صعد المسرح بعد دفن والديه وشقيقه.. وأبدع فى أداء أدواره الكوميدية وهو يعلم أن زوجته على موعد مع الموت.. ولهذه الأسباب طلق زوجته الثانية بعد 10 أيام زواج
أضحكنا وكأنه خال من الهموم، وأمتعنا بينما يغرق فى بئر الأحزان، منحنا أوقاتا من البهجة والسعادة بينما ذاب حزنا كقطعة سكر، قد لا يتخيل الكثيرون ممن يعشقون الفنان عبدالمنعم إبراهيم الذى تحل ذكرى وفاته اليوم الموافق 17 نوفمبر أن عملاق الكوميديا الذى نسينا همومنا ونحن نشاهده فى "سر طاقية الإخفاء"، وذابت أحزاننا ونحن نتابعه وهو يؤدى دور "سكر هانم"، أو نراه فى دور الشيخ "عبد البر" فى فيلم «إسماعيل ياسين فى الأسطول»، أو«محروس» وهو يقلد صوت هند رستم فى فيلم «إشاعة حب»، ولم نتمالك أنفسنا ضحكا ونحن نراه فى دور المجنون فى فيلم «بين السما والأرض»، أن هذا الفنان العبقرى كان يتمزق حزنا بينما يعمل جاهدا على إضحاكنا وإسعادنا وتحمل هموما لا يتحملها بشر ولكنه غالب أحزانه ورسم البسمة على وجوه الملايين.
ومع ذكرى وفاة عملاق الكوميديا عبدالمنعم ابراهيم تكشف ابنته سمية الكثير من محطات الوجع والحزن فى حياة والدها الكوميديان الحزين.
تشير الابنة إلى أن اسم والدها عبد المنعم إبراهيم محمد حسن الدغبشى، وولد فى 24 أكتوبر عام 1924، وينتمى إلى قرية ميت بدر حلاوة، مركز سمنود، بمحافظة الغربية، ولكنه مولود بمحافظة بنى سويف بسبب ظروف عمل والده، وعاش فى بنى سويف لمدة 3 سنوات، قبل أن تنتقل أسرته إلى القاهرة، مؤكدة أن والدها ظل مرتبطا بموطنه الأصلى ميت بدر حلاوة حتى وفاته وأوصى بأن يتم دفنه فيها.
وتابعت سمية عبدالمنعم ابراهيم قائلة :"التحق والدى بمدرسة الصنايع وتعرف على عبدالمنعم مدبولى وعدلى كاسب، وقدموا بعض الأعمال المسرحية على مسرح الأزبكية سنة 1942، وبعدما تخرج والدى عمل فى وزارة المالية، ثم التحق بالدفعة الثانية فى المعهد العالى الفنون المسرحية بعد افتتاحه عام 1944، وكان المتقدمون للمعهد 1500 طالب، والمطلوب 20 فقط، واجتاز كل الاختبارات حتى وصل إلى الاختبار النهائى، وكانت اللجنة مشكلة من عمالقة الفن وقتها، جورج أبيض، ونجيب الريحانى، وحسين رياض، ويوسف وهبى، وزكى طليمات"
تشير الابنة إلى أول محطات الحزن فى حياة والدها قائلة :" قبل الامتحان الأخير توفيت والدته، ورغم ذلك ذهب واجتاز الامتحان بتفوق، واستقال من وزارة المالية وتفرغ للفن، وعمل فى مسرح إسماعيل ياسين، ثم التحق بالمسرح الحديث الذى أصبح المسرح القومى، ولم يتركه حتى وفاته."
وتحكى سمية عبدالمنعم إبراهيم بداية مشوار والده مع الأعمال الكوميدية عندما قام ببطولة مسرحية شعرية جادة أثناء دراسته بالمعهد، وبمجرد ظهوره على المسرح، ورغم دوره الجاد ضحك الجمهور، فقال له زكى طليمات «إنت كوميديان يامنعم»، وبسبب نجاحه فى هذا الدور قرر طليمات انتقاله من الصف الأول إلى الصف الثانى بالمعهد دون اختبارات.
وتابعت :" حياة والدى سلسلة من المآسى والأزمات، فمع بدايته الفنية وأثناء قيامه بالمشاركة فى مسرحية «عيلة الدوغرى» توفى والده، وفى نفس اليوم الذى دفنه فيه تحامل أبى على أحزانه ووقف على المسرح وأدى دوره، وتحمل بعدها مسئولية اخوته الستة، وفعل نفس الشيئ عندما توفى شقيقه أثناء عرض مسرحية «سكة السلامة»، فدفنه ووقف على المسرح فى نفس اليوم."
وأضافت :"اعتاد والدى على إضحاك الناس بينما قلبه ينزف حزنا".
تشير سمية عبدالمنعم إبراهيم إلى أكبر مأساة فى حياة الكوميديان الحزين عندما مرضت زوجته وعرف من الأطباء أنها مصابة بمرض خطير ويتبقى لها أيام قليلة وتفارق الحياة، وكان أنجب أبنائه الأربعة " ثلاث بنات وولد لم يتجاوز عمره وقت وفاة والدته عام واحد بينما كانت أكبر الشقيقات لا يتجاوز عمرها 8 سنوات "
كان على الفنان الذى أضحكنا أن يبدو طبيعيا أمام زوجته فى أيامها الأخيرة وألا يظهر لها خطورة مرضها وأنها تقضى أيام حياتها الأخيرة، بينما يعتصر ألما وحزنا وحيرة، فماذا يفعل هو وأطفاله بعد رحيلها، وفى نفس الوقت كان عليه أن يرسم البسمة على الوجوه وهو يقدم أدواره الكوميدية، فأى عذاب وشعور كان يشعر به العملاق عبدالمنعم ابراهيم.
كان الكوميديان الحزين تعرف على زوجته عندما ذهب لخطبة شقيقتها بترشيح من أحد أصدقائه، أثناء عمله بوزارة المالية وقبل أن يدخل المجال الفنى،، فذهب لرؤيتها ولكنه أعجب بأختها، وبالفعل تزوجا وأنجب منها 3 بنات وولدًا، أكبرهم سمية ثم سلوى وسهير وطارق، وكان يحبها بشدة، وكانت فترة مرضها ووفاتها عام 1961 من أصعب أيام حياته، وظل يبكى كلما تذكرها حتى وفاته.
تشير الابنة إلى بعض المفارقات الغريبة فى حياة والدها الذى تزوج خالتها التى ذهب لخطبتها قبل زواجه من والدتها، حتى ترعى أبناء شقيقتها بعد وفاتها، ولكنه طلقها بعد 10 أيام، لأنه كان سيصاب بانهيار عصبى بسبب التشابه الكبير بين الاختين، وقالت :" كان أبى ينادى خالتى ويتحدث معها على أنها أمى، فطلقها بعد 10 أيام من الزواج، وتزوج سيدة لبنانية تولت رعاية أبنائه، وأنجبت ابنته الصغرى نيفين"
لم تقف أزمات عبدالمنعم ابراهيم عند هذا الحد بل تولى رعاية أبناء شقيقته الستة بعد وفاة والدهم، وتحمل أيضًا مسؤولية رعاية حفيدة زوجة أبيه اليتيمة بعد وفاة والديها، فكانت يحمل مسئولية عائلة كبيرة ويرعاها.
ورغم قدراته الفنية قام عبدالمنعم ابراهيم ببطولة عدد قليل من أعمال سينمائية بطولة مطلقة، ومنها «سر طاقية الأخفاء»، و« سكر هانم»، لكنه أجاد وتميز فى أداء الدور الثانى الذى لعبه فى العديد من الأفلام، وعن ذلك قالت ابنته :" لم يكن دوره ثانويًا أو مجرد حشو، بل كان دورًا أساسيًا له هدف ورسالة، وكان أبى بطلًا فى دوره، وهكذا كان الكثير من عمالقة الفن مثل توفيق الدقن ومحمود المليجى"
وأضافت:" تنوعت أدوار أبى طوال تاريخه الفنى، وقام بدور السيدة فى ثلاثة أفلام فقط، وعلى فترات متباعدة، وكانت أول مرة فى فيلم «لوكاندة المفاجآت» مع إسماعيل ياسين فى الخمسينيات، وبعدها فيلم «سكر هانم» فى الستينيات، ورفض والدى هذا الدور فى البداية، ولم يتوقع نجاحه لأنه يظهر طوال الفيلم فى هيئة سيدة، ولكن كمال الشناوى أقنعه بقبول الدور، وقال له أنت البطل الأساسى، وبالفعل حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا، والمرة الثالثة كانت فى فيلم «أضواء المدينة» الذى أدى فيه دور السيدة التركية وكان ذلك فى السبعينيات"
وتابعت :" لم يعط والدى لأحد فرصة ليحصره فى دور معين، بدليل أنه شارك فى أعمال تراجيدية فى شبابه، وليس بعدما كبر فقط، فقدم أعمالًا متنوعة فى المسرح، منها «حلاق بغداد»، و«عيلة الدوغرى»، و«على جناح التبريزى»، و«سكة السلامة»، وبعدما كبر قدم عددًا من الروائع للتليفزيون، منها مسلسلا «أولاد آدم»، و«زينب والعرش»
تؤكد أن والدها كان يمتلك إمكانيات فنية كبيرة ولكنها لم تستغل كما يجب، وأنه أبدع فى دور الشيخ الأزهرى، الذى ظهر خلاله قدراته وإتقانه للغة العربية، واكتشف المخرج حسن الإمام مزيدًا من إمكانياته عندما قدمه فى شخصية «ياسين» خلال ثلاثية نجيب محفوظ، مشيرة إلى العلاقة القوية التى نشأت بين والدها وبين الفنان نور الشريف خلال هذا العمل، حيث كان الشريف فى بداية مشواره الفنى، وقال لها بعد وفاة والدها: «والدك صاحب فضل علىّ»، مؤكدًا أنه خصص فصلًا كاملًا للحديث عن أبى فى كتاب عن قصة حياته.
وعن أواخر أيام حياة والدها قالت سمية عبدالمنعم ابراهيم :"كان أبى يشعر بدنو الأجل، رغم أنه لم يمرض مرضًا شديدًا، وحزن جدًا لوفاة أصدقائه، خاصة الفنان محمد رضا، وأوصانا بأن تخرج جنازته من المسرح القومى لأنه كان يعشق المسرح ويعتبره بيته، وأن ندفنه فى قريته، ميت بدر حلاوة، التى أقام فيها مقبرة حتى نظل مرتبطين بمسقط رأسه طوال حياتنا"
تؤكد أن والدها ظل يعمل حتى أخر أيام حياته، وعندما أصيب بمياه على الرئة ودخل الرعاية المركزة، صمم على الخروج رغم رفض الأطباء، وانفعل لأنه كان مرتبطًا بمواعيد تصوير،، مشيرة إلى أنه أثناء قيامه ببطولة مسلسل «أولاد أدم » كان يرافقه طبيب خلال التصوير.
وأشارت ابنة الكوميديان الحزين أنه أثناء عرض مسرحية «5 نجوم» على مسرح السلام، قال لشقيقتها سهير التى كانت تقيم معه «أنا سددت فلوس الجزار والبقال وليس علينا أى أموال»، وارتدى ملابسه بسرعة، وبمجرد نزوله أخبرهم عامل الجراج بأنه وقع وطلب كوب ماء.
وأضافت: "اصطحبناه بسرعة للطبيب الذى أوصانا بنقله فورًا للمستشفى، ولكنه توفى فى 17 نوفمبر ونفذنا وصيته، فخرجت جنازته من المسرح القومى ودفن بقريته فى 19 نوفمبر 1987 إلى جوار والده ووالدته وشقيقه.