فى ذكرى ميلاد صاحب صندوق الدنيا.. محطات فى حياة أحمد بهجت الصوفى الظريف

تنبأ بوفاة أم كلثوم وأبدع فى قصص الحيوان والإنسان وأيام السادات..لخص الحكمة فى "كلمتين وبس" ونظم مع صلاح جاهين مظاهرة الطرابيش ضد هيكل

 

تمر اليوم الموافق 15 نوفمبر ذكرى ميلاد الكاتب الصحفى والأديب الصوفى الساخر أحمد بهجت المولود عام 1932، وصاحب أحد أشهر المؤلفات والمقالات الصحفية والبرامج الإذاعية والمسلسلات والأفلام، ومنها مقاله اليومى"صندوق الدنيا "الذى نشر صفحات الاهرام لأكثر من 40 عاما متواصلة، والبرنامج الإذاعى الشهير "كلمتين وبس" الذى ارتبطت به أجيال عديدة، وأبدع أهم الروائع والمؤلفات ومنها " أنبياء الله " و"قصص الحيوان فى القرآن"، كما تحولت العديد من مؤلفاته إلى أفلام ومسلسلات تلفزيونية.

 

 

 كان أحمد بهجت متعدد المواهب، له باع فى كل مجالات الكتابة " الساخرة والصوفية والاجتماعية "وحققت كتبه أرقامًا قياسية فى التوزيع وعدد الطبعات، ومنها "أنبياء الله"، الذى تمت طباعته ما يقرب من 40 طبعة، وتحول كتابه الثرى " قصص الحيوان فى القرآن " إلى اشهر مسلسل كارتون دينى ارتبط به الكبار والصغار على مدار سنوات وترجم هذا الكتاب إلى لغات متعددة.

 

وعن حياة الأديب الصوفى الساخر تحدث ابنه الشاعر محمد بهجت فى حوار معنا مشيرا إلى أن اسم والده أحمد شفيق بهجت، وولد فى 15 نوفمبر 1932، وكان والده مدرس لغة إنجليزية، أما والدته فكانت من عائلة رشدى الأرستقراطية، وشقيقها الدكتور رشاد رشدى الكاتب المسرحى الكبير، وكان لها أشقاء باشوات منهم نائب وزير الداخلية ونائب وزير الداخلية، وكان أحمد بهجت ولدًا وحيدًا بين ثلاث أخوات بنات.

 

وأوضح بهجت الابن أن شغف والده بالكتابة بدأ منذ كان فى المرحلة الثانوية، ورغم حبه للأدب الرومانسى كان رياضيا يمارس الألعاب العنيفة كالملاكمة ورفع الأثقال والسباحة، وكان يريد الالتحاق بكلية الشرطة، ولم يحالفه الحظ رغم أن أحد أخواله كان مساعدًا لوزير داخلية، مشيرا إلى أن والدته أوصت شقيقها بعدم قبوله خوفًا عليه، وبالفعل أوصى خاله بألا يتم قبوله بكلية الشرطة، فالتحق احمد بهجت بكلية الحقوق، وتدرب فى مجلة الجيل الجديد، والأخبار، ثم مجلة آخر ساعة، وتنقل حتى ذهب للأهرام، حيث انتقى محمد حسنين هيكل عددًا من المواهب الصحفية الشابة من عدة مؤسسات لتعمل بالأهرام ومنهم أحمد بهجت.

 

وفى شبابه وصف موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب أحمد بهجت بأنه أهم كاتب صحفى شاب فى مصر، ورأى فيه هيكل صحفيًا من طراز فريد.

 

 

كان أحمد بهجت يكتب بروح الصوفى الذى يستطيع الوصول إلى قلب وعقل القارئ بأسلوب ساحر، ولديه القدرة على التواصل حتى مع الحيوانات، لذلك ألف "قصص الحيوان فى القرآن" من وجهة نظر ومشاعر الحيوان ذاته، لتجمع بين المعلومات العلمية عن الحيوانات والمعرفة العميقة لمعانى القصص القرآنى، وهو ما استلزم جهدًا خارقًا من الكاتب المبدع الذى اشتهر بعطفه الشديد وحبه للحيوانات حتى أنه اشترى حمارًا لإنقاذه من قسوة صاحبه، ولم يجد مكانا ليؤويه فيه فذهب به إلى بيته، ودخل على زوجته الناقدة المسرحية سناء فتح الله ومعه الحمار فى يوم عيد ميلادها، كما حكى ابنه الكاتب الصحفى محمد بهجت قصة والده والهدهد، حيث عاد أحمد بهجت ذات مرة إلى بيته يحمل قفصًا به هدهد مريض فشل الطبيب البيطرى فى علاجه، ودخل به إلى غرفته وأخذ يقرأ سورة النمل، ويحكى للهدهد قصة جده العظيم هدهد سليمان حتى يهون عليه آلام الموت.

 

 

ورغم أن بهجت لم يكن كاتبًا سياسيًا إلا أنه استطاع أن يلمس حقائق السياسة وأن يفهم نفسية الديكتاتور ويعرف من خلال فهمه لآيات القرآن مفاتيح شخصية الفرعون وكيف يتحكم فى شعبه، وهو ما حققه فى كتابه الرائع "فرعون والطغيان السياسى" وما يفعله استبداد الطغاة فى الشعوب.

 

جمع بهجت بين عمق الفيلسوف وبلاغة الأديب وفطنة العالم، ودأب طالب العلم، ورقة الصوفى، وعين الصحفى، وسخرية الحكيم، وسماحة الدين، فأبدع وألف الرواية والقصص القصيرة وأدب الأطفال، والمذكرات، والخيال العلمى.

 

وجمع فى كتابه "بحار الحب عند الصوفية" بين عقل العالم وروح الصوفى، ليبين حقيقة الصوفية ويحاول تنقيتها من شوائب الخرافة، وتحدث فى كتابه "الوقوع فى هوى الكعبة" عن ذكرياته فى المسجد الحرام. 

 

ووصل عدد مؤلفات أحمد بهجت إلى نحو 40 كتابا، منها "مذكرات زوج، وأحسن القصص، ومذكرات صائم والطريق إلى الله، صائمون.. والله أعلم، حوار بين طفل ساذج وقط مثقف، تحتمس 400 بشرطة، ثانية واحدة من الحب، تأملات فى عذوبة الكون، أهل اليسار ياليل".، وتحول بعض هذه المؤلفات وخاصة الساخرة منها إلى مسلسلات تلفزيونية وإذاعية كتب بعض أشعارها وأغانيها صديقيه فؤاد حداد وصلاح جاهين اللذين جمعته بهما علاقة قوية، حتى أنهما ألفا قصائد فى حب أحمد بهجت، كما ألف بهجت فيلم "أيام السادات"، الذى حقق نجاحا كبيرا، وفيلمى «امرأة من القاهرة»، و«البؤساء»

 

كان هيكل يقدر أحمد بهجت الذى شارك فى ثورة ساخرة أطلق عليها "ثورة الطرابيش" ضد أستاذه هيكل حين كان رئيسا لتحرير الأهرام ورفض بعض مطالب شباب الصحفيين، فقررت مجموعة منهم بقيادة أحمد بهجت وصلاح جاهين الاحتجاج بارتداء الطرابيش فى ممرات الأهرام، وعندما عرف هيكل استدعى أحمد بهجت وأمره بحسم أن يتوقف عن المزاح والسخرية، ثم استمع اليه ووجده محقا فاستجاب للمطالب. 

 

يحكى الشاعر محمد بهجت عن قصة زواج والده أحمد بهجت ووالدته الكاتبة والناقدة المسرحية سناء فتح الله، قائلا:" أبى تزوج من والدتى عام 58، وكانت تعمل فى الأخبار، لذلك كتب قصة زواج روميو الأهرام من جوليت الأخبار، وهى الزيجة التى جمعت العائلتين المتصارعتين الأهرام والأخبار، وكتب والدى أن حذاء والدتى لفت انتباهه إليها، حيث كانت ترتدى حذاء بدون كعب يشبه أحذية الرجال، فسألها عن سر هذا الحذاء وأكدت أن هذه الأحذية عملية تناسب العمل الصحفى، وبعدها وقع فى حبها وتزوجها"

 

وأوضح بهجت الابن أن والده قرأ عشرات الكتب والمراجع حتى يكتب كتابه الرائع " قصص الحيوان فى القرآن، فكى يكتب قصة حوت يونس قرأ 20 كتابًا فى علوم البحار، ودرس حياة الحيتان وتفاصيلها العلمية ليصف مشاعر الحوت وإحساسه، والمدهش أنه قرأ سنوات عديدة لإعداد هذا الكتاب وكتبه فى أيام قلائل وكأنه يملى عليه، وكذلك كتاب «أنبياء الله»، و«بحار الحب عند الصوفية»، «الله فى العقيدة الإسلامية»، «الوقوع فى هوى الكعبة» 

 

وتحدث محمد بهجت عن أشهر حلقات البرنامج الإذاعى" كلمتين وبس" ومنها الحلقة التى تحدثت عن وفاة أم كلثوم، قائلا :"كانت أم كلثوم بين الحياة والموت وعرف أبى بحكم عمله الصحفى من الأطباء أن حالتها متأخرة، فجهز حلقة عن وفاة أم كلثوم قبل إعلان وفاتها، ومهندس الصوت رفض تسجيلها ولكنهم سجلوا الحلقة ولم يخبروا أحد، وأذيعت الحلقة فور إعلان وفاة أم كلثوم وكان سبق صحفى لأحمد بهجت."

 

وأشار الابن إلى أهم أصدقاء والده ومنهم الدكتور مصطفى محمود الذى كان يناديه «بهجوجى»، وسيد مكاوى الذى كان يسكن فى نفس العمارة، مؤكدا أن ميلاد أوبريت الليلة الكبيرة كان فى بيت أحمد بهجت، وكما كان من بين أهم أصدقائه فؤاد حداد الذى كان يقول عنه أشعر شعراء الفصحى والعامية، وبيرم التونسى، والكاتب الساخر أحمد رجب الذى جمعته بوالده العديد من المواقف الضاحكة.

 

وتوفى الكاتب والأديب الصوفى الساخر أحمد بهجت فى 12 ديسمبر 2012، بعد حياة حافلة بالعطاء والإبداع فى كل مجالات الكتابة.