب إلى القاهرة قادما من السويس، من أجل تقديم أوراق التحاقه بمعهد الموسيقى العربية، وحينها لم يكن يملك سوى ست جنيهات تحصل عليها من جدته، لكنه ذهب لمقر المعهد وجده مغلقًا بسبب العطلة الصيفية، لجأ إسماعيل إلى أقربائه فى القاهرة من أجل استضافته معهم حتى ينهى دراسته فى المعهد، ولكنهم رفضوا استضافته لرفضهم التحاقه بالمعهد.
وعندما ضاقت السبل بإسماعيل لم يجد مكانًا يأويه سوى مسجد السيدة زينب، لكن ذلك لم يستمر لفترة طويلة، خاصة بعد طرده من المسجد أكثر من مرة، فاتخذ من مسجد «مراسينا» مكانًا يقضى فيه ليله، وهناك تعرف على إمام المسجد الذى يدعى الشيخ إبراهيم حماد، وقص عليه حكايته، فاستضافه فى منزله لبضعة أيام ومنحه 35 قرشًا من أجل العودة لأهله فى السويس.
اتجه "سمعة" لتقديم المنولوج فى الإذاعة وتألق فيه مقابل 4 جنيهات عن المونولوج الواحد شاملا أجر التأليف والتلحين، يتقاسمها مع أبو السعود الإبيارى الذى ألف له معظم منولوجاته، قبل أن يصبح نجم شباك فى السينما المصرية بالعديد من الأفلام السينمائية الخالدة.
قدم سمعة العديد من الأفلام التى تخص الجيش المصرى، منها "إسماعيل يس فى الطيران، إسماعيل يس فى البحرية، إسماعيل يس فى الجيش، إسماعيل يس فى الأسطول"، واعتبرت من أهم أعماله وجزءاً مهماً من أرشيف السينما المصرية، لكن مؤخراً ظهر أحد المتشدقين بالوطنية فى الوسط الفنى نال من تقديم سمعة تلك الأعمال، مدعياً أن إسماعيل ياسين أساء إلى الجندى المصرى بسبب المظهر الذى كان يطل به الفنان وتصرفاته المضحكة التى ليس لها أى علاقة بالجندية المصرية – على حد زعمه – ما أثار حالة من الغضب لدى الجمهور الذى هاجمه واعتبر أنه أخطأ فى حق قامة فنية كبيرة وهو الراحل إسماعيل ياسين.
ورد محبو الفنان الراحل على هذا الهجوم بنشر خطاب يكشف تبرع "سمعة" بمبلغ 2000 جنيه و750 مليمًا للمساهمة فى تسليح الجيش المصرى، أثناء العدوان الثلاثى على مصر، ووجه رئيس الوزراء آنذاك خطاب شكر لـ إسماعيل ياسين على دوره الوطنى فى خدمة جيش بلاده.
الخطاب
وفى أحد المواقف النادرة لـ إسماعيل ياسين مع يوسف شاهين، أثناء تصوير فيلم "إسماعيل يس فى الطيران"، كان المخرج الكبير يجرى بروفة على المشهد مع "سمعة" الذى كان غاضبا من كثرة تدخين يوسف شاهين، فبادره بالسؤال، "أنت بتشرب سجاير كتير ليه؟ متوتر"؟، فقال شاهين، "وأتوتر ليه، عادى يعنى والمشهد ميستاهلش توتر".
يوسف شاهين
انزعج إسماعيل ياسين وشعر أن يوسف شاهين يستخف به، فقال له، "دا صحيح لأنك مش مزود فيه حاجة، غير إنك مضايقنى، أنا صايم وياريت تحترمنى بإنك تطفى السيجارة وتعرف قيمة اللى بقدمه"، وترك إسماعيل ياسين البلاتوه، وعلم محمود المليجى بذلك فصالحهما.
ومن المواقف التى سجلتها سعد مكاوى حول علاقتها بـ"سُمعة" قالت إنه رفض تقبيلها فى أحد المشاهد، كعادته فى جميع الأفلام، وقال لها، "مزاجى كدة"، إلا أن ذلك لم يعكر صفو علاقتهما، فقد كان دائما يتهكم عليها فى مكان التصوير، خاصةً أثناء المكياج قائلا، "ها.. عملتى بوقك؟"، لترد: "أيوة يا بوقو".
جسد فنانون شخصية إسماعيل ياسين فى أعمال تليفزيونية، لكن أفضل من قدم شخصية "سمعة" مؤخرا الفنان محمد فهيم، إذ عكف على دراسة الشخصية وأكد أنه حاول ألا يقلد حركاته وأدائه بل اتخذ من روح سمعة الفنية ما يساعده على تقديمها، وعانى فهيم كثيرًا أثناء دراسته للشخصية، قائلا، «الألحان وأداء الأغنية صعب جدا، عكس المتوقع قبل البدء فى المشروع».
محمد فهيم
ورغم هذا النجاح الساحق الذى حققه إسماعيل ياسين، خصوصًا فترة الخمسينيات، إلا أن مسيرته الفنية تعثرت فى العقد الأخير من حياته، فقد شهد عام 1961 انحسار الأضواء عن إسماعيل ياسين تدريجيا، فبعد أن كان يقدم أكثر من عشرة أفلام فى العام الواحد قدم فيلمين فقط هما "زوج بالإيجار"، "الترجمان".
وفى آخر أيامه أصيب إسماعيل ياسين بمرض القلب وابتعد عن الساحة الفنية، وفى عام 1972 توفى نتيجة أزمة قلبية، وودعته الصحافة بمانشيت "مات أشهر منولجست عرفته مصر".