- إيمان بيبرس ابنة سعاد محمد: أمى ذاقت اليتم وعمرها عام واحد وأبهرت مواطنى لبنان فى السابعة
- عماد فتوح ابن الزوج: الجماهير حملت سيارتها فى حلب.. وسر اختفاء فيلمها «شهيدة العشق الإلهى»
وقفت الطفلة التى لم يتعد عمرها 7 سنوات لتستمع إلى نغمات العود من جارها وقريبها الموسيقى سعيد سلام مرددة أغنيات أم كلثوم، استمع سلام إلى هذا الصوت القوى فانبهرب أداء الطفلة اليتيمة واستأذن والدتها لتدريبها وتعليمها العزف على العود، وفى حى «تلة الخياط» بيروت ذاع صيت الطفلة، أصبح الأهل والجيران يدعونها للغناء فى أفراحهم، كما كانت تغنى فى مدرستها المقاصد، واستعانت بها بعض الجمعيات الخيرية فى حفلاتها، وكانت الصغيرة تحصل على صندوق من اللعب مقابل الغناء.
ذاقت الصغيرة سعاد محمد اليتم ولم يتجاوز عمرها عام واحد، بعدما توفى والدها الشيخ محمد المصرى الذى ينتمى لعائلة السوالمة بسوهاج، وكان جده أزهريا استوطن لبنان وتزوج فيها بعدما سافر إليها من مصر مع الحملات التنويرية التى أرسلها محمد على.
مات الشيخ محمد أحمد فاضل، الملقب بمحمد المصرى شابا فى الثلاثينيات من عمره، وكان يعمل فى صناعة كراسى الخيزران ويجيد الإنشاد الدينى، وترك زوجته حاملا لتضع بعد وفاته أصغر بناتها ويصبح فى رقبتها 7 أبناء «مصطفى وأحمد وشفيق ورضا وشفيقة وسعاد وهدية».
مرت الطفلة اليتيمة بنجاحات وانكسارات ورحلة طويلة حتى أصبحت النجمة سعاد محمد التى أطلق عليها لقب «شادية العرب» وأمتعتنا بأجمل الروائع.
فى بيت شادية العرب
فى بيت تتوسطه صورتها وتبنعث منه روائح الطرب الجميل، حيث تشبعت حوائطه بأعذب الألحان والأصوات من عمالقة الفن الذين ربطتهم علاقات قوية بصاحبته عرفنا الكثير من المعلومات والأسرار عن حياة فنانة وصفها الكثيرون بأنها أجمل الأصوات النسائية.
هنا كان يجلس فريد الأطرش منبهرا وهو يستمع إليها تغنى أغنيته «بقى عاوز تنسانى»، وهنا كانت صاحبة البيت تشدو بأغانى فيلم الشيماء «كم ناشد المختار ربه، واجريحاه، يا محمد.. وغيرها»، هنا جلس رياض السنباطى وبليغ حمدى وفايزة أحمد وغيرهم من عمالقة الفن، وهنا استوعبت سعاد محمد 10 أبناء من أبوين مختلفين تربوا معا وجمعهم الحب، بل استوعب حبها أبناء زوجها الأول الكاتب الصحفى محمد رشاد فتوح الذى دعم موهبتها فى بداية حياتها.
التقينا بابنتها إيمان بيبرس وتحدثنا مع ابنها رشاد فتوح، والمفاجأة أن الابنة وجهتنا للاستزادة من المعلومات التى يعرفها ابن زوجها الكاتب الصحفى عماد فتوح الذى ارتبط بعلاقة ود قوية مع زوجة أبيه سعاد محمد.
كان الاختلاف الوحيد الذى لم يتم حسمه فيما رواه الأبناء وابن الزوج حول تاريخ ميلاد الفنانة سعاد محمد، فبينما أشارت الابنة إلى أن والدتها من مواليد نوفمبر 1933، أكد عماد فتوح أنها من مواليد عام 1929، وربما يرجع هذا الاختلاف فى حسم سنة الميلاد إلى وجود أكثر من قيد عائلى لأسرتها، نظرا لتعدد عمليات الحصر التى تمت فى لبنان خلال فترة الاحتلال.
تحدثت إيمان الابنة التاسعة من أبناء سعاد محمد عن تفاصيل طفولة والدتها قائلة: بعد وفاة جدى تولت جدتى المسؤولية، وكانت تقوم ببعض الأعمال اليدوية مثل التطريز، بينما انخرط الأبناء الكبار فى بعض الأعمال لتربية أشقائهم الأصغر.
سعاد محمد فى منزل صباح وأول لقاء مع زكريا أحمد
تشير الابنة إلى أن لموسيقى سعيد سلام، والد المطربة نجاح سلام الذى كانت تربطه بعائلة والدتها علاقة نسب، وكان رئيسا للدائرة الموسيقية فى إذاعة لبنان قام بتدريب والدتها وهى طفلة على الغناء واصطحبها قبل أن يتجاوز عمرها التاسعة إلى منزل الفنانة صباح ليستمع لها الشيخ ذكريا أحمد.
تضحك الابنة قائلة: «أمى كانت رابطة رجلها، لأنها وقعت وهى تلعب فتعجبت صباح من صغر سنها وعندما رآها الشيخ ذكريا أحمد قال «دى عيلة صغيرة يا سعيد ونادى والدتى قائلا تعالى يابنت».
وأضافت الابنة: «أمى خدت كلمة بنت على كرامتها وزعلت، لكنها غنت بعض أغانى ذكريا أحمد فانبهر بها وأمسك «الرق»، وصاحبها أثناء غنائها، وقال لها: «صوتك هايل وهستناكى فى مصر لما تكبرى».
يحكى الكاتب الصحفى عماد فتوح عن هذه الواقعة، مؤكدا أن والده الكاتب والشاعر الغنائى محمد رشاد فتوح الذى كان جارا لأسرة سعاد محمد تحمس لموهبة الطفلة، فدربها على مخارج الحروف، واصطحبها مع قريبها سعيد سلام إلى منزل صباح، العائدة من تمثيل أول أفلامها فى مصر «القلب له واحد»، ليسمعها الشيخ زكريا أحمد، مؤكدا أن زكريا أحمد لم يتمالك نفسه وهو يسمعها تُغنى «أنا فى انتظارك»، فأخذ العود وعزف لها ووعد بتبنيها فنياً.
تستكمل الابنة قصة بدايات والدتها قائلة: «اختلف أشقاء والدتى الكبار مصطفى وأحمد حول احترافها الغناء، فكان شقيقها الأكبر مصطفى يشجعها، بينما رفضت والدتها وشقيها أحمد، وفى هذا الوقت تبنى موهبتها عمى فتوح، وكان يكبرها بسنوات كثيرة ووقتها متزوجا ولديه أسرة وأبناء».
وتابعت: بعدما وصلت أمى لسن 12 عاما اصطحبها شقيقها مصطفى إلى مصر بناء على طلب الشيخ ذكريا أحمد، ولسوء الحظ ذهبت مع ابناء الشيخ ذكريا رحلة للقناطر فى شم النسيم، وأصيبت بالتيفود فعاد بها أخوها إلى لبنان، وظل الشيخ ذكريا يسأل عنها، ويتذكرها دائما ووقفت المطربة صباح إلى جوارها فى بداية حياتها.
تشير الابنة إلى أن المنتجة آسيا داغر تحمست لوالدتها بعدما ذاع صيتها فى بلاد الشام ورشحتها للمنتجة عزيزة أمير التى كانت تعد فيلم «فتاة من فلسطين»، وهو أول فيلم عن القضية الفلسطينية بعد النكبة عام 1948، لتكون بطلة الفيلم وهى فى سن 15 عاما وغنت خلاله عدداً من الأغنيات.
زواج فنى بسبب خلاف الأشقاء
وبعد فيلم «فتاة من فلسطين» ذاعت شهرة سعاد محمد، بينما قاطعها شقيقها أحمد، وحدثت خلافات بينه وبين شقيقه مصطفى، فكان المخرج كما أشارت الابنة بزواج المطربة الناشئة من راعى موهبتها محمد على فتوح عام 1951 حتى تكمل مسيرتها الفنية، وذلك بدعم من شقيقها مصطفى حتى تكون تحت ولاية زوجها.
تؤكد إيمان بيبرس على دور زوج والدتها الشاعر والصحفى محمد على فتوح فى مسيرتها الفنية قائلة: «كان عمى محمد كاتبا مخضرما يكتب فى الفن لعدد من المجلات الشهيرة، وكان يكبر والدتى بنحو 30 عاما، وكان شاعرا غنائيا يكتب لعمالقة الطرب ومنهم عبدالوهاب، وأكثر فترة لتألق والدتى وانتشارها الفنى فترة زواجها منه».
وتشير إلى أن فترة مقاطعة خالها لولدتها كانت فترة صعبة فى حياتها حتى عادت العلاقة بينهما بعد ذلك.
فيما يتحث عماد فتوح ابن زوج الفنانة سعاد محمد عن علاقته بها، مؤكدا أنه كان يحبها وتجمعه بها علاقة ود كبيرة: «كانت تستأنس بى وكنت لا أمل من الحديث معها وجمعتها بوالدتى علاقة صداقة».
وتابع: «والدى ألف لها 140 أغنية، وكانت عاشقة لأم كلثوم، وتردد أغنياتها حتى لقبت بأم كلثوم المشرق العربى»، مشيرا إلى أن الجماهير فى حلب حملوا سيارتها فى مظاهرة حب كبيرة.
وفى عام 1952 أنتجت لها آسيا داغر فيلم «أنا وحدى»، وغنت فيه مجموعة من أروع أغانيها ومنها «فتح الهوى الشباك، مين السبب فى الحب، أنا وحدى» كلمات الشاعر الكبير صالح جودت والحان الموسيقار الكبير رياض السنباطى.
أزمة وقصة حب وزواج
وبعد أن حققت سعاد محمد شهرة واسعة وصعد نجمها فى مصر تعرضت لموقف صعب، حيث منعت من دخول مصر بتهمة تهريب مجوهرات إلى لبنان، رغم أنها مجوهراتها الخاصة التى أحضرتها معها من لبنان، حتى ألغى القرار عام 1960.
وعن هذه الأزمة قالت ابنتها إيمان: «كانت والدتى تشارك فى فيلم شهيدة الحب الإلهى عن رابعة العدوية بالغناء بطريقة الدوبلاج، وكان البطولة لرشدى أباظة وعايدة هلال فى الوقت الذى كان يتم إعداد فيلم رابعة العدوية الذى غنت فيه أم كلثوم، وللأسف لم يظهر فيلم شهيدة العشق الإلهى للنور، رغم أن والدتى غنت فيه مجموعة من أروع الأغانى الدينية ووضع ألحانه رياض السنباطى»، مؤكدة أن شقيقها أشرف المهاجر إلى الصين يحتفظ بتسجيلات لأغانى الفيلم.
أنجبت سعاد محمد 6 أبناء من زوجها محمد على فتوح وهم «فؤاد، جواد رشاد، حماد، إياد، ونهاد»، واستمرت العلاقة الزوجية بينهما لمدة 10 سنوت، بعدها تم الطلاق بينهما بشكل متحضر، كما تؤكد الابنة: «كان عمو محمد من أفضل الشخصيات وخيرها بين بقاء الأبناء معها أم معه فتمسكت بأبنائها».
تشير الابنة إلى قصة زواج والدها ووالدتها قائلة: «سكنت والدتى بعد قدومها إلى مصر مع والدتها وشقيقها فى العمارة التى يمتلكها أبى الذى كان يعمل مهندسا، فأحبها رغم أنها كانت تكبره بعدة سنوات وتزوجها عام 1961، وبعدها حصلت على الجنسية المصرية وظل أبناؤها معها بعد الزواج، واستمر زواجهما 25 عاما حتى عام 1985، وأنجبت 4 أبناء «أشرف، أكرم، إيمان، ودولت».
تؤكد ابنة سعاد محمد أن الأنباء العشرة تربوا معا دون أن يكون هناك فارق بينهم، وأن عددا منهم ظل لسنوات طويلة لا يعرف أنهم غير أشقاء حتى دخلوا المدرسة».
فيما قال شقيقها رشاد فتوح: «كان عمى بيبرس يعاملنا كأبنائه، وعشت معه منذ كان عمرى 6 سنوات، وكان أبى يزورنا ونزوره فى لبنان».
أم وفنانة استثنائية
يشير الأبناء إلى شخصية سعاد محمد الاستثنائية وقدرتها على التوفيق بين كونها أم وزوجة وفنانة ونجاحها فى هذه المعادلة الصعبة: «كانت صبورة وقوية وحنونة وتحرص على رعايتنا بنفسها، فكانت تأتى من الحفلة بملابسها السواريه، لتقف فى المطبخ لإعداد الطعام، كما كانت تحفظنا القرآن، وكانت تحفظ منه أجزاء كثيرة».
توضح ابنتها إيمان أن الأخوة العشرة كان بينهم فروق فى السن وكانت البنات يساعدن الأم فى شؤون المنزل، حيث كانت سعاد محمد تحرص على تعليم بناتها شؤون المنزل والطبخ وأعمال التطريز والتريكو، وتشدد على أن وجود هذا العدد من الأبناء لم يعوق مسيرة والدتها الفنية، قائلة: «تعاونت مع عمالقة الفن والتلحين، ومنهم رياض السنباطى وأحمد صدقى، وبليغ حمدى، وعبدالعظيم محمد، والموجى، ومحمد فوزى، ومحمد سلطان، وفريد الأطرش الذى سمح لها بغناء أغنيته بقى عاوز تنسانى، وقال لها بعد أن غنتها «إيه الحلاوة دى ياسعاد أنت غنتيها أحسن منى»، وكان يحرص على أن تكون موجودة فى حفلات الربيع التى يشارك فيها».
شادية العرب وموسيقار الأجيال
تنفى الابنة ما ردده البعض عن سبب عدم التعاون بين سعاد محمد وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب بأنه كلما اتصل بسعاد محمد ليتعاون معها وجدها «حامل أوبتولد»، قائلة: «أشك أن يكون عبدالوهاب قال ذلك، لأن والدتى لم يعوقها الزواج والإنجاب عن التعاون مع عمالقة التلحين».
فيما قال الابن رشاد فتوح إنه كان مع والدته فى ماسبيرو، وقابلت عبدالوهاب فقالت له: «مش هتدينى لحن يا أستاذ، فرد: أنت جبتى كلمات وأنا ملحنتهاش يا سعاد هاتى كلمات وأنا ألحن لك»، مؤكدا أن موسيقار الأجيال كان دائم الاتصال بوالدته إذا ما تأخرت فى تقديم عمل جديد، وكان يسألها: «فينك صوتك ده مايتسابش يا سعاد».
ويفسر عماد فتوح ابن زوج سعاد محمد عدم تعاونها مع عبدالوهاب قائلا: «هناك من يرى أن طموح عبدالوهاب للتلحين لأم كلثوم جعله يصرف النظر عن التلحين لسعاد محمد، خاصة أن صوتهما متقارب، وَلَو لحن لسعاد محمد سوف يقضى على حظه فى التلحين لثومة».
وأضاف: «حكت لى الست سعاد أنها بعدما غنت أنا هويت، وانتهيت لسيد درويش فى فيلم بمبة كشر اتصل بها عبدالوهاب»، وقال لها: «إيه اللى عملتيه فى دور أنا هويت يا ظالمة، حد يغنى كده»، فردت سعاد محمد: «ليه يا أستاذ، هو أنا ما غنتش كويس»؟، فقال لها عبدالوهاب: «أنت قضيتى على الغنوة دى، فاندهشت سعاد محمد»، فقال عبدالوهاب: «ماحدش غيرك حيقدر يغنيها بعدك أنت كنت هايلة».
وأكد ابن زوج سعاد محمد أن عبدالوهاب أعرب أكثر مرة عن رغبته فى أن تعيد سعاد غناء أغانيه القديمة، لكنها كانت تفضل أن تغنى لحن وضعه خصيصا لصوتها.
مكانة دولية وتقدير من الملوك والرؤساء
يتحدث الأبناء وابن الزوج عن المكانة التى كانت تتمتع بها سعاد محمد لدى الملوك والرؤساء، وأكدت الابنة أن والدتها كانت المطربة المفضلة للرئيس السادات، مشيرة إلى أنه بعد حرب أكتوبر كان هناك قرار بألا تستمر أى حفلة بعد الساعة 12 منتصف الليل، وتم غلق الستار فى إحدى الحفلات المذاعة على التليفزيون أثناء غناء فايزة أحمد، ولكن أثناء إحياء والدتها لحفل لصالح الجالية اللبنانية فى مصر عام 1976، فوجئ مسؤولو الحفل باتصال من الرئيس السادات بنفسه يأمر بعدم إغلاق الستار، واستمرار سعاد محمد فى الغناء، فاستمرت تغنى حتى الثالثة صباحا وسعدت كثيرا بهذا الموقف.
وأكد عماد فتوح أن سعاد محمد كانت المطربة المفضلة للرئيس التونسى الحبيب بورقيبة، وصديقة لقرينته وسيلة التى كرمتها فى احتفالية المرأة، كما كان الملك الحسن الثانى ملك المغرب يحرص على دعوتها فى كل مناسبة ومنحها وسام النجمة، وتم منحها العديد من الأوسمة من الدول العربية.