قبل 10 سنوات من الآن، ظهرت موضة جديدة فى عالم الأغنية لم تنتشر إلى حد الظاهرة التى يستوجب الوقوف عندها، وكان جمهورها محدود فقط يقتصر على سائقى التوك توك والميكروباص، وأرجع النقاد والفنانون سبب ظهورها إلى الضحالة الثقافية لمستمعيها، ومع الوقت بدأ يتسع صداها لتصل إلى طلاب المدارس والجامعات وتتردد على ألسنتهم، فلا يخلو فرح سواء فى الشوارع أو القاعات الفاخرة من أغانى المهرجانات، وأصبح الأمر ظاهرة توقف عندها الكثير بالنقد والتحليل ولكن دون رادع، وفى يوم وليلة استيقظ المصريون على سجال من نوع آخر على صفحات التواصل الاجتماعى، بطلاه أشباح المهرجانات فى مصر "حمو بيكا ومجدى شطة"، وذاع صيتهما لدرجة فاقت ألمع نجوم الفن فى مصر، وتساءل المتابعون؛ من الجانى؟ هل ضحالة الذوق العام الذى هو آفة زماننا؟ أم هؤلاء الذين يقدمون كل رخيص ومبتذل لتدمير ذائقة المصريين؟
فى السطور التالية، نستعرض آراء 3 من كبار الفنانين حول سبب الظاهرة وطرق مواجهتها فى محاولة للبحث عن الحلقة المفقودة للتصدى للإسفاف والقضاء عليه...
حلمى بكر: أنا مكروه من الناس بسبب التصدى لأغانى المهرجانات
الموسيقار حلمى بكر حمل نقابة الموسيقيين المسئولية فى تصريحات لـ"عين"، وكشف أن النقابة منحت حمو "بيكا" تصريحًا مقابل 3 آلاف جنيه، وإن كنا نبحث عن الجانى فلابد أن نحاكم النقابة والمصنفات.
ورد حلمى بكر على منع "الموسيقيين" حفل "بيكا" بالإسكندرية، قائلا: " النقابة تمنح بيكا تصريحا لكل حفل مقابل 3 آلاف جنيه، ولما الدنيا قامت بدأت تتنصل من المسئولية – على حد وصفه –
وأضاف حلمى بكر أن الذوق العام "راح فى داهية.. ولا أمل"، وبسؤاله عن الحلول رد بكر: "الحلول فى المشمش"، ووجه بكر إدانته للجمهور ممن يستمعون إلى المهرجانات.
وقال بكر: "بُح صوتى فى القنوات والصحف وبقالى 40 سنة عمال أحارب فى الإسفاف فى كل جهة، وفى النهاية أنا مكروه من الناس بسبب التصدى لهؤلاء".
وبسؤاله عمن يسانده فى حربه ضد الإسفاف، قال بكر: "كلهم (مدعين) وأنا لوحدى حابس 8 من هؤلاء المبتذلين فى السجن، لكن هناك آخرين مصدر رزقهم هذا (القرف).. وعلينا أن نضع راسنا فى الوحل" – على حد قوله -
ورد الأستاذ طارق مرتضى المتحدث الإعلامى لنقابة المهن الموسيقية، على اتهام بكر للنقابة بمنح "بيكا" تصريحا، قائلا: "لم نمنح حمو بيكا تصريحا بالغناء، ولا يحمل عضوية النقابة سواء عاملة أو منتسبة".
وأضاف، أن النقابة تمنح تصريحا مقابل إقامة الحفلات للأجانب فقط و"بيكا" لا يحمل جنسية أجنبية، ولابد من تخطيه امتحان نقابة الموسيقيين أولا للموافقة على منحه التصريح أو رفضه.
سامى مغاورى: المهرجانات فيروس وانتشر نتيجة العشوائيات.. والمنع مش حل
الفنان سامى مغاورى شبه أغانى المهرجانات بأنه فيروس وانتشر، وعلينا التصدى له، ولا يمكننا منع هذه النوعية من الأغانى، لأننا لو منعنا الأشخاص لا يمكن أن نمنع الفلاشات وفيديوهات السوشيال ميديا، إذن الحل ليس فى المنع، وقال: "حمو بيكا وشطا استهلكا وقتا كبيرا على فيس بوك، كان من الممكن استغلاله فى حاجة مهمة".
وأوضح مغاورى لـ"عين" أن الذوق يأتى بالتراكم، فمثلا الأب حين يسمع أولاده عبد الوهاب وأم كلثوم فبهذا ينمى داخلهم الذائقة الفنية، واقترح تزويد المدارس بمدرسى الموسيقى بالإضافة إلى تثقيف المدرسين، وقال: "لازم المدرسين ياخدوا دورات تثقيفية.. وأتعجب من المدارس التى تقدم أغانى المهرجانات فى حفلاتها".
وأشار مغاورى إلى ضرورة شن حرب مضادة ضد ما تقدمه أفلام السبكى – على سبيل المثال – قائلا: "مش نسيبه يتحكم فينا"، واستدرك: لكن لا نغفل أن السبكية قدموا أفلاما جيدة المستوى لأحمد زكى ونور الشريف.
واقترح مغاورى إقامة مهرجان الموسيقى العربية – على سبيل المثال – 4 دورات فى السنة وليست دورة واحدة فقط وتجوب هذه الحفلات محافظات مصر، وقتها ستقبل الأسر على الحفلات مما سيحسن من الذوق العام، بالإضافة إلى الإعلان عن مسابقات فى الموسيقى والمسرح.
وقال مغاورى إن الإصلاح يحتاج وقتا طويلا، وإجراءات سريعة أهمها الاهتمام بالعشوائيات وإحياء المسرح، فالدولة تنشئ مشاريع سكنية لابد أن توفر فيها مجمعات ثقافية ومسرح وقاعة سينما وملعب رياضى، مضيفا أنه كما تهتم الدولة بالبنيان فلابد أن تهتم بالعقول فى نفس الوقت لأنها تساعد فى مواجهة الإرهاب، لأننى أعتبر المهرجانات إرهابًا.
وتحدث مغاورى عن علاقة الفن بالمجتمع، وقال إن الفن والمجتمع كلا منهما يؤثر ويتأثر، وفى الفترة الأخيرة المجتمع أثر فى الفن، وبالنظر إلى مجتمعنا ستجد أن ثلث القاهرة عشوائيات، وحين تجلس على قهوة فى تلك المناطق لاحظ كيف يتعامل الناس فهناك ألفاظ دخيلة على لهجتنا ولغة جسد جديدة لم تكن موجودة فى قاموسنا، لذلك لا ألوم على بيكا وأمثاله ولكن ألوم على المجتمع فهم نتاج العشوائيات، فهناك حاجة ملحة لتكاتف الدولة والمثقين، لمواجهة الغباء بالذكاء والجهل بالعلم.
وناشد مغاورى الفنانين كلا فى موقعه بأن يتحدوا جميعًا من أجل مواجهة ظاهرة المهرجانات، وذكر موقفا شخصيا له قائلا: "فى رمضان ذهبت لأتناول وجبة السحور بأحد مطاعم الزمالك أرقى أحياء القاهرة، ووجدت تجمعا كبيرا هناك فتساءلت عن السبب فأجابونى أن مطرب مهرجانات شهير سيحيى حفلا غنائيا.
المخرج سمير العصفورى: فتح المسارح المغلقة فى مقدمة روشتة علاج ذائقة المصريين
الفنان والمخرج المسرحى سمير العصفورى ربط بين انحطاط الذوق العام بخمول الحركة المسرحية فى مصر، وقال: أنا معرفش مين حمو بيكا ده.. هلوسة المهرجانات خلقت هؤلاء فى مجتمعنا".
وأضاف العصفورى لـ"عين": "عقارب الساعة توقفت لما عادل إمام أسدل ستار مسرحه، باستثناء مسرحيات ناجحة من باب الخطأ بسبب العقبات التى تواجه المسرحيين، وبقالنا 10 سنين عايشين على عطايا يحيى الفخرانى، وبقية العروض كالبيض الفاسد لمخرج فاسد وتصوص فاسدة والجمهور بيهرب، وبنحارب ومش بنلاقى حد نكلمه، فكيف ينصلح الذوق العام؟!.
وأكد العصفورى أن المسرح فى مقدمة روشتة علاج ذائقة المصريين، واقترح ألا يقترب من الحركة المسرحية أشباه الفنانين، فكيف يدير شخص مسرحا وليس لديه أى خبرة إدارية، فظروف الحركة الثقافية بشكل عام تحتاج إعادة نظر، وقال: "الشلة التى تدير الحركة المسرحية لا تريد أحد معها" – على حد وصفه –
وأشار العصفورى إلى أن هناك سيلا من المهرجانات الفنية والنقاشات والحوارات والسفريات تتناقش حول وضع حلول لظاهرة المهرجانات وإنعاش الحركة المسرحية إلا أن جميعها لا يفيد فى شىء، نحتاج إلى تنشيط جديد، لدينا وزيرة جديدة وعليها أن ترى كيف يمكن تنشيط الحركة المسرحية.
وتساءل العصفورى، أين رجال الفن والثقافة؟! أين فلاسفة الفكر ؟! كيف نتحدث عن الحركة الثقافية والفنية والمسارح مغلقة؟! من أين تأتى المعجزة؟! فأهم أسباب تحسين الذوق العام استبعاد المدعين وغير الموهوبين.
وعن دوره فى الحركة المسرحية كأحد أهم المخرجين المسرحيين فى مصر، قال العصفورى: "بقالى 3 سنين اسمى مدرج فى المسرح القومى لتقديم مسرحية لسعد الدين وهبة، ولو سألتهم عن سبب غيابى هيقولولك مش راضى ينزل يشتغل، ولو بحثت ماذا يقدم المسرح القومى هتلاقى فراغ – على حد قوله –
وشدد العصفورى أن جمهور المسرح لا يريد أن يشاهد فنانين الكشافة المبتدئين، هؤلاء لهم مسارح كالطليعة والشباب، الجمهور يريد جاذبية عادل إمام أو يحيى الفخرانى، فلا يمكن توفير عرض مسرحى جذاب بدون نجوم لهم جاذبية، لكن القائمين على الحركة المسرحية يريدون صبية أمثالهم – على حد وصفه - فلا يمكن أن نجرب مخرج أو كاتب أو ممثل مبتدئ.
ووجه العصفورى اللوم للنجوم الكبار الذين ابتعدوا عن المسرح، وطالب المخرج خالد جلال رئيس قطاع شئون الإنتاج الثقافى أن يعيد النظر فى كل قطاعات المسرح.