وسط مجموعة من الأصدقاء جلسنا، نتبادل الاعترافات المضحكة والغريبة والطريفة حتى عدنا باعترافاتنا للطفولة، ظن أحدنا أنه سيعترف بأكثر فكرة حمقاء سيطرت على خيال طفل لسنوات طويلة، وسلبته النوم ساعات وساعات "كل ما أنام كنت بحس أن فى وحش هيسحبنى من رجلى لو خرجت من الغطاء" ننفجر جميعنا فى الضحك ونندهش من أننا تقاسمنا نفس الخاطر المرعب دون أن نعرف كيف زرعت هذه الفكرة فى رؤوسنا ولا كيف سيطرت علينا حتى سن الشباب.
لم يكن لهذا الوحش القابع عند أطراف سريرنا أصل نذكره من قصص الأهالى المرعبة كـ"الشمامة" ولا "أبو رجل مسلوخة" ولا "النداهة"، ولكنه سكن العقل الباطن لأجيال كاملة، وربما لا يزال مسيطرًا على أذهان الأطفال إلى الآن ويخشون أن يفشوا سره كى لا يهاجمهم.
على عكس هذا الوحش الغامض الذى زار كوابيس جميع الأطفال تقريبًا دون أن نعرف له اسمًا هناك العشرات من الوحوش والمخلوقات الخيالية التى استوطنت أذهان المصريين وأثارت فى نفوسهم الرعب لسنوات طويلة، والتى تنوعت بين تلك الوحوش التى ابتكرها الأهالى منذ قديم الزمن لتأديب أطفالهم وتخويفهم ولكنهم يعلمون جيدًا أنها خيالية، وتلك التى ارتبطت بتراث شعبى من الرعب وأسطورة لا يعرف أحد حلها إلى الآن.
وربما إلى جانب هذه الأساطير تبدو لنا كل أيقونات الرعب الغربية فى "الهالووين" مضحكة وغير مخيفة.
أساطير الطفولة.. الشمامة وأبو رجل مسلوخة وأمنا الغولة
لا يمكن أن نحكى عن الرعب دون أن نبدأ بتلك الأساطير المرعبة التى غرست فى نفوسنا منذ الطفولة والتى ابتكرها الأهالى لتخويف الأبناء وإجبارهم على الطاعة دون الكثير من الجدل والمناقشات، وخصصوا وحشًا لكل مهمة، فـ"الشمامة" هى ذلك المخلوق الأسطورى الذى يتولى عقابك إذا أهملت تنظيف فمك وأسنانك قبل النوم. ولم يحددوا لها شكلًا وإنما تركوا كل طفل يرسمها بخياله، هم فقط تحدثوا عن حاسة الشم القوية التى أكسبتها اسمها، والتى تدل على مهمتها الليلة، فهى تزور الطفل أثناء نومه لتشم فمه وتتأكد من نظافته وإذا لم تجده نظيفًا ستعاقبه. لم يتحدث الآباء أبدًا عن عقاب الشمامة وهذا جعله أكثر رعبًا بالنسبة للأطفال فكان التهديد الأكبر أن "تشمك الشمامة" دون أن يعرف أحد ما يمكن أن تفعله بك.
أما "أمنا الغولة" و"ابو رجل مسلوخة" فتتغير أدوارهما أحدهما يعاقب من لا يطيع والديه والآخر يأكل الطفل أن لم يتناول طعامه، وأحيانًا يقبعا أمام باب المنزل إذا فكر الطفل فى المغادرة، أو فى الغرفة التى يحظر على الطفل دخولها.
ولم يوضح الأهالى شكل الوحشين أيضًا ولكن هناك بعض الملامح المتفق عليها فى كل منهما، فأمنا الغولة هى امرأة فظة ضخمة ذات شعر أشعث كثيف، أما أبو رجل مسلوخة فيتخيله الأطفال رجلًا متوحشًا يعرج بإحدى قدميه ومستعد لالتهام أى طفل، على الرغم من أنه فى الأسطورة الأصلية كان طفلًا. وتقول أسطورة "أبو رجل مسلوخة" أنه ولد بتشوه فى إحدى قدميه، وهو ما دفع والدته لإخفاءه سنوات طويلة عن الناس وفى المرة التى خرج فيها مع والدته شعر الأطفال بالرعب منه فغضب منهم وأصبح يخطفهم ويقتلهم.
السلعوة.. رعب أصله فرعونى تجدد فى التسعينيات
فى نهايات التسعينيات كانت الأسرة تلتف فى المساء أمام التلفزيون فى موعد مقدس لمشاهدة برنامج "حديث المدينة" الذى كان يعرض قصصًا وحوادث مشوقة ومهمة إلى جانب حوار مع أحد المسؤولين.
وفى أحد الأيام تحدث البرنامج عن ظهور السلعوة فى بعض المدن والقرى فى مصر. وبدأ الناس يتحدثون فى كل مكان عن السلعوة ووصفوها بأنها مخلوق مرعب يجمع صفات الذئب والكلب والثعلب ذات سرعة فائقة ومكر شديد وقدرة مرعبة على الاختفاء، وتهاجم الناس بضراوة فتقتل وتصيب العشرات ولديها جرأة تجعلها تقدم على مهاجمة الناس فى البيوت أيضًا.
ونشرت الصحف صورًا لمجموعات من السلعوة بعيون تومض فى الإضاءة الخافتة ومنظر مرعب.
لم يعرف وقتها أحد أن الكثير مما تردد عن السلعوة مرتبط بأسطورة قديمة ترجع لعهد الفراعنة حيث كانوا يقولون أن هذا المخلوق يحرس المعابد الفرعونية وينتقم ممن يدنسها.
اللافت، وفقًا لبحث أجراه "إياد العطار" مؤسس موقع "كابوس" للرعب العربى، أن هناك تشابه كبير بين أسطورة السلعوة المصرية والعديد من الأساطير حول مخلوقات بالصفات نفسها مع اختلافات طفيفة فى التاريخ العربى القديم والتاريخ الغربى أيضًا، فكانت السلعوة فى التاريخ العربى تظهر فى الصحراء ولديها القدرة على خداع ضحاياها والظهور فى شكل امرأة جميلة قبل أن تظهر على حقيقتها وتفترس الضحية.
ولفت "العطار" إلى أن الجاحظ كتب عن "السعلاة" فى كتاب "الحيوان" وقال أنه اسم واحدة من نساء الجن تفتن الرجال قبل أن تفترسهم.
الحيوانات تسيطر على أساطير الرعب الفرعونية
لم تكن السلعوة هى الأسطورة المرعبة الوحيدة فى عصر مصر الفرعونية وإنما كان هناك الكثير من الوحوش الأسطورية فى التاريخ المصرى القديم غالبيتها لحيوانات كـ"أبو فيس" الذى تخيلوه فى هيئة تمساح بوجه قبيح أو ثعبانًا برأس إنسان أو ثعبانًا ضخمًا. وفى شكل التمساح أيضًا تخيلوا الوحش "أمت" الذى كان له فكى تمساح وجسد فرس نهر وأسد.
"النداهة" أشهر أساطير الرعب فى الريف المصرى
على الرغم من قدم أسطورة السلعوة وغيرها من الأساطير المرعبة إلا أنها لم تكن معروفة على نطاق واسع مثلما عرفت قصة النداهة التى خرجت من الريف المصرى.
وتصف الأساطير النداهة بأنها امرأة فاتنة شديدة الجمال تظهر ليلًا فى الحقول المظلمة وتختار رجلًا من القرية تناديه باسمه مرة بعد أخرى حتى يأتيها مسحورًا ويتبعها إلى المجهول، وفى الصباح يعثرون عليه مقتولًا أو مذهولًا. وفى بعض الأساطير هى لا تختار الرجل وإنما تنادى من يصادفها.
وفى أسطورة مشابهة للنداهة تتعرف على "أم الشعور" التى تقوم بنفس ما تفعله النداهة بالضبط ولكنها تسكن فى ماء النيل، ويمكنها أن تسير فوق الماء وتخطف أى رجل يمشى بالقرب من ضفته لتغرقه فى الماء. ولكن الفارق بين "النداهة" و"أم الشعور" هو أن الأخيرة تبدو من بعيد جذابة لكنها ليست جميلة وإنما تحمل وجهًا قبيحًا وشعرًا طويلًا جدًا وأظافر طويلة كذلك. ونظرًا لأنها لا تظهر إلا فى ماء النيل فقد ربطت الأسطورة بين "أم الشعور" وبين "عروس النيل" التى كان قدماء المصريون يلقونها فى النيل لجلب الفيضان.