عاشت قصة حب أقوى من الموت ورفضت الانجاب حبا فى الفن.. طردتها أسرتها فنامت على البلاط وفقدت السمع بسبب صفعة شقيقها.. سر بقاء جثمانها 3 أيام دون دفن ولماذا لم تحقق أمنيتها الأخيرة؟
"15 سنة ولازالتِ هنا.. ولازال عطرك يفيض من حولى ويملأ الأمكنة.. 15 سنة على رحيلك يا سناء.. ولازلت أحكى للناس عن أول لقاء بيننا وأول كلمة حب.. وأول رقم تليفون هاتفتك عليه..15 سنة ولازلت أذكر حنانك ودفء كفك حينما كان يربت على كتفى.. 15 سنة وما زلت أحكى لمن حولى عن عشقى لكِ.. وعن عدم وفائك بالوعد.. رحلتى وتركتينى وحيدًا وقد كنا اتفقنا على ألا نفترق.. لكن لا راد لقضاء الله.. فلتكن مشيئته ونحن نقبلها برضاء تام.. أعيش على أمل أن ألقاك يا وحيدتى".. هذه الكلمات التى تفيض حبا كانت أخر ما كتبه الكاتب الصحفى الراحل لويس جريس العام الماضى فى ذكرى رحيل حبيبته ورفيقة عمره الفنانة سناء جميل وبعدها بثلاثة أشهر تحقق أمله ورحل الحبيب ليلقى حبيبته فى السماء.
تفوقت قصة حب لويس وسناء الخالدة على كل قصص الحب السينمائية التى لم يكن للنجمة الكبيرة نصيب منها على الشاشة رغم عبقريتها الفنية فعوضها حب لويس عن كل الحب الذى افتقدته فى حياتها.
أبدعت سناء فى دور نفيسة بفيلم "بداية ونهاية" السابع فى ترتيب أهم 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية، والذى كتب بداية تألق سناء جميل وصالحها فيه الحظ للمرة الأولى بعد رحلة شقاء طويلة لتكون بديلا عن فاتن حمامة فى القيام بهذا الدور بعد اعتذار سيدة الشاشة، ولا يتخيل من يراها فى هذا الدور الذى جسدت فيه دور الفتاة متوسطة الجمال التى تفتقد الحب وتضحى بنفسها من أجل شقيقها، أن صاحبة هذا الدور ستكون بطلة واحدة من أروع قصة حب فى الحياة وحتى الموت.
سناء جميل التى أبدعت فى مئات الأدوار المسرحية والتلفزيونية والسينمائية فجسدت دور الفتاة متوسطة الجمال والأم الارستقراطية والزوجة المتسلطة فى فيلم الزوجة الثانية -وهو أيضا أحد أهم 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية التى كان لسناء جميل نصيب فى ثلاثة أفلا من بينها، وأبهرت الجميع عندما جسدت شخصية فضة المعداوى فى مسلسل "الراية البيضاء" حتى تفوقت على الشخصية التى كتبها أسامة أنور عكاشة الذى قال عنها «ما منحته سناء للشخصية من حياة وروح فاق كل توقعاتى وتصوراتى وأنا أنسج خيوطها على الورق، فهى أضفت عليها تألقها الخاص»
عاشت سناء جميل حياة مليئة بالصعاب والأشواك حتى قابلت رفيق عمرها لويس جريس، وقالت عن معاناتها: "حياتى الصعبة المليئة بالأشواك وصبرى الطويل وقدرتى على تحمل كل هذه الظروف الشاقة تجعلنى مثيلة لزهرة الصبار فى الصبر والتحمل، ومواجهة الشدائد والمصاعب".
هى ثريا يوسف عطا الله التى لدت عام 1930 بمركز ملوى فى المنيا لأسرة قبطية مسيحية، انتقلت إلى القاهرة قبل الحرب العالمية الثانية لتلتحق سناء بمدرسة المير دى دييه الفرنسية الداخلية وعمرها 9 سنوات وظلت بها حتى المرحلة الثانوية، عشقت الفن وأرادت الالتحاق بالمعهد العالى للفنون المسرحية، فرفضت أسرتها، وحسب الفيلم التسجيلى«حكاية سناء»الذى أنتجه زوجها لويس جريس وفاء لها، صفعها شقيقها صفعة أدت إلى فقدانها السمع بإحدى أذنيها، وطردتها أسرتها بعد تمسكها برغبتها.
وفى مقابلة منها حكت سناء عن المعاناة التى عاشتها باكية، واشارت إلى أنها لجأت للمخرج زكى طليمات فساعدها على لإقامة فى بيت طالبات وضمها لفرقة "المسرح الحديث "، وأطلق عليها اسمها الفنى سناء جميل، وعملت ابنة الاسرة الارستقراطية وخريجة المدارس الفرنسية بالتفصيل حتى تستطيع الانفاق على نفسها وكانت تنام على البلاط أحيانا.
وشاركت فى عدد من الأدوار السينمائية والمسرحية حتى تألقت فى فيلم بداية ونهاية وأشاد بها النقاد والجمهور وتوالت إبداعاتها الفنية فى العديد من الأعمال "الزوجة الثانية، الرسالة، الحجاج بن يوسف، المستحيل، ساكن قصادى، خالتى صفية الدير، اضحك الصورة تطلع حلوة" وغيرها.
بدأت السعادة تعرف طريقها إلى زهرة الصبار الحزينة عندما تعرفت على رفيق عمرها لويس جريس عام 1960، فى حفل توديع صحفية سودانية أنهت تدريبها فى روزاليوسف، وظلت تخطئ فى اسمه طوال الحفل وتناديه "يوسف"، تعلق بها لويس لكنه ظن أن زواجهما مستحيلا حيث اعتقد أنها مسلمة لكثرة قولها "والنبى"، حتى أنه فكر فى إشهار إسلامه للزواج منها، وبعدها اكتشف أنها مسيحية فعرض عليها الزواج وتزوجا بدبلتين لا يتجاوز سعرهما 10 جنيهات، وحكى جريس عم يوم زواجهما فى أحد البرامج، مشيرا إلى أن القس رفض القس إتمام الزواج دون وجود معازيم وشهود، فتوجه إلى جريدة (روز اليوسف)، التى كان يعمل بها، واستأجر 7 عربات جمع فيها 35 شخصًا من زملائه ليحل الأزمة، وقضيا شهر العسسل فى التنقل بين عدة محافظات لارتباط سناء بعدد من العروض المسرحية.
كان سناء ولويس نموذجا مثاليل لقصص الحب الرومانسية والارتباط الذى يتفانى كل طرف فيه فى كيان الأخر، فكانت سناء تحلف باسمه دائما قائلة "وحياة لويس"، واستجاب الزوج العاشق لرغبتها فى عدم الانجاب والتفرغ للفن، وكان كل منهما محور حياة الأخر، ومتكأه الذى يستند عليه، حتى أن لويس جريس لم يستخدم العصا ليستند عليها ماشيا إلا بعد وفاة سناء، التى أصيبت بسرطان الرئة وظلت تعانى لمدة 3 أشهر وكانت وفاتها فى 19 ديسمبر عام 2002 أكبر صدمة فى حياة رفيقها المحب العاشق الوفى، الذى أراد أن يحقق رغبتها فى أن تلتقى بأحد أقاربها ولو بعد وفاتها فانتظر ثلاثة أيام قبل دفنها على أمل أن يظهر أحد أفراد أسرتها ليشارك فى تشييعها إلى مثواها الأخير، ونشر نعيا يفيض بالحب فى كل الصحف اكد فيه أنها لم تكن مجرد زوجة رائعة ولكنها كانت الأم والأخت والصديقة وكتب فى النعى: "التقينا عام 1960، وتزوجنا عام 1961، واحتفلنا فى يوليو الماضى بعيد زواجنا الحادى والأربعين..وسناء جميل التى رحلت عن دنيانا جسديا هى قريبة ونسيبة جموع الفنانين فى العالم العربى..الفن فى حياتها محراب مقدس، ورسالة تدقق فيها بشدة، حياتها الفنية تشهد بذلك، وسوف يصلى على جثمان الفقيدة فى الكنيسة البطرسية فى العباسية"
انتظر لويس جريس 3 أيام ولكن لم يظهر أحد من عائلة سناء، فدفن حبيبته ورفيقة عمره فى 22 ديسمبر 2002، وظل يعيش معها وعلى ذكراها وينتظر لقائها لأكثر من 15 عاما، حتى لحق بها فى 26 مارس 2018 ليجتمع الحبيبان فى السماء إلى الأبد ودون فراق.