شهور عدة ولا نجد من صناع الدراما إلا "الولولة" على زمن كان فيه النجم "يكوش" على الملايين ويترك الفتات للعمال والفنيين.. لسنوات عدة، ظل الممثل المصرى يضع "رجل على رجل" ويبيع ويشترى فى المنتج المصرى فقط لكونه ضامن تسويق مسلسله لقنوات خليجية تدفع الملايين، ليس لسواد عيون النجوم، وإنما لضرب صناعة الدراما المصرية، التى كانت ولا تزال هى الرائدة فى هذا المجال، والسيطرة على سوق الإعلان، الذى كانت تلك القنوات تشترى المؤشرات والتقارير التى تؤكد أنها رقم واحد، وبالتالى يرتفع سعر الإعلان لديها وتصبح هى فى الصدارة والقنوات المصرية تأخذ العرض الثانى، وربما الثالث، ولا تجد محتوى جيدا تقدمه إلا قليلا.
لسنوات طويلة كان العمال والفنيون يصرخون من أجور النجوم التى تأكل ميزانية المسلسلات، ولا يتبقى لهم سوى القليل فقط، لكن لم يكن أحد من النجوم يفكر أو يحاول أن يعدل الكفة لصالح هؤلاء الغلابة، كما يطلقون عليهم الآن، ليقلل أجره لصالحهم، أو لصالح حال الدراما مصدر رزقهم، وقوت يوم هؤلاء البسطاء.
الانتفاضة جاءت الآن، النجوم يصرخون ويستغلون الغلابة مرة أخرى من أجل الحفاظ على أجورهم التى تقدر بالملايين، لم يكتفوا بالثروة الضخمة التى كونوها فى سنوات الضياع الماضية، حيث نهشوا جسد الدراما بأجورهم المبالغ فيها، بحجة أن الإعلانات تعوض المنتج والقنوات، وأنهم مقبولون لدى الجمهور تلك الكذبة التى أثبتها الوقت، فغياب الكثيرين من النجوم والنجمات عن ساحة الدراما المصرية لم ولن تؤثر على شكل الصناعة، بل على العكس فتحت مجالا كبيرا لمواسم درامية كانت فارغة، لا تُعرض بها سوى المسلسلات المكسيكية والأجنبية المدبلجة، فى الوقت الذى تتكدس فيه المسلسلات المصرية فى شهر رمضان، ليصاب المشاهد "بالتخمة" وتُهدر أموال وجهد على أعمال لا يسع المشاهد أن يراها.
أتعجب الآن من صناع الدراما ممن يصرخون، أليس هم بأنفسهم من طلبوا تقليل الإنتاج لصالح الدراما المصرية، أليس هم من نادوا بتقديم المسلسلات ذات الـ15 حلقة، والسباعية، وغيرها من الأنواع.
أتصور أن صناع الدراما ونجومها إذا فكروا فى حال سوق الدراما بدون أنانية سيجدون أن تنظيم الصناعة وتقليل الأجور وتقديم وجبة درامية مناسبة أفضل من إهدار المال على أعمال لا يراها أحد، وأفضل من أن يلتهمها نجم واحد بحجة أنه مطلوب، وأرى أنه على كل نجم أن يفكر فى من حوله وفى مستقبل الدراما وليس فقط فى نفسه وفى أجره، فأغلب هؤلاء النجوم كانوا صامتين قبل أن تأتى خطوات الإصلاح على مكتسابتهم وأجورهم.