- ابنة شقيقه: قاطعه والده بسبب الفن ولا نعرف مكاناً لقبره أو منزله ولهذا السبب لم يجد من يقف بجواره فى محنته
وقف الفنان الذى أضحك الملايين خلف أسوار شباك غرفته المظلمة كظلام أواخر أيامه التى فقد فيها البصر، يهذى مستجديًا المارة فى الطريق «عاوز سيجارة ياناس»، بينما يضحك أطفال المنطقة ويطلبون منه ترديد إيفيهاته الشهيرة: «طيب قول لنا نورماندى تو ياعم عبدالفتاح»، فلا يتذكر أى من هذه الإيفيهات ولا يتذكر أحداث حياته خاصة النهايات التى لم يستطع عقله استيعابها.. زوجة استولت على كل ما يملك ثم خانته مع ابنه بالتبنى وأجبرته على تطليقها، وأن يكون شاهدًا على عقد زواجها، حبسته فى بدروم المنزل وأخفته عن العيون ومنعت عنه الزيارة، جوع وتعذيب وأحداث ظلت مجهولة فى حياة الفنان عبدالفتاح القصرى.
أفصح عن بعض هذا العذاب صورة نشرتها جريدة الجمهورية، بتاريخ 24 يناير 1964، أشار إليها المؤرخ والكاتب الصحفى سعيد الشحات، فى مقاله «ذات يوم»، وظهر فيها القصرى يمسك بأسياخ حديد شباك حجرته بالدور الأرضى، وكتب الصحفى محمد دوارة تعليقًا على الصورة، قال فيه: «بدأ الضوء والحياة يفارقان عينى القصرى تدريجيًا، خشيت مطلقته أن يشكوها لأحد، فأغلقت عليه الباب، ليصرخ كل يوم من وراء النافذة يطلب من السكان سيجارة، فيضحك صغار الصبية، بينما تخرج الزوجة السابقة وزوجها الجديد كل يوم للتنزه بأمواله».
القصرى المتأرجح بين قمة كل شىء وعكسه
لا يتخيل أى منا حجم المأساة التى عاشها الفنان عبدالفتاح القصرى الذى أضحكنا ولا زال بعبقريته الكوميدية وطريقته المتفردة وصوته وهيئته ومشيته المميزة وإيفيهاته العابرة للأجيال والتى لازلنا نرددها «انتى ست انتى، ده انتى ست اشهر، يا صفايح الزبدة السايحة، كلمتى لا يمكن تنزل الأرض أبدًا.. خلاص هتنزل المرة دى، ومرافعته الشهيرة فى فيلم الأستاذة فاطمة، وغيرها من عبارات لاتزال راسخة فى الأذهان تثير الضحكات بينما تثير حياة صاحبها الحزن والدموع والشفقة».
ففى حياته وصل «القصرى» إلى قمة كل شىء وعكسه، قمة الضحك وقمة الألم، قمة الشهرة وقمة التجاهل، قمة السعادة والرفاهية التى عاشها ابن الأكابر المدلل فى بداية حياته وقمة البؤس والعذاب اللذان اختتم بهما هذه الحياة.
وفى حياته أيضًا جزء غامض مجهول لم يستطع أن يحكيه ولا يعرفه حتى أقاربه الباقون على قيد الحياة، ومنهم ابنة شقيقه نجلاء محمد فؤاد القصرى التى تجاوزت الستين ولا تعرف إلا القليل من المعلومات عن حياة عمها الذى لم تره وتوفى والدها قبل وفاته.
التقينا بها لتؤكد أن من تبقى من الأسرة لا يعرف الكثير عن حياة عملاق الكوميديا الراحل الذى انفصل عن أسرته بعدما طرده والده وهدده بحرمانه من الميراث إذا عمل بالفن.
لذلك يقع الباحث فى تاريخ حياة عبدالفتاح القصرى بين قصتين وحكايتين أو أكثر فى العديد من محطات حياته، حتى تاريخ ميلاده، فبينما تشير بعض المصادر ومنها ويكيبديا التى اعتمدت ابنة شقيقه على المنشور بها من معلومات إلى أنه ولد فى 15 أبريل 1905، يؤكد الكاتب والمؤرخ الفنى ماهر زهدى طبقًا لما ذكره فى تناوله لحياة القصرى أنه ولد فى 15 أبريل 1897.
حاولنا جمع المعلومات عن حياة الكوميديان البائس عبدالفتاح القصرى من أكثر من مصدر حتى نقترب من الحقيقة، وما بين ما ذكرته ابنة شقيقه وما جمعناه من معلومات من مصادر مختلفة نكتشف تفاصيل أيام التألق وأسرار سنوات العذاب.
المدلل ابن أكابر الجمالية
اتفقت المصادر مع ما ذكرته نجلاء محمد فؤاد القصرى، ابنة شقيق عبدالفتاح القصرى من معلومات حول بدايات حياته، عائلة تعمل فى الصاغة، ويمتلك أفرادها ومنهم والده فؤاد القصرى محلات ذهب فى الجمالية، وجد يتمنى أن يرى حفيدًا فى أسرة قليلة الإنجاب ليمتد به اسمه ويرث صنعة أجداده فى تجارة الذهب، وكان ميلاد عبدالفتاح القصرى يوم فرح للعائلة خاصة الجد، ليصبح الحفيد المدلل المولود وفى فمه ملعقة من ذهب.
ارتبط عبدالفتاح القصرى بجده ومنطقته ارتباطًا شديدًا منذ طفولته، فاختلط بأولاد البلد والتجار والباعة وأصبح يتحدث ويتصرف مثلهم، ويرتدى الجلباب مثلهم ومثل جده.
وأراد والده أن يلحقه بإحدى المدارس التى يتعلم فيها أبناء الطبقة الراقية فألحقه بمدرسة الفرير الفرنسية.
ورغم تفوق القصرى فى الدراسة إلا أنه كان دائم التأخر عن المدرسة بسبب سهره مع أصدقائه على المقاهى، واستمر فى المدرسة حتى أتقن اللغة الإنجليزية والفرنسية، ثم حسم أمره بعدم الرغبة فى استكمال دراسته.
جمع عبدالفتاح القصرى فى طفولته بين مخالطة أبناء الطبقة الراقية فى المدرسة وبين انتمائه وحبه لأولاد البلد الشعبيين فى الجمالية ومقاهيها وشوارعها، ودائمًا كانت ترجح الكفة الثانية فأحب حياة الباعة والمعلمين وولاد البلد وتأثر بهم، وعمل لفترة مع والده فأظهر خلالها براعة فى التحدث مع الزبائن الأجانب.
تعرف «القصرى» على عدد من فنانى المسرح، وعشق الفن والتمثيل وبدأت محاولاته لاحتراف الفن، فالتحق بعدد من الفرق المسرحية ومنها فرقة فوزى الجزايرلى، وعبدالرحمن رشدى، ولكن هذه الفرق تعثرت وواجهت بعض المشاكل وخلال هذه الفترة ثار غضب والده عليه بسبب تأخره وسهره، ووجد الحل فى أن يزوجه.
وبالفعل تزوج عبدالفتاح القصرى من أولى زوجاته فى أغسطس عام 1916، ولكنه طلقها بسبب عدم الإنجاب واستمر فى طريقه الفنى.
تشير نجلاء القصرى، ابنة شقيق عبدالفتاح القصرى، إلى أن والده غضب عليه وطرده وهدده بالحرمان من الميراث إذا ما استمر فى طريق التمثيل ولكنه أصر على موقفه وعلى استكمال مشواره الفنى.
وأوضحت ابنة شقيق عبدالفتاح القصرى أن عمها كان أكبر إخوته وهم والدها محمد الذى عمل بالصاغة وعمها حسن طبيب بيطرى وعمتها بهية، وأن والدها وعمها حسن أنجبا بينما لم ينجنب عمها الفنان عبدالفتاح القصرى وعمتها بهية، موضحة أنها الشقيقة الصغرى بين 7 أشقاء توفى أغلبهم: «الرجالة فى عيلتنا بيموتوا بدرى وإخواته الرجالة ماتوا قبله، وبقيت بعده أخته بهية». وتابعت: «لم نكن نرى عمى إلا فى العزاء عندما توفى إخوته، وكان شقيقى الأكبر يحكى أنه عندما دخل عزاء والدى ضحك كل الموجودين فى العزاء، بسبب مشيته وهيئته المميزة التى كان يتميز بها فى أفلامه وفى حياته، ولم أره إلا فى عزاء عمى الذى توفى بعد والدى».
بداية طريق النجومية صفعة من جورج أبيض
استمر عبدالفتاح القصرى فى طريق الفن رغم غضب والده والتحق بفرقة جورج أبيض، كما ذكر المؤرخ الفنى ماهر زهدى، وتحمس له جورج أبيض بعدما عرف إتقانه للغات وقدرته على ترجمة المسرحيات، وأعطاه دورًا فى مسرحية «أوديب ملكا».
وللقارئ أن يتخيل نجمه الكوميدى وهو يقف أمام جورج أبيض فى مسرحية تراجيدية جادة، ليقوم أبيض بدور أوديب، بينما يقوم القصرى بدور العراف الأعمى، فيقول أدويب للعراف الذى وصفه بالقاتل «صه يابن الجحيم»، ويأتى الدور على العراف عبدالفتاح القصرى الذى أراد التجويد فرد بصوته وطريقته المميزة «واحسرتااااه أنا تقوللى صه»، فانفجر الجمهور ضحكًا، وارتبك جورج أبيض وغضب بعدما أخرجه القصرى من حالة الاندماج مع الشخصية، فأمر بإغلاق الستار، وانفعل على القصرى فى الكواليس ووصفه بالفاشل وأنه لن يكون ممثلًا أبدًا، وتعجب القصرى لأنه ظن أن ضحك الجمهور معناه نجاحه، فازداد انفعال جورج أبيض وصفع القصرى على وجهه وطرده من المسرح، وصدرت الصحف فى اليوم التالى لتتحدث عن واقعة ضرب جورج أبيض لممثل مبتدئ أفسد العرض المسرحى، واعتقد القصرى أن هذه الصفعة كتبت نهاية مشواره الفنى القصير ولن تقبله أى فرقة مسرحية بعدما انتشرت تفاصيل الواقعة وحكم عليه جورج أبيض بالفشل.
لم يكن القصرى يعلم أن هذه الواقعة ستكون سببًا فى انطلاقه الفنى وسوف ترسم خارطة طريقه ليكون أحد عمالقة الكوميديا الذين لا يتكررون.
فبمجرد أن سمع نجيب الريحانى بأن فنانًا مغمورًا طرده جورج أبيض لأنه أضحك الجمهور بدلًا من أن يبكيه، بحث الريحانى عن هذا المغمور ليضمه إلى فرقته، وبعدما عثر عليه وقع معه عقدًا للعمل فى فرقته.
تألق القصرى فى فرقة الريحانى وربطتهما علاقة صداقة قوية، وبدأ ابن الجواهرجى طريق الشهرة والنجومية التى رسمها بهيئته وطريقة كلامه وخفة ظله وإيفيهاته وهو يجسد شخصية ابن البلد والحانوتى والمعلم، وخلال هذه الفترة تزوج مرتين ولكنه لم يحقق حلم الإنجاب، وفى فترات سفر الريحانى كان يعمل فى فرقة على الكسار وحقق شهرة واسعة.
التألق والنجومية
لم يقتصر تألق ونجاح القصرى على المسرح فقط وبدأ مشوار تألقه السينمائى عام 1935 عندما اختاره فوزى الجزايرلى للمشاركة فى فيلم «المعلم بحبح»، ولفت الأنظار إليه وبدأت تنهال عليه العروض السينمائية خلال فترة الأربعينات والخمسينات حتى وصل عدد الأفلام التى يشارك فيها خلال العام الواحد إلى 10 أفلام بخلاف العروض التى يرفضها، فضلًا عن المسرحيات التى شارك فيها، ورغم أنه كان يقوم بدور السنيد أو الدور الثانى، إلا أنه كان يخطف الأضواء ويلفت الانتباه أكثر من أبطال العمل الفنى فى أحيان كثيرة.
تشير ابنة شقيق القصرى إلى أن والده حرمه من الميراث، بينما تشير مصادر أخرى ومنها المؤرخ الفنى ماهر زهدى، إلى أن القصرى زار والده خلال فترة مرضه قبل وفاته وحصل على رضاه، خاصة بعدما خسر تجارته بعد الحرب العالمية الثانية، وأوصاه والده برعاية أشقائه ووالدته.
وكانت وفاة الريحانى من أكبر صدمات حياة القصرى الذى لم يكن يفارقه فى أيامه الأخيرة، وبعدها كون القصرى مع إسماعيل ياسين ثنائيًا فنيًا وكان أحد أركان الفرقة المسرحية التى كونها إسماعيل ياسين، وتجلى القصرى فى كل أدواره، وأصيب بمرض السكر عام 1951 بعد وفاة والدته.
عرف القصرى ما يريده منه الجمهور ورفض أن يخرج عن جلباب وعباءة ابن البلد: «أنا لا أصلح إلا لأدوار أولاد البلد، صاحب قهوة، جزار، حانوتى، ماقدرش أمثل دور باشا عمرى ما قعدت مع باشوات».. هكذا رد القصرى ضاحكًا عندما عرض عليه المخرج أحمد بدرخان عام 1951 المشاركة فى فيلم «مصطفى كامل» بتجسيد شخصية «زكى باشا مبارك»، كما ذكر الكاتب الصحفى والمؤرخ سعيد الشحات فى مقاله «ذات يوم» عن عبدالفتاح القصرى مستندًا إلى حوار أجراه القصرى مع الكاتب حسين عثمان.
ووصل إلى قمة تألقه ونجاحه فى دور المعلم حنفى شيخ الصيادين فى فيلم ابن حميدو عام 1957، والذى قالت عنه ابنة شقيقه نجلاء القصرى: «تكلف 18 ألف جنيه وربح 300 ألف جنيه وهو مبلغ ضخم فى هذا الوقت».
وشارك القصرى فى حوالى 64 فيلمًا أشهرها «لو كنت غنى، لعبة الست، الأنسة حنفى، ليلة الدخلة، الأستاذة فاطمة، إسماعيل ياسين فى متحف الشمع وكان آخر أفلامه فيلم سكر هانم عام 1960.
بداية النهاية
ظل حلم الإنجاب يراود القصرى ولم يشغله عنه تألقه ونجاحه ونجوميته، وبعد زواجه للمرة الثالثة أيقن أن هذا الحلم لن يتحقق، ففكر فى تبنى طفل، وهى الفكرة التى رفضتها زوجته الثالثة، ولكنه فى أحد الأيام رأى طفلًا فى الثانية عشرة ينام فى محل البقال المجاور له، وعندما سأل البقال عرف أنه يتيم ليس له أهل، فأشفق القصرى على الطفل من البرد والشارع وأخذه إلى بيته ليرعاه ويكون ابنه بالتبنى، وهو ما رفضته زوجته وتركت المنزل وتطورت المشكلات بينهما حتى طلقها. وفى عام 1958 وأثناء مشاركة القصرى فى مسرحية «عايز أحب» وصله خبر وفاة شقيقه محمد، فتحامل على نفسه حتى أكمل الفصل الثالث ثم انهار فى البكاء وبعد دفن شقيقه تدهورت حالته ودخل المستشفى.
وفى المستشفى تعرف على إحدى الممرضات التى شملته بعطفها وتعلق بها رغم أنها تصغره بسنوات كثيرة، وأبدت له هذه الممرضة مشاعر الحب وبعدما تماثل للشفاء تزوجها ليكتب بهذه الزيجة نهايته المأساوية.
أيام سعادة قليلة عاشها القصرى مع زوجته الشابة حتى أقنعته بأن يكتب لها كل أملاكه بحجة خوفها من أسرته إذا ما أصابه مكروه، وبعدها تغيرت معاملتها له، وبدأ يشعر بأن هناك علاقة مريبة تربطها بابنه بالتبنى وازداد شكه حتى تأثرت صحته.
كان القصرى يشارك فى مسرحية «الحبيب المضروب» عام 1962 مع إسماعيل ياسين وتحية كاريوكا واستيفان روستى، وأثناء أداء دوره فقد بصره، وصرخ على المسرح قائلًا: «الحقونى أنا مش شايف»، فظن إسماعيل ياسين أنه يرتجل كعادته، فإذا بالقصرى يقول: «أنا مش شايف قدامى، أنا عميت»، ظن الجمهور أن هذا الحوار جزء من المسرحية فتعالت ضحكاته، بينما أدرك إسماعيل ياسين ما أصاب صديقه فأمسك بيده إلى خارج خشبة المسرح وأغلق الستارة، لتكون هذه آخر مرة يقف فيها القصرى على المسرح ويعيش بعدها فى ظلام يشبه الأيام التى عاشها حتى وفاته.
انخرطت تحية كاريوكا فى البكاء، وحاول إسماعيل ياسين تهدئته، واصطحبوه إلى المستشفى، وعرفوا أنه فقد البصر بسبب ارتفاع السكر.
طلب القصرى من زملائه إحضار شقيقته بهية أقرب إخوته إليه والتى ظلت على تواصل معه حتى خلال فترة انفصاله عن أسرته فاصطحبته إلى منزله، حيث أساءت زوجته معاملتها لإبعادها عنه، بينما ظل القصرى أسيرًا فى بيته الذى تنازل عنه لزوجته، وعاملته الزوجة أسوأ معاملة.
وعن هذه الفترة، قالت ابنة شقيقه: «حبسته زوجته فى بدروم الفيلا وأساءت معاملته، بعدما استولت على أملاكه مما أدى إلى تدهور حالته وعجلت بنهايته».
القصرى أسيرًا
وأجابت نجلاء القصرى عن السؤال الذى طرحناه متعجبين من عدم سؤال باقى أفراد أسرته عليه خلال هذه الفترة لإنقاذه من زوجته، قائلة: «إخواته الاثنين ماتوا قبله، والدى مات قبل أن يكمل سن 48 عامًا وكان عمرى وقتها 3 سنوات، وبعده مات عمى حسن، لذلك صالت وجالت الزوجة الخائنة لأنه لم يكن هناك أحد يقف إلى جواره فى محنته، وأولاد إخواته كانوا صغيرين وماحدش يعرفه، وكانت عمتى بهية الأقرب إليه وهى التى كانت ترعاه فى أواخر أيامه ولكن كانت حالتها المادية ضعيفة».
وعن هذه الفترة كتبت مجلة الكواكب فى 17 مارس 1964: «أجبرته زوجته الشابة على تطليقها، وتزوجت من صبى البقال الذى كان يرعاه لمدة 15 سنة، ليس هذا فحسب بل أجبرته على أن يوقع شاهدًا على هذا الزواج، وأقام الزوجان فى الشقة معه، فكانت النتيجة أن فقد عقله وأصيب بالهذيان».
حبسته طليقته ومنعت عنه الطعام وعاش ذليلًا فى بيته يستجدى المارة من شباك غرفته، حتى فضحتها الصورة التى نشرتها جريدة الجمهورية فى 24 يناير 1964، فأسرعت مارى منيب ونجوى سالم لزيارته وبصحبتهما الصحفى محمد دوارة،–كما أشار سعيد الشحات فى مقاله «ذات يوم»، ولم تسمح لهم الزوجة بالدخول إليه إلا بعد معاناة، وكانت الصدمة التى أبكتهم أنه لم يتعرف عليهما بعدما أصيب بفقدان الذاكرة، فاصطحبته مارى منيب ونجوى سالم إلى مستشفى الدمرداش، وعرفا أنه أصيب بفقدان الذاكرة والهذيان، نتيجة تصلب الشرايين، وقضى القصرى عدة أسابيع فى المستشفى، خرج بعدها لتكتمل مأساته، حيث أغلقت مصلحة التنظيم منزله ووضعت عليه الشمع الأحمر تمهيدًا لإزالته، وباعت طليقته الأثاث وهربت مع زوجها الجديد، ليصبح القصرى بلا مأوى.
قادت مارى منيب ونجوى سالم حملة تبرع لإنقاذ القصرى من التشرد، وتوسطت نجوى سالم لدى محافظ القاهرة لتخصيص شقة له فى مساكن المحافظة، وخصصت له نقابة الممثلين إعانة شهرية قدرها «10 جنيهات»، ونشرت جريدة الجمهورية اسم كل فنان والمبلغ الذى تبرع به على صفحاتها.
عاش عبدالفتاح القصرى أيامه الأخيرة فى هذه الشقة مع شقيقته بهية، ولم تمض سوى أيام قليلة حتى صعدت روحه إلى بارئها فى 8 مارس 1964، بعد حياة حافلة بالفن والضحك والقهر والظلم والحزن، وأنفقت باقى التبرعات على جنازته التى لم يحضرها إلا عدد قليل من الفنانين، وشقيقته بهية التى توفت بعده.
نهاية المأساة
تشير ابنة شقيق عبدالفتاح القصرى، إلى أن أبناء إخوته كانوا صغارًا فلم يحضر أى منهم جنازته، بل تؤكد أنه لم يدفن فى مقابر الأسرة ولا يعرفون مكان قبره أو حتى المنزل الذى عاش فيه، حرصت نجلاء القصرى على وضع صورة صغيرة لعمها على صدرها أثناء لقائنا معها مشيرة إلى أنها لم تعثر على أى صور له مع أسرته، وأنه لم يتم تكريمه إلا مؤخرًا ببعض الشهادات من جمعية أبناء فنانى الزمن الجميل، بعدما تواصل معها رئيسها الدكتور نبيل رزق الذى تعرف عليها بالصدفة ولم يكن لها أو لأى من أفراد الأسرة تواصل مع الإعلام من قبل.
وأكدت ابنة شقيق القصرى أنه لم يتم تكريمه من الدولة، مفسرة ذلك بقولها: «ربما لم يستطيعوا العثور على أحد من أسرته ليتسلم هذا التكريم».