تناقض فتاوى الشيوخ حول المظاهرات والانتخابات والمرأة والأحزاب قبل ثورة 25 يناير وبعدها.. وتلاعب نفس الشيوخ بالشريعة والفقه وتغير آرائهم قبل ثورة 30 يونيو وبعدها كتب نهاية سيطرتهم على عقول المصريين
خريف الشيوخ والدعاة بدأ فى فترة حكم الإخوان وسيطرة السلفيين بعد ظهور الشيخ الكذاب والشتام والشيخ المتحرش والداعية النصاب ورجل الدين المتلون
صراع الحركات السياسية للاستفادة من نجومية الشيوخ بعد ثورة 25 يناير.. وطمع الدعاة فى استثمار نجوميتهم سياسيا كشف جهلهم ونزع عنهم ثوب الدين المقدس، وأطلق شرارة التمرد على كهنة المنابر
25 يناير فجرت قنبلة تعرية الشيوخ مع اقتراب البنزين من النار.. الشيوخ هم النار.. والسياسة هى البنزين.. والانفجار هو الحقيقة.. حقيقة كل الشيوخ الذين لم تسعفهم بلاغتهم ولا قدراتهم على التلون أمام أحداث سياسية متسارعة تحتاج شجاعة ومواقف واضحة فى النور
حسنا تبدو المسألة شديدة البساطة، ولكن فى منتهى التعقيد، كانوا رجالا أهل شهرة وثروة وحظوة ومريدين، أصواتهم فى كل مكان، وصورهم على زجاج سيارات المكيروباص والنقل العام، والجالسون فى حضرتهم ينحنون طمعا فى تمرير شفاههم فوق ظهور أيديهم، ثم فجأة تلاشى كل شىء فجأة كما لو كانوا أشباحا.
كانت الطوابير أمام أبوابهم بالآلاف، وكانت الصورة معهم بركة، والانتقال من السكون إلى الحركة لا يتم دون إشارة منهم، والهمهمة لا يقدم عليها الرجل سوى بفتوى منهم، كان الناس يذهبون إلى اليمين إن أومأت رؤوسهم إلى اليمين وإلى اليسار، إن فعلت رؤوسهم العكس، ثم توقفت رؤسهم عن الحركة وتوقف معها الناس عن التحرك كما القطعان.
كانوا يتحركون فى مواكب، ويصطف أكابر القرى والمدن لتقبيل أيديهم، وتقام الولائم على شرفهم، ويعاير الأخ أخوه بأنه جلس فى وجه الواحد منهم مباشرة، وحصل على البركة بلمسة من يديه، كانت سطوتهم على العقول كبيرة، استنسخوا البشر فى الشوارع، الآلاف يسيرون نسخة واحدة شكلا ومضمونا، يتمتمون بنفس الكلمات، ويرتدون نفس الملابس، ويزورون نفس الحلاق، ويعتقدون نفس الفكرة تجاه أنفسهم وتجاه المجتمع، ثم فجأة تغير كل ذلك، اختفت الولائم وانفضت عنهم الصفوف، ولم تعد لمسة أيديهم بركة، وتحول خطابهم إلى متهم محل شك حتى تثبت طهارته وصدقه.
كانوا يدعون الناس إلى التقشف والزهد فى الدنيا، حتى ظن الناس فى الأثرياء الظنون، بينما نفس الناس مسحورة ترى فى ثراء شيوخهم فضل ونعمة من رب السموات والأرض، كانت أصواتهم تخرج عالية من نوافذ الميكروباصات وأتوبيسات الجمعية صراخا يأمر الناس بالصلاة «انت مبتصليش ليه.. صلى»، «مراتك مبتلبسش النقاب ليه..
ديووووووووووووث»، «بنتك بتروح المدرسة المختلطة ليه.. حرااام»، كانت أصواتهم تخرج من كل شارع، من الدكاكين، مأذن المساجد، كاسيت عربات الكبدة، نوافذ البيوت، كانوا نجوم الكاسيت بلا منازع، يصرخون فى الناس ويحدثونهم عن عذاب النار والثعبان الأقرع، ويرهبونهم ويخوفونهم من الله والطريق إليه، رغم أن أغلفة شرائط الكاسيت تحمل أسفل أسمائهم المكتوبة بالبنط العريض أى ربانية مكتوبة على الهامش تخبر الناس بأن الدعوة إلى الله لا بد أن تكون بالموعظة الحسنة، ولكنهم أقنعوا الملايين الغائبة عقولها أن كلامهم أصدق من كلام الله، هكذا كان يتحدث مريدو الشيوخ فى التسعينيات وبداية الألفينات، الشيخ فلان هو اللى قال، حتى ما قاله الله ورسوله عليه الصلاة والسلام لا يقال على ألسنة الناس إلا كما فهمه أو حفظه الشيخ فلان.
كانوا هم ملوك الأرض وما عليها من عقول، من حضر دروسهم ومن لم يحضر، من تبعهم وسار ضمن قطعانهم ومن تمرد وسار عكس الاتجاه، من تزاحم أمام منابرهم وانضم لقطعانهم كان لا يتكلم إلا بما قال الشيخ ولا يرتدى إلا ما أمر به الشيخ، ولا يتزوج إلا بمن أشار نحوها الشيخ، ومن لم يحضر وتمرد كان يعانى من نظرات مريدين الشيخ، سواء كانوا جيرانا أو زملاء عمل، كان محل شفقة، ومستهدفا طول الوقت بنصائح الهداية ولا تمر ليلته إلا وهو يواجه سيل التحريم وسيلا من دعوات ضرورة زيارة الشيخ وحضور دروسه.
كان الشيوخ فى تلك الفترة التى سبقت 25 يناير 2011 وما بعدها من شهور نجوما للمجتمع المصرى، نجوما لشاشات الفضائيات تنافس برامجهم الجميع، وتنافس مبيعات شرائطهم مبيعات نجوم الكاسيت من المطربين، بينما مواقعهم على الإنترنت هى الأعلى والأكثر زيارة فى مجتمع يعشق التظاهر بأنه متدين بطبعه.
كانوا نجوم الصف الأول سواء أكانوا شيوخا تابعين للماركة السلفية أو من أهل ماركة الدعاة الجدد، يصدقهم الناس ويتبعهم الملايين، عششوا فى عقول المصريين بشكل جعل كل خطوة لمواطن مصرى يجب أن تتم بفتوى من شيخ، وامتلأت الساحات ببرامج ودروس دينية فى كل مكان، مسجد، منزل، شاشة تليفزيون، يسأل فيها المواطن شيخه كيف يدخل الحمام؟ هل كانت النملة التى كلمت سيدنا سليمان ذكرا أم أنثى؟ هل يأكل حلوى المولد؟ هل يشرب النسكافيه؟ هل يرتدى بنطلون وقت الصلاة؟ وهكذا وهكذا حتى أصبح ريموت كنترول الشعب المصرى أو أغلبه فى يد الشيوخ، إن ضغطوا على الزر تحركت جموع الناس وفق هواهم أو وفق مصالحهم، طبقا لما اكتشفه المصريون أنفسهم فيما بعد.
سيطرة كاملة للشيوخ تجلت ذروتها من منتصف التسعينيات وحتى ثورة 25 يناير، واتضحت نتائجها فى شهور الارتباك التى تلت أحداث 25 يناير، حينما صدم المصريون بملايين من المواطنين يتحركون وفق إشارة الشيخ فلان، يؤيدون ويعارضون وفق فتوى شيوخهم.
فى تلك اللحظة التى تخيل فيها شيوخ مثل محمد حسان ومسعد أنور وياسر برهامى ومحمد الصغير ومحمد حسين يعقوب وعمرو خالد وأبوإسحاق الحوينى والقرضاوى وغيرهم، أن بوصلة الأمر فى القاهرة أصبحت بين أيديهم، وأن وقت الحصاد قد حان، وساعة التمكين قد حلت، وأن الشعب المصرى بأكمله قد تدلى بين أيديهم ليتضخم قطيع مريديهم، كانت تلك ظنونهم بينما كان واقع الأحداث على الأرض يخبرنا بأن أيام ما بعد 25 يناير مرورا بفترة حكم الإخوان وسيطرة السلفيين على الأجواء البرلمانية هى بداية النهاية لزمن الشيوخ، هى موسم الخريف الذى تتساقط فيه أوراق النجوم من شيوخ السلف أو الإخوان أو الدعاة الجدد، ويذهب تأثيرهم بلا رجعة، لأن مسا ما أصابهم وكشف لجموع البشر حقيقتهم وتجارتهم بالدين.
هرولت الحركات السياسية نحو الشيوخ للاستفادة من قدرتهم على التأثير فى الشارع، بل بعض الشيوخ أنفسهم قرروا استثمار نجوميتهم فى زيادة مساحة نفوذهم وتأثيرهم وسطوتهم وسلطتهم، فقرروا أن ينزلوا إلى ملاعب السياسة التى طالما حرمها بعضهم، وطالما حذر منها البعض الآخر، كان السيرك أكبر منهم، وكانت تقلبات الأوضاع السياسية أكبر من استيعابهم العقلى المبنى على النقل والحفظ، وكان الزمن قد تغير، وأصبح متاحا أن يرى الناس بأعينهم تسجيلا بالصوت والصورة للشيخ حسان وهم يدعو لمبارك ويحرم الخروج عليه فى المظاهرات، ثم يشاهدون تسجيلا آخر من نفس المنبر وعلى نفس الشاشة ولنفس الشيخ محمد حسان، وهو يبكى فرحا ويصف مبارك بالطاغوت، كان الزمن قد تغير والعقول تمردت بروح الثورة، وأصبح سهلا لشباب الدعوة السلفية والمفتونين بياسر برهامى والمقدم أن يقارنون بين فتاوى الدعوة السلفية القديمة التى تحرم الديمقراطية والأحزاب، وبين تحركات الواقع لشيوخ الدعوة السلفية وهم يؤسسون الأحزاب ويمدحون الديمقراطية بنفس حماس تحريمهم لها قبل ذلك.
كانت الأحداث سريعة وكاشفة ليشاهد الناس أكاذيب على ونيس وأنور البلكيمى، شيوخا وعظاة الناس ضد الكذب والتحرش، ضبط أولهم مع سيدة فى الطريق الزراعى بوضع مخل، وسقط الثانى فى فخ الكذب بشأن عملية تجميل بأنفه، طمع أن تتم فى السر لكى تناسب وضعه الجديد كشيخ تحول إلى عضو برلمان.
كانت الوقائع سريعة ومدهشة تكفى لتعرية الإخوان المسلمين وجموع المواطنين يشاهدون الجماعة وشيوخها وشبابها وهم يكذبون بشأن كل شىء، يتحدثون عن العفة والأخلاق بينما يشرعنون الشتائم ويفتون بجواز القتل، طالما أن الأمر فى مصلحة الإرشاد، يحرمون القروض والبنوك، ثم يصدرون فتوى إباحتها بعد شهور طالما أن ذلك فى مصلحة محمد مرسى وحكومة هشام قنديل الإخوانية.
كل شىء أصبح متاحا للمعرفة، وكل الأكاذيب أصبحت مفضوحة، انفجرت قنبلة تعرية الشيوخ، حينما اقترب البنزين من النار، كانت الشيوخ هم النار، والسياسة هى البنزين، وكان الانفجار هو الحقيقة، حقيقة كل هؤلاء الشيوخ الذين انتهى زمانهم حينما قرروا أن يلعبوا بنار السياسة، فلم تسعفهم بلاغتهم ولا قدراتهم على التلون أمام أحداث متسارعة كانت تطلب وضوحا وشجاعة ومواقف واضحة فى النور، وهم لا يحترفون العيش فى النور، النور كان مخصصا فقط للحظة التجلى السمحة فوق المنابر للاستحواذ على الناس وتعاطفهم، أما باقى حياتهم كانت فى الظلام، حيث مخالفة كل ما نصحوا به الناس، وحيث الحصول على التمويل اللازم للتلاعب فى الدين وفق هوى من دفع المبلغ الأكبر، لذا سقطوا جميعا فى الفخ وتعروا أمام الشعب، حينما أجبرتهم لحظة التمكين التى اعتقدوا فيها أن الوقت قد حان للظهور بوجههم الحقيقى كمتلاعبين بالدين وتجار للفتوى، وكان الناس لهم بالمرصاد، يمارسون لعبة الفضح والكشف لإنهاء حقبة سيطرة الشيوخ مستعينين عليهم بسلاح السياسة.
كان للشيخ الشعراوى رحمة الله عليه مقولة يبدو استدعاؤها الآن صالحا، كان يردد دائما: «أتمنى أن لا يصل أهل الدين إلى السياسة»، كان يعرف أن السياسة كاشفة، وأن تلاعب الشيوخ بالسياسة سيكشف تلاعبهم بالدين، وبالتالى ستسقط هيبة رجل الدين، والناس فى مصر على غير ما يعتقد كثيرون طارت العصافير التى شكلت وشما فوق أقفيتهم منذ أزمنة طويلة، وأصبحت عقولهم أكثر قدرة على استقراء المشهد السياسى والتفرقة والمقارنة بين الشيوخ الذين يحرمون ويحللون وفق المصلحة السياسية وهوى الجالسين على مقاعد السلطة.
لا تحتاج إلى باحث لإدراك تلك الحقيقة، ما حدث فى زمن بعد ثورة 25 يناير يكشف لك كل شىء، مواقف سابقة مثل المظاهرات والانتخابات والترشح للمجالس النيابية وتأسيس الأحزاب كانت التيارات السلفية فى مصر وشيوخها يرفضونها ويعتبرونها فعلا من أفعال الكفر وتقليد الغرب، ثم تغير كل شىء بعد الثورة، ورأى المواطنون نفس الشيوخ والتيارات السلفية تعيد تزوير وتظبيط «وتأييف» الدين لإصدار فتاوى تحلل لهم تأسيس الأحزاب السياسية والمشاركة فى الانتخابات، بل وإتاحة مشاركة النساء والأقباط معهم، رغم أن مبررات التحريم لم تتغير بعد، وطرح هذا الأمر على عقول الناس إشكالية وإصدار الفتوى ومببرراته، هل هى علمية أم سياسية؟ لتأتى الإجابة أنها تصدر وفق هوى المصلحة، مصلحة الشيخ أو التيار الذى يستخدمه، فضاعت هيبة الشيوخ وضاع معها هيبة العلم الدينى، فمن من جيل متمرد بعد ثورة يمكنه أن يحترم علما أو شيخا يتغير طبقا لحجم المدفوع من أموال.
أيضا التحولات السريعة التى حصلت لكثير من المواقف السياسية السلفية لا يمكن وصفها بأنها طبيعية، لأنها وقعت فى زمن قياسى، ولم يسبقها نقاش عميق، خصوصا ما فعله شيوخ الإخوان وحزب النور ومحمد حسان وحسين يعقوب وغيره، وكانت تلك التحولات التى مهد لها الشيوخ طوال الوقت بآراء فقهية وفتاوى مغايرة ومتناقضة مع ما كان معلنا مسبقا خلقت قناعة فى وجدان الشارع المصرى.
بواعث إصدار الفتاوى ليست دائما علمية تأصيلية بل سياسية مرتبطة بالمصلحة، فارتباط العلماء بالسلطة أو تيارات سياسية بعينها جعلهم يعملون على استقرارها على حساب الشعوب، بل على حساب الدين وقيمه، من هنا كان السقوط الأخير لهيبة رجل الدين، والنهاية الأبدية لفكرة الشيخ النجم.
ساهم فى تسريع عملية الانهيار لفكرة الشيخ السياسى أو الشيخ النجم، مواقف الشيوخ الذين قدموا أنفسهم كثوار بعد 25 يناير، بينما كل مواطن فى مصر كان يتذكر جيدا آراءهم وفتاويهم المناصرة لنظام مبارك، تحليل العلاقة أيضا بين شيوخ التيار السلفى وسلطة مبارك ساهم فى التبكير بنهاية زمن المشايخ، كان النظام فى مصر قبل الثورة حريصا طول الوقت على تعديد وتنويع مصادر دعمه، وتجهيز كارت بديل إذا احترقت الكروت التى يدافع بها عن نفسه، كان طبيعيا جدا، وفى ظل عدم ثقة الناس فى المؤسسة الدينية الرسمية وموقفها السياسى، أن تصدر آراء وفتاوى من تيارات دينية أخرى سلفية أو غيرها، تدعم نظام مبارك وتصف وبشكل أكثر وضوحا أعداءه بالكفر والخيانة والإثم، مثلما قال أحد مشايخ السلف فى مصر، محمد سعيد رسلان وفى عز مظاهرات المعارضة فى وسط البلد عام 2005 الكلام التالى:
عمرو خالد
«لم يقل واحد من علماء أهل السنة- باختلاف طوائفها من حق وباطل-بجواز الخروج على الحاكم.. والخروج يشمل الكلمة، كما يشمل الكتابة، كما يشمل الخطبة بالتهييج، كما يشمل الثورات، كما يشمل الاعتصامات والمنشورات والمظاهرات، كل ذلك مخالف لاعتقاد أهل السنة، لم يقل به عالم من السلف ولا من الخلف».
وهكذا تحول المعارضون والمشاركون فى مظاهرات مصر إلى خارجين عن الدين، وعن المذهب السنى طبقا لكلام الشيخ رسلان، الذى جاء بعده الشيخ محمود عامر، رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية بدمنهور، ليفتى فى الناس بأن الرئيس مبارك لا بد أن يسبق اسمه لقب أمير المؤمنين، ثم أعلن تأييده لعملية التوريث داعيا من يرفضها إلى ضرورة العودة إلى رشده، ثم جاء الشيخ يوسف البدرى ليساهم فى اللعبة بفتوى تصف الداعين للإضراب بالغوغاء والدهماء، وحرم الإضراب ومطالبة الرئيس بالاستقالة.
لم يكن هناك أحد فى مصر يريد من الشيوخ أمثال الحوينى والقرضاوى وحسان ويعقوب وبرهامى وأنور وعبدالمقصود وما خلفهم من تيارات وأتباع سوى الآتى:
1 - احترام الرأى الآخر ومبادئ الديمقراطية.
2 - احترام الحريات الشخصية وما يكفله القانون والدستور من حقوق.
3 - احترام العقائد الدينية والمذاهب الأخرى.
4 - احترام مبدأ تداول السلطة وإعلاء شأن صندوق الانتخاب.
كان هذا ما نريده من الشيوخ حينما قرروا أن ينزلوا ملاعب السياسة، ووعدوا هم بذلك بل وشرعنوا تلك المطالب فى خطب عصماء خلال اللحظات الأولى لما بعد الثورة، تلك اللحظات التى كان يحاول الجميع فيها استمالة الشعب المصرى، ولكن الشيوخ المصدر الأكثر ثقة لملايين المصريين خالفوا ما وعدوا به، وفى مصر لا يحترم أحد هؤلاء الذين يعدون ويخلفون، يعلمون أن تلك علامة من علامات النفاق التى ذكرها النبى عليه أفضل الصلاة والسلام، وأهل بلدى يؤمنون بأن قداسة رجل الدين أو الشيخ منبعها الاقتداء بالنبى عليه الصلاة والسلام وتعاليمه، وأصلها الوفاء بالعهد، لذا وجدوا فى تناقضات الشيوخ السياسية أكبر دليل على أن نهاية هذا الزمن الذى كان فيه حسان وأصحابه نجوما فى المجتمع يأمرون ويصرخون فيطيع الناس، ليجد المصريون أنفسهم أمام ملخص لحكاية كالتالى: وطن يحترم شيوخه ورجال دينه ويقدسه، ثم يكتشف أهل هذا الوطن أن شيوخهم صامتون بل يتلاعبون ويتاجرون بالدين لخدمة من يحكم، ثم نكتشف جميعا الشيوخ الذين طالما لعنوا السياسية قد فتنتهم لعبتها وألبسوها ثوب الحرام والحلال، ثم عاش الجيل الشاب صدمة صورة شيوخ الدين وهم فوق المنابر يلونها بلون من يحكم ولصالح من يدفع، ثم صدمتنا الحياة بمشاهد لشيوخ طالما تكسبوا الملايين بخطب العفة والأخلاق وهم يشتمون ويردحون لبعضهم أو لآخرين بسبب السياسة، ثم جاءت اللحظة التى تفهم فيها الشعب المصرى أكذوبة لحوم العلماء مسمومة، لأن الشيوخ التى زرعوها فى عقولنا لحماية أنفسهم لم يكونوا علماء، فلا عالم يغير فتواه أو نظريته وفق قيمة المدفوع فى جيبه، وبدأت أهم ثورة فى تاريخ مصر وهى ثورة تعرية الشيوخ، وبداية نهاية زمن الشيخ السياسى، وهو الزمن الذى سنتابع تفاصيله عبر هذا الملف خلال حلقات متتالية، نكشف فى كل حلقة منها قصة سقوط شيخ من النجوم الذين سيطروا على عقول المصريين، ونشروا التطرف والفتنة وأضاعوا هيبة رجل الدين فى نفوس المصريين.
غداً فى الحلقة الثانية.. محمد حسان كبيرهم الذى علمهم الكذب والتلون