هل ثمّة علاقة متجذّرَة بين الجماعات الإسلامية المتطرّفة وبين "المخدرات" وعالم النساء/ الحُوريّات؟!
لعلّه سؤالٌ مثيرٌ، ولا سيّما إذا ربطنا بينه وبين عبارة "سِحْر الشَّرق" التى ردّدها، ولمّا يزل، الغربيون والمستشرقون حول الشرق، وكذا إذا ربطنا بين ذلك السؤال وتلك الأخبار التى نقلتها التقارير الصحفية، منذ تسعينيات القرن الماضى، حول تجارة الحشيش السريّة، التى باشرها كل من (حزب الله) فى لُبنان وتنظيم (طالبان) المتطرّف فى أفغانستان!
دور تجارة «الحشيش» والمخدرات فى اقتصاد «حزب الله»
أكدت تقارير متواترة أن حزب الله إنما يعتمد فى تمويل جزء عظيم من مصادره المالية وأنشطته على زراعة مخدّر "الحشيش/ القنب الهندى” فى سهل البقاع اللُّبنانى، حتى إننا رأينا ورأى غيرنا، غير مرة، لقطاتٍ وصورًا لأنواعٍ فاخرةٍ من الحشيش مختومةٍ بأختام تحمل (شعار) ذلك الحزب، وفى الوقت الذى اتخذت فيه الحكومة اللبنانية، وقتذاك، قرارا بإتلاف مزارع الحشيش فى سهل البقاع، إذا بها تواجه مقاومة عنيفة من مسؤولى حزب الله، إلا أن استخدام (حزب الله) اللبنانى لمخدّر "الحشيش" وغيره كالكوكايين، لا يتعدّى الإفادة من حصيلة بيع تلك المواد المخدرة لتمويل نفقات الحزب، وتأمين وجوده داخل الحياة السياسية والعسكرية فى لبنان، خاصة وهو يواجه إسرائيل، ومن نافلة القول أن مجلس النواب الأمريكى كان قد أعلن أن تجارة المخدرات تمثّل 30 % من مداخيل حزب الله، وتبحث الحكومة اللبنانية، الآن، مشروع قانون يسمح بزراعة الحشيشة وتداولها رسميا لأغراض طبية!
الأمرُ فى حقيقته جدّ مثيرٍ، ومُدهِشٍ، وجديرٍ بالقراءة والبحث؛ لأنه يتعلّق بعوالمَ ساحرةٍ، تمتزج فيها الأساطير بالحقائق، مع وجود نوازع دينية إسلاموية متضخمة، تجعل من جِنان "الحشيش" على الأرض مُعادِلا موضوعيًّا لجِنان السماء، التى وعدها اللهُ المتقين الصالحين من عباده يوم القيامة، حتى لكأنّ مخدّر "الحشيش" صار مُعبّرا عن "الجهاد" وطقوس الاغتيال والانتحار، إذ أرجع كثيرون إقدام وجسارة الإرهابيين على عمليات "الاغتيال" الطقوسى، وكذا العمليات "الانتحارية"، لم يكن ليتمّ إلا بسبب وقوع أولئك الإرهابيين تحت تأثير مخدّر "الحشيش"، فالحشيش هو الذى يجعل من ذلك الإرهابى كائنا مسلوب الإحساس (الزمكاني)، خاضعًا لخيالات وأوهام الجنة الأرضية التى ذاق حلاوتها بفعل تعاطيه ذلك المخدّر، فخرج من حالة الوعى إلى حالة اللاوعى، مدفوعا إلى الانتحار لأجل عقيدته وبلوغ جنّته السماوية التى وعدها الله إيّاه!
تنظيم «داعش» وتجارة وتهريب الحشيش
ومع ظهور تنظيم (داعش) الإرهابى، الذى ورث التّرِكة الدموية من تنظيم (طالبان)، صدرت طائفة من التقارير الإخبارية المدعومة استخباراتيا، مؤكّدة وجود علاقة وثيقة بين تنظيم الدولة (داعش) ومخدّرى الحشيش والكبتاغون، سواء بالإتجار أو بالتعاطى، فقد نشرت كثير من الصحف الأجنبية والعربية تقارير متعددة حول علاقة تنظيم الدولة بتهريب الحشيش إلى أوروبا، أو انتفاعه من تجارته، من خلال فرض ضرائب على المهربين، الذين يقومون بنقله من حقول زراعة الحشيش فى المغرب، عبر الأراضى الليبية والمغربية، ومنهما إلى أوروبا، إيطاليا وإسبانيا على التخصيص، ولعلَّنا لا ننسى بقايا "الحشيش" التى خلّفها تنظيم داعش، وذلك إبان طرد عناصره الإرهابية من بلدة دابق بريف حلَب، شمال غرب سوريا، ما يعنى أن سيطرة التنظيمات الإرهابية تلك، أن كان (داعش) الآن، وإنْ كان (طالبان) قبل ذلك، إنما محوره ليس السيطرة بالعقيدة وحدها، بل أن تلك التنظيمات لا تمانع فى السيطرة على عناصرها بتعاطى المخدرات، كعنصر مساعد يعزّز مقدرتهم على خوض غمار المعارك ببسالة وجسارة غير معهودتين، وفوق ذلك فإن تعاطى المخدرات يجعل الإرهابى شبحا يفتقد الإحساس بالزمان والمكان، ويُخرجه من حالة الوعى إلى اللاوعى، الأمر الذى يجعل السيطرة عليه أبلغ وأوقع، كما يجعله مِقدامًا جسورا وهو يقوم بعملية انتحارية أو اغتيال طقوسي!
جذور السيطرة بالحشيش والحور العين على أدمغة الإرهابيين
وليست التنظيماتُ الإرهابية المتطرفة فكريّا كطالبان قديما وداعش حديثا، ببدعٍ من استخدام "الحشيش" فى تحريك هِمَم عناصرها تجاه جنة الخُلد فى الآخرة، بعد إذ تستخدم "الحشيش" وسائر ألوان المخدّرات فى خلق جنة أرضية تحفّزهم للقتال والذبح وتفجير الأجساد باسم المقدّس، بل أن للحكاية جذورًا مثيرة، ترجع إلى نحو القرن الحادى عشر الميلادى، حيث جماعة الحشّاشين وشيخهم "حسن الصباح"، وكانت هذه الجماعة أول من ابتكر فكرة الاغتيال الطقوسى والتضحية بالنفس تحت تأثير تعاطيهم مخدر الحشيش الذى يسلب وعيهم ويُعظّم من خيالاتهم التى تجعلهم أسهل انقيادا لشيخ الجبل، الذى يهيّئ لهم جنة أرضية يشربون فيها الخمر والعسل، ويلعبون مع فتيات جميلات يحسبونهم من الحور العين، مما يحفّزهم للتضحية لدخول تلك الجنة التى أُعدّت لهم إذا ماتوا فى سبيل عقيدتهم، حتى إنهم لجسارتهم وإقدامهم شغلوا عقول الأوروبيين فى العصور الوسطى، فدخلت كلمة الحشاشين إلى اللغات الأوروبية بمعنى اغتيال سياسى Assassination، كما كان حظّهم من الرّحالة الإيطالى، "ماركو بولو"، أن كتب عنهم وعن قلعتهم (آلَمـوت/ عش النسر) فى يومياته !
شكّك كثيرون فى رواية "ماركو بولو" عن الحشاشين وشيخ الجبل، ولا سيما أن "بولو" نفسه لم يكن قد ولد بعد عند تدمير قلعة آلَموت عام 1256، كما خلَت كتب المؤرخين، السُّنَّة والشيعة على السواء، من تلك الرواية، حتى إنهم رأوها من بنات خيالات ذلك الرّحالة، ولعل ذلك هو الحق لكن ليس على إطلاقه؛ ذلك أن رواية الرحالة الإيطالى لم تخلُ من حقيقة شدة تأثير وسيطرة "حسن الصباح" على أتباعه، الذين عُرفوا بالفدائيين أو (الفِداوية)، الذين يفتدون شيخهم وعقيدتهم بأرواحهم، فينتحرون فى سبيلهما دون اكتراث لذلك!
إن رواية "ماركو بولو" لا تصمُد بالفعل أمام التأصيل والتجذير للكلمات ( الإِتِيمُولُوجْيا)؛ فليس ثابتًا حتى الآن من أين جاءت كلمة "الحشاشون"؟! وهل المراد بتلك الكلمة مخدّر الحشيش (القنب) أم نبات الحشيش (أكل الدواب)؟! لكننا نجد مؤرخا فى القرن الثالث عشر الميلادى كأبى شامة المقدسى، يصف (النزاريين) بالحشاشين، غير أن بعض المدافعين عن جماعة شيخ الجبل قد ادّعوا أن المقدسى إنما كان يقصد بتلك الكلمة "الهامشيون" ممن لا قيمة لهم فهم كحشائش الأرض، ولم يقصد أنهم الذين يتعاطون الحشيش، وهو قول لا دلالة لغوية عليه، خصوصا أن مؤرخا آخرَ مثل كمال الدين بن العديم فى كتابه (زبدة الحلب من تاريخ حلب 3/777) يصفهم بالإثم والفسوق.
لا يوجد أى دليل يبين أن الحشيش أو أى عقّار آخر كان يستخدم بأى نموذج منظم ليحفز الفدائيين، الذين جندهم الإسماعيليون النزاريون، لكن مما لا شك فيه أن لرواية «ماركو بولو» أصلا، ولو من الذاكرة الشعبية آنذاك.