من المؤكد أن أى مهرجان لا يخلو من السلبيات ولكن الدورة الخامسة والعشرين من عمر مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى كانت السلبيات فيها أكثر من الإيجابيات على عكس المتوقع لأن هذه الدورة هى دورة استثنائية ودورة يحتفل فيها المسرحيون المصريون باليوبيل الفضى للمهرجان الذى أسسه الفنان فاروق حسنى الوزير الأسبق للثقافة وكان من المفترض أن تكون الأفضل فى عمر المهرجان لكنها لم تكن كذلك لعدة أمور سنسردها بالتفصيل ولكن أيضا لكى نكون منصفين فإن المهرجان يحمل عددا من الإيجابيات القليلة مقارنة بكم السلبيات فى تلك الدورة المقضية.
• تجاهل رموز المسرح التجريبى
أول السلبيات كانت فى تجاهل عدد من رواد ومؤسسى المسرح التجريبى يأتى على رأسهم الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق الذى أسس المهرجان وصنع تاريخه مع عدد من المسرحيين منهم الدكتور فوزى فهمى والمخرج الراحل سعد أردش كما تجاهل المهرجان تكريم نجم كبير مثل الفنان محيى إسماعيل رائد التجريب فى المسرح فقد قدم هذا الرجل تجارب مسرحية تجريبية قبل إنشاء المهرجان نفسه وتحمل تجربته "مسرح الـ 100 كرسى" بدايات التجريب فى المسرح المصرى بما قدم من أفكار وقتها كانت جديدة وغريبة وتشكل تجريب فى شكل ومضمون المسرح المصرى حتى أن الناقدة الراحلة الدكتورة نهاد صليحة كانت تدرس منهجه وتجربته للطلبة ودارسى المسرح فى الجامعات كما أوضح لنا الفنان محيى إسماعيل نفسه.
• تحويل المهرجان لملتقى عربى وانتفاء صفة الدولية
مفترض أن مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى مهرجان دولى ينتظره الجميع لمشاهدة التجارب المسرحية والاتجاهات الجديدة فى المسرح العالمى للفرق العالمية ولكن وللأسف كانت نسبة المشاركة العربية أكبر بكثير من المشاركة الأوروبية أو الأمريكية أو الآسيوية والأفريقية وغلب على المهرجان الوجوه العربية ضيوفا وعروضا فتحول المهرجان الدولى لملتقى عربى يجمع المسرحيين العرب باستثناء عدد قليل جدا من الضيوف الأجانب حتى أن اثنين من المكرمين الأجانب اعتذروا عن الحضور لتكريمهم فى حفل الافتتاح بالإضافة للعروض ذاتها التى تم استدعائها فهى عروض لا تحمل ملامح تجريبية مطلقا ونقطة أخرى مهمة جدا وهى منح ميداليات تكريمية لمن شاركوا فى المهرجان عبر دوراته وتم تكريم 12 مبدعا مسرحيا وللأسف كانوا جميعا عربا ولم يكرم أى مخرج من دولة أوروبية أو من الولايات المتحدة أو من آسيا فأين الفرق والفنانين الأجانب الذين شاركوا فى الدورات السابقة أليس من المنطقى استدعاء عدد منهم لتكريمه حتى لا يكون الختام كأنه ختام لمهرجان عربى وليس دوليا.
• أين المواطن المصرى والجماهير من المسرح التجريبى؟
هدف أى مهرجان فى أى دولة هو تقديم منتج ثقافى سواء مسرحى أو سينمائى أو غنائى على حسب نوع المهرجان للجمهور العادى وللمواطن فى أى دولة يقام على أرضها المهرجان ولكن حتى الآن لم يصل مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى للمواطن المصرى ولأفراد الشعب فهو مازال مهرجان نخبوى يشاهده المتخصصين فى المسرح ويتبادلون النقاش فيما بينهم ولم يشهد عرض مسرحى واحد حضور جمهور عادى من افراد الشعب المصرى الذى من المفترض ان ميزانية هذا المهرجان تقتطع من ضرائبه التى يدفعها فمتى سيشعر المواطن المصرى بوجود مهردان دولى على أرضه يذهب لمشاهدة عروضه مثلما هو فى مهرجان أيام قرطاج مثل الذى يتهافت على حضوره المواطنين التوانسة العاديين وغير المتخصصين فقد وصلت هنا الخدمة الثقافية للشعب وحقق المهرجان غايته ونتمنى أن يحدث هذا مع المهرجان فى دوراته المقبلة مثلما كان من قبل.
لا توجد دعاية كافية للمهرجان فى شوارع القاهرة أو فى الجرائد فالآلة الإعلامية داخل المهرجان معطلة أو تعمل ببطء شديد ولم نجد حتى وكالات الأنباء الدولية تنقل وقائع المهرجان على عكس ما كان فى الدورات السابقة قبل إضافة كلمة المعاصر فقد كانت كل الوكالات والفضائيات تتصارع وتتهافت على تغطية هذا الحدث الجلل.
مازال إصرار إدارة المهرجان على إلغاء صفة التسابق تفقد المهرجان بريقه فالكثير من الفرق المسرحية الدولية والعروض المسرحية المهمة تعتذر وترفض الحضور حيث انه لا يوجد حافز لحضورها فما الداعى للحضور من أجل العرض فقط والمهرجان لا يوفر لهم تذاكر الطيران ولا أى ميزانية لنقل العرض وبالتالى تتكلف الفرق المسرحية أموالا بلا حافز ولا دعم وبالتالى تأتى الفرق الضعيفة وتعتذر الفرق المهمة.
• تكرار الوجوه وغموض معنى المعاصرة
من سلبيات المهرجان أيضا عدم التجديد فى الوجوه المسرحية العربية والضيوف فغالبا نفس الضيوف الذين حضروا الدورة الـ23 هم نفس الضيوف الذين حضروا الدورة الـ24 وحضروا أيضا دورة اليوبيل الفضى.
مازالت كلمة "المعاصر" التى تمت إضافتها لعنوان المهرجان ليس لها معنى ولا وجود داخل المهرجان فما معنى المعاصرة ؟ كلمة غامضة وضعها القائمين الجدد على المهرجان لمجرد الإضافة لأن أى عرض يقدم فى اللحظة الآنية هو معاصر فما الداعى إذن لإضافة الكلمة سوى التقعر والحزلقة ومجرد إثبات أننا أضفنا شيئا جديدا للمهرجان بعد عودته.
قبل أن يبدأ المهرجان دشنت إدارته ما يسمى بذاكرة المهرجان وهى عبارة عن إعادة بعض العروض المسرحية التى نالت جوائز وكانت مميزة فى الدورات السابقة عبر شاشة فى قاعة ولكن كانت هذه العروض خالية من الجمهور ولا يحضرها سوى 3 أو اثنين من المتخصصين أيضا فى المسرح ويتم عقب كل عرض مناقشة العمل ويستمر النقاش المتخصص بين الجالسين على المنصة بدون جمهور وكأنهم يتحدثون بعضهم لبعض فما الهدف من تلك العروض لم يعرف أحد وكيف نشاهد عملا مسرحيا عبر شاشة؟ فمن المؤكد أن ذلك يفقد العمل الكثير من جمالياته فالمسرح لا يشاهد إلا فى المسرح ويكون العرض حى بممثلين وليس عبر شاشة.
• إعادة عرض "قهوة سادة" و"الطوق والأسورة" من الإيجابيات
إيجابيات المهرجان لم يخل منها فمثلا إعادة العروض المسرحية التى فازت فى المهرجان فى الدورات السابقة كانت فكرة جيدة خاصة أن تلك العروض كان منها عرض "قهوة سادة" للمخرج خالد خلال الذى شهد نسبة حضور كبيرة جدا فى المسرح القومى وأيضا عرض المخرج ناصر عبد المنعم "الطوق والأسورة" كان إعادة عرضه من إيجابيات المهرجان.
وهناك عدد قليل جدا من العروض المسرحية كانت مميزة وحققت نجاحا كبيرا وتلقاها الجمهور بردود أفعال إيجابية ومنها مثلا العرض التونسى "العنف" للمخرج فاضل الجعايبى وبطولة الفنانة جليلة بكار وفاطمة بن سعيدان فهو تجربة مهمة تحمل ملامح الكثير من التجريب فى المسرح لمخرج مهم من أهم مخرجى المسرح فى الوطن العربى.
آخر الإيجابيات كان الافتتاحية التى قدمها المخرج خالد جلال فى حفل الافتتاح والتى كانت مبهرة وقدمها بطلبة مركز الابداع فى الدفعة الثالثة فقد اختار مقاطع من المسرح المصرى والعربى والعالمى ونالت تلك الفقرة استحسان الحضور وأيضا الفقرة القصيرة التى قدمها فى حفل الختام كانت مميزة كعادته دائما فى تقديم الأفكار النيرة والرؤى الإخراجية المبهرة.