منذ فوز فيلم روما بجائزة الأسد الذهبى فى مهرجان البندقية السينمائى فى سبتمبر الماضى، أصبح اسم مخرجه "ألفونسو كوارون" حديث العالم، وأحدث ضجة كبيرة وعلت التوقعات وفى المقابل زاد سوء الفهم حول طبيعة هذا المنتج السينمائى، ومع الإعلان عن عرض الفيلم بمهرجان القاهرة السينمائى زاد الإقبال من جماهير السينما لمشاهدته، أمس الخميس، على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية.
اسم الفيلم "روما" نسبة إلى حى فى مكسيكو سيتى حيث تعيش العائلات خلف بوابات مقفلة، وتعمل الخادمات والطباخين والسائقين فى واحدة من هذه المنازل، إذ تعيش "كليو" وتعمل حاضنة للأطفال بجانب كونها خادمة فى الصباح تستيقظ مع الأطفال، فى الليل تضعهم فى السرير، تقدم وجبات الطعام، وتنظف فضلات الكلاب وتحمل الغسيل إلى السطح.
سلسلة من الكوارث تقلل من استقرار هذه الأسرة، بدءاً برحلة عمل يقوم بها الأب لكندا لا يعود بعدها، بالإضافة إلى وقوع زلزال، وموت ابن الخادمة وخيانة حبيبها بعد عرف أنها حامل، فى واحدة من أكثر التسلسلات إثارة للدهشة، شاهدت كليو وجدة العائلة، سينيورا تيريزا (فيرونيكا غارسيا) مظاهرة طلابية تحولت إلى أعمال شغب من خلال نافذة صالة عرض للأثاث، لا يشير "كوارون" إلى الحادث - الذى يعرف باسم مذبحة كوربوس كريستى عام 1971 - لكنه يملأ ذلك اليوم بمشاهد من العنف الفوضوى، بما فى ذلك صورة امرأة تصرخ طلبا للمساعدة بينما تحتضن رجلا يحتضر.
المحرك الدرامى لـ "روما" هو الأزمات الموازية التى يمر بها كل من "كليو" و "صوفيا" ، وكيف ترتقى النساء والأسرة لمواجهة التحديات، فى البداية تستمر أزمة عودة والد العائلة من مؤتمر فى كندا بعد تأجيل عدة مرات، مع تزايد حماس صوفيا لعودته، حتى يصبح عدم عودته أمرا واقعا تتعايش معه الأسرة، بالتوازى مع أزمة "كليو" التى تتورط فى علاقة مع شاب من الجيش تحمل منه لكنه يتخلى عنها، وعلى الرغم من أن حواجز الطبقة تبقى بين صاحب العمل والموظف، إلا أنهم يدركون أنه يجب عليهم إعادة تكوين الأسرة من أجل البقاء .
الفيلم صورة هادئة للغاية وتأملية، ويعتبر مشروعا شخصيا لمخرجه، لجأ فيه لواقعه بدلاً من ارتفاع وتيرة الدراما، فهو حصيلة تجارب الكاتب والمخرج والمنتج من خلال قصة هذه العائلة، ففى عام 1970 و 1971 ، وفى حى Colonia Roma نشأ كوارون إذ يعتبر الفيلم مثابة آلة عودة إلى الوراء واستحضار أشخاص من ذاكرة مخرجه فى هذا الزمان والمكان المحددين.
استخدم المخرج المكسيكى ألفونسو كوارون لوحة كبيرة تحكى قصة حياة قد يظن البعض أنها صغيرة، فـ"كوارون" واحد من أكثر المخرجين تنوعاً فى السينما المعاصرة، إذ أخرج أوبرا الفضاء "جرافيتى"، و"أطفال الرجال"، و"هارى بوتر وسجين أزكابان"، وعلى الرغم من أن سيرة سير Cuarón منتقاة بدقة، فإن "Roma" شىء جديد بالنسبة له.
لجأ المخرج إلى الأبيض والأسود لرسم حكايته، ليخلق صورا تتميز بوضوح غير عادى، وتفاصيل ودرجة لونية بأقواس قزح كاملة من الرمادى والأسود والأبيض، وتتحرك الكاميرا مع كليو وتتوقع وتتبع تحركاتها مثل رفيق مخلص وبدأ أحداثه باتباع "كليو" مهامها المنزلية الشاقة، مثل الانتهاء من كمية هائلة من الغسيل وتحضير طعام الأسرة والأطفال قبل الذهاب للمدارس وبعد، نهاية بوضعهم فى السرير وإيقاظهم لتبدأ يومها من جديد، ليتيح لنا رؤية كيف تسكن كل واحدة من هذه الشخصيات فى هذه المساحات المحددة، ويخلق Cuarón رؤية دقيقة عن امرأة وعالم يشكّله ماض استعمارى يثقل على نحو لا يرحم.
لضبط المشهد، وجد المصمم "أوجينيو كاباليرو" (Pan’s Labyrinth) منزلًا فى مكسيكو سيتى تم التخطيط لهدمه وإعادة تشكيله ليصبح نسخة مكررة من منزل عائلة Cuarón، وحوالى 70٪ من الأثاث المعروض على الشاشة هى الأشياء التى رآها كطفل، وأصر كوارون على أن تذكره مجموعة الممثلين بالأشخاص الحقيقيين، وبعد البحث من قرية إلى قرية عن بطل الرواية، وجد مدرسة تدعى "ياليتزا أباريسيو" ، وهى الخادمة / المربية التابعة للأسرة على غرار المرأة التى يعتبرها كوارون أما ثانية ضنت أحداث الفيلم.
على الرغم من خطر الظهور الهادئ وبطء الإيقاع مع بداية الأحداث أكثر من اللازم لفترة طويلة، إلا أن "روما" بشخصياته يشير إلى لمحة عن مجتمع يتجه نحو الانهيار بشكل لا يقبل الجدل.
أحد مميزات فيلم "روما" قدرته على التشابك بذكاء مع الحالة السياسية لدولة المكسيك من خلال هذه القصة الشخصية، ورصدت بصريًا لحظات سيئة فى التاريخ المكسيكى الحديث، مثل مذبحة كوربوس كريستى عام 1971 لطلاب الجامعات.