تحتاج صناعة التاريخ إلى العديد من الصفات، أهمها الذكاء، فهو كاف وحده فى كثير من الحالات لترك بصمة لا ينساها التاريخ، وعادة لا ينسى التاريخ أى شىء، خاصة من كسر جميع القواعد والقوالب أثناء رحلة صناعة هذا الشخص التاريخ الذى غير ببصمته ملامحه بشكل واضح صنع ضجيجا حتى وقتنا هذا.
استطاعت «شجرة الدر» مشاركة زوجها السلطان الصالح فى رحلته للوصول إلى العرش، كما شاركته الحكم، فكانت نائبته عندما يكون خارج مصر، وظهر ذكاؤها وعبقريتها عندما أخفت خبر وفاة زوجها أثناء الحملة الصليبية السابعة على مصر عام 1249 عن الجيش والشعب، حتى لا تتدمر نفسيتهم ويخسروا المعركة.
لم تكتف «شجرة الدر» بكتمان هذا السر فقط، بل أشرفت بنفسها على الخطة الحربية التى وضعت لصد الاعتداء الصليبى على مصر، محققة انتصارًا مظفرًا على الملك الفرنسى لويس التاسع قائد الحملة سنة 1250، وكل ذلك، ما جعلها أهلا لتولى عرش مصر خلفاً للسلطان توران شاه ابن زوجها بعد مصرعه.
حكم «شجر الدر» لم يستمر أكثر من 80 يوماً بسبب رفض الخليفة العباسى فكرة تولى امرأة العرش، فقررت شجر الدر الزواج من الأمير عز الدين أيبك، والتنازل له عن العرش ظنًّا منها أنه ضعيف الشخصية، وسيسمح لها بالسيطرة على مقاليد الحكم.
أثبت أيبك مكراً وليس ضعفاً، حيث استطاع تحجيم نفوذ شجر الدر والانفراد بالسلطة، كما خطط للزواج من ابنة بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، وهو لم يتقبله طبع وشخصية وطموح شجر الدر فتربصت به وقتلته، غير أنها لم تسلم من مماليكه الذين ألقوا القبض عليها وسلموها لزوجة أيبك الأولى؛ كى تتولى التخلص منها، وانتهت حياة السلطانة العظيمة شجر الدر بمقتلها فى مايو من عام 1257.