الرمزية فى السينما هى القدرة على إيصال معنى آخر عن الذى توضحه الصورة أو الحوار، هى فن توظيف جميع مفردات العمل الفنى لتحرير الصورة السينمائية من ورق المؤلف، حيث دائمًا ما يكون فى ذاك النوع من السينما خطان متوازيان، خط القصة بأحداثها وترابطها وخط الرمزية ومخرج بارع ينتقل بسلاسة ما بينهما ليصل إلى هدفه، المخرج العالمى «يوسف شاهين» كان من أبرز الأمثلة التى قدمت معظم أعماله الفنية بتلك الطريقة.
تجد فى أعمال «يوسف شاهين» مزيجًا من الواقع الذى صاغه المؤلف ورسم شخصياته والرمز الذى يجب إبرازه بعناية فائقة، برع فى تقديمها من خلال استخدام جميع أدوات السينما لتخدم فكرته، مثل السيناريو والحوار، زوايا التصوير، الديكور، الإضاءة، الموسيقى، والأداء، وكثير من الجماهير بل وأشد معجبيه كان لا يفهم الرمز الذى يريد إيصاله من خلال أعماله الفنية.
توفى المخرج العالمى «يوسف شاهين» تارك لنا علامات استفهام كثيرة حول أعماله، أو بمعنى أخر اختلاف الاراء والفهم حول ما قدمه، والتى غالبًا ما تكون جميعها صحيح، اما عن السائد فكان عدم الفهم للفكرة من الأساس، على سبيل المثال واحدا من أهم أعماله السينمائية التى قدمها لنا، والتى تعيد سينما زاوية إحيائها بعد ترميمها فيلم «اليوم السادس»، والذى تم رؤيته بوجهتى نظر مختلفتين.
أثناء مشاهدتى لهذا الفيلم، الذى تدور قصته عن أم وزوج كسيح وطفل صغير، اكتشفت إصابته بالكوليرا وكان عليها أن تداويه فى الخفاء، حتى لا يراه أحد ويبلغ عنه السلطات ويتم وضعه فى الحجز الصحي، ويموت هناك مثل بقية الناس، وقدمت تلك القصة إلينا من خلال 3 أجيال.. جيل الجد والأب والحفيد.
توصل لى أنه قدم برؤية تلك الاشخاص لنا بعض المعانى هى... الجد كسيح جالسا لا حول له ولا قوة، مشيرًا أنه لا يملك المقدرة للوصول إلى هدفه، رمز اليه بجيل فتحت لبعض مثقفيه ومعارضيه المعتقلات، وأخذت أبواب الإعلام الموجه طريقها للجهلاء لغسيل المخ، وكانت المحصلة الطبيعية لهذا الجيل وشهادة وفاته هى نكسة 1967، فعندما سمع اخبار النكسة سحب بعصاه وابور الجاز، وأشعل الغرفه وهو فيها.
الجيل الثالث الطفل الذى حملته الأم لتحميه من الموت بمرضه، كان الحل ليشفى أن يذهب إلى البحر وهو رمز الحرية، هكذا أراد المخرج أن يعلمنا أن الحرية سوف تشفينا من أمراض مجتمعنا الناتجة عن جيل كسيح لم ينطق أبدًا على الظلم، وجيل احترف اللعب على الحبال والتلون بجميع الالوان للحصول على الجنيه، وكان النتاج جيل مريض لم يمت ولكن هناك أمل بالشفاء اذا رأى الحرية، وتمثلت تلك اللقطة فى المشهد الأخيرة من خلال نظرة الطفل عند رؤيته للبحر.
فى سياق آخر رأى الناقد الفنى «طارق الشناوى» الفيلم بوجهة نظر أخرى تتناسب أيضًا مع الفيلم بشكل كبير، بالرغم من إعرابه عن عدم انحيازه لذلك الفيلم، لأسباب كثيرة منها بطلة العمل المطربة داليدا، حيث أنه يرى أنها لم تكن تصلح لهذا الدور، بسبب لكنتها غير المصرية بنسبة 100%.
أما عن ما يتضمنه الفيلم قال «الشناوي» فى تصريح خاص لـ«عين»، أن فيلم «اليوم السادس» كان يتحدث عن حقبة زمنية معينة من تاريخ مصر وفى مرحلة كانت فارقة جدًا، ألا وهى انتشار وباء مخيف وهو «الكوليرا» ولم يكن له علاج، ومن خلال ذلك كشف شاهين عن ما يحدث نفسيًا للإنسان أمام المرض الشرس والوباء الذى يحصد الأرواح، مؤكدًا على فكرة أن يوسف شاهين افلامه يفهمها كل شخص حسب رؤيته وليس لها تفسير واحد فقط».