عانى المصريون فى فترات مختلفة من تاريخ البلاد، ويلات الغزو، ومآسى الاستعمار، بعضهم كانت علاقته بالمحتل عداء وكراهية، بينما حافظ البعض على مسافة من الود، وإقامة العلاقات من أجل مصالح تجارية، بينما قدم آخرون فروض الولاء والطاعة، وارتموا فى أحضان ذلك المحتل، ليوصمهم التاريخ والمصريين معا بالخيانة.
وتمر اليوم الذكرى 217، على خروج آخر جنود الحملة الفرنسية عن البلاد، بعد فترة احتلال دامت لنحو أكثر من 3 سنوات كاملة، تاركين خلفهم حكايات وقصصا كثيرة، كان أبطالها شخصيات مصرية، تناقضت علاقتهم ما بين الصداقة والعداوة، وأحيانا الزواج والنسب، ذكرت فى العديد من الكتب والمراجع التاريخية.
وخلال التقرير التالى، نسلط الضوء على عدد من الشخصيات، التى ارتبطت بحكايات مع جنرالات الحملة الفرنسية، يتبين فيها هذا التناقض فى العلاقة كما ذكر سالفا.
نفسية البيضاء
واحدة من السيدات التى ورد اسمها فى أحداث تاريخية عن تلك الحقبة من تاريخ البلاد، وبحسب كتاب "المقاومة الحضارية: دراسة فى عوامل البعث في قرون الانحدار" للكاتب هانى محمود، فإن السيدة نفيسة، والمعرفة بـ نفسية المرادية، زوجة على بك الكبير، ومن بعده مراد بك، كانت على جانب عظيم من التثقيف والتهذيب، إلى جانب روعة فى الجمال وسمو فى العواطف، جعلها تكسب احترام الجميع، واجتذاب قلوب الشعب، لما اشتهرت به من البر والإحسان و رفع المظالم، وحماية الضعفاء وإيواء الفارين من ظلم الحكام، فعظمت مكانتها بين الشعب وسرت شهرتها الأوساط الأوربية، وعرف عنها الميل إلى تنشيط التجارة والصناعة ومعارضة البكوات المماليك فى سلب أموال التجار؟
كانت أهدتها الحكومة الفرنسية قبل الحملة ساعة مرصعة قدمها لها القنصل مجالون، ولكن حين جاءت الحملة الفرنسية صارت السيدة نفسية غرضا لفرض الإتاوات والغرامات، حتى اضطروها للتنازل عن الساعة، واعتبر حينها تنازل شريفا، كما ذكر عنها أفعالها فى الإغاثة ورفع المظالم عن المظلومين.
خليل البكرى
على النقيض من السيدة نفيسة يأتى ذكر الشيخ خليل البكرى الصديقى، سليل آل البكرى من الأشراف، والذى تولى نقابة الأشراف بمصر فى عهد الحملة الفرنسية خلفا للسيد عمر مكرم، وبحسب ما يذكره كتاب المؤلف هانى محمود، سالف الذكر، حيث سلك البكرى المسالك الشائنة فى تعامله، واشتهر بموالاته للفرنسيين وشدة تداخله معهم، ونال عندهم مكانة عظيمة، وكان عضوا بارزا فى الديوان الذى شكله الفرنسيون لمساعدة السلطة العسكرية الفرنسية على إدارة شئون البلاد، كما كانت لابنته زينب تصرفات على نفس خطى والداها، بسبب كثرة علاقاتها المشبوهة مع الفرنسيين وعلى رأسهم نابليون بونابرت، ولكل هذه التصرفات ثار عليه العامة أهانوه، وعزل عن نقابة الأشراف بعد جلاء الحملة وعودة العثمانيين.
المعلم يعقوب
اختلف المؤرخون فيما بينهم على شخصية المعلم يعقوب، لكن ربما أغلب المراجع التاريخية ذكرته على إنه خائن وعميل لصالح الفرنسيين، ويذكر كتاب "جمهورية الفوضى: قصة انحسار الوطن و انكسار المواطن"، للكاتب ياسر ثابت، بأن المعلم يعقوب، هو يعقوب يوحنا، قبطى، من مواليد ملوى بالمنيا عام 1745.
عرف بصداقته للجنرال ديزيه، ومساعدته فى حملته لمطاردة جيش مراد بك، لتدبر أنواع المكر والخداع وأطلعهم على الخبايا والحيل من أجل القبض عليه، مستغلا عمله مع المماليك من قبل ومعرفته بخططهم، بل أنه نظم شبكة من الجواسيس والعلماء لجمع المعلومات عن مراد بك، كما مهد للحملة الحصول بسهولة على أموال المصريين، وتحول سريعا إلى مستشار ديزيه الشخصى.
وتشير المراجع إلى أن يعقوب، كان يجمع الضرائب من أهالى الصعيد مستعملا أبشع وأعنف الوسائل لتحصيل الجباية، حتى أطلق عليه الأهالى حينها الجنرال يعقوب، كما انحاز للجانب الفرنسى عند قيام ثورة القاهرة الثانية، بل أن المصادر الفرنسية تذكر إنه قاتل ببسالة وحماس، أثارت تقدير كليبر، وعند خروج الحملة خرج معها ومات أثناء الرحلة ودفت فى مارسيليا.
زبيدة البواب
هى زبيدة بنت محمد البواب الميزونى، أحبها الجنرال مينو قائد الحملة الفرنسية، أثناء توليه حكم رشيد أثناء تواجد نابليون بونابرت، وبحسب ما يذكر فى كتاب "رشيد" للكاتبة جيهان ممدوح مأمون، يقال أن مينو أحبها حبا شديدا، واعتنق الإسلام واطلق على نفسه اسم "عبدالله"، ووالدها كان تاجر من أعيان رشيد، سبق لها الزواج من سليمان آغا أحد أثرياء المماليك، لكن لم يدوم الزواج لأكثر من عام، حتى تزوجت مينو وكانت ابنة 18 عام، بينما مينو 48 سنة، وتوجد صورة من عقد الزواج بمتحف رشيد، وعند مغادرة الحملة غادرت رشيد مع زوجها الجنرال، وكانت حاملا فى شهرها الثالث، وظلت هناك حتى وفاتها، بينما يذكر بعض المؤرخون إنها لم تغادر مصر، بعضهم اكد عودتها بعد سفرها لفرنسا بأعوام قليلة.
عمر مكرم
من اكبر زعماء حركة المقاومة ضد الفرنسيين وأعظمهم نفوذا وأرفعهم كلمة، وبحسب ما كتاب "أم المماليك للكاتب نجيب توفيق، فأن الزعيم الشعبى كان نقيبا للأشراف قبل مجىء الحملة الفرنسية، وقاد الجيش الذى حارب الفرنسيين فى معركة الأهرام (إمبابة)، وبعد فوز الفرنسيين، حاولوا ضمه، واختاروا عضوا بالديون الأول، لكنه رفض وهاجر إلى سوريا كنفى، ولما احتل نابليون يافا امر بعودته، فقاد المصريين فى ثورة القاهرة الثانية، ثم هاجر مرة أخرى عن مصر، إلى أن عاد بعد جلاء الفرنسيين، فزادت مكانته فى قلوب المصريين.